ما أكثر حالات الخلل التقني التي تتعرض لها وسائل التواصل الاجتماعي!
فالخلل التقني هو القاسم المشترك والحجة المستمرة التي يحاول القائمون على هذه المواقع الاختباء خلفها، عند كل عملية حذف أو تحريف أو حظر للمحتوى الفلسطيني.
هذا الادعاء ليس بجديد حيث بدأ حذف المحتوى الفلسطيني من منصة فيسبوك لأول مرة في عام 2016، وسرعان ما حذت منصات أخرى مثل تويتر وإنستغرام حذوها، بذريعة قانون مكافحة الإرهاب الأميركي، إلا أن الأمر أصبح أكثر وضوحاً خلال الهبة الشعبية الأخيرة وهذا طبيعي كون زيادة الحراك على أرض الواقع رافقه بطبيعة الحال دعم الناشطين له وبشكل متميز وغير مسبوق على صفحات السوشيال ميديا وكنتيجة لذلك تفاقم الخلل التقني ووصل إلى حالة غير مسبوقة من مصادرة وإسكات الصوت الفلسطيني منتهكين مبادئ حرية التعبير التي يتبجح بها القائمون على هذه المواقع.
ففي عام 2016 وقّعت شركة فيسبوك مذكرة تفاهم مع حكومة الاحتلال الصهيوني لمكافحة “معاداة السامية”، لكنه توسَّع وأعطي أبعاداً جديدة ليشمل منع انتقاد الممارسات الجائرة للاحتلال الصهيوني مساهمةً بقمع الشعب الفلسطينيي الساعي إلى حريته، حتى صارت كلمة “صهيونية” تُعتبر محمية بموجب سياسات خطاب الكراهية، وبالتالي يُحظر المحتوى المعادي للصهيونية والمنتقد لإسرائيل على جميع تطبيقات فيسبوك على أساس أنه “معادٍ للسامية”.
لذلك فإن التبرير القائل إن حذف المحتوى أو الحسابات أو تقييدهما لا يتم عن طريق العنصر البشري وإنما عن طريق خوارزميات. إلا أنه من البديهي أن هذه الخوارزميات تم إعدادها بشكل مسبق من قبل العنصر البشري، وبناء على هذه المعطيات، الخوارزميات ستأخذ قرارات لحجب حسابات أو تقليل الانتشار من محتوى معين.
ولم تكتف مواقع التواصل الاجتماعي باعتماد الخوارزميات المعدة مسبقاً، أي التي تم إعدادها مسبقاً من قبل العنصر البشري، بل تجاوزتها بالتدخل اللاحق من قبل هذا العنصر، وذلك بعد أن تمكن الناشطون، من الفلسطينيين أو الداعمين للقضية الفلسطينية، من كسر هذه الخوارزميات عن طريق التحايل عليها من خلال الكتابة دون تنقيط أو وضع فواصل أو رموز في الكلمات الدالة على المحتوى الخاص بالقضية الفلسطينية، ولا سيما التي تتناول أحداث قصف غزة والاعتداء على المسجد الأقصى والتهجير القسري لأهالي حي الشيخ جراح وقرية سلوان، أو التي تتضمن كلمات مثل القدس، أو حماس أو إسرائيل، وغيرها من الكلمات.
إلا أن فيسبوك وإنستغرام وغيرهم من المواقع استطاعوا إيقاف هذا الكسر، بعد أن حقق نجاحاً بتجاوز رقابة الخوارزميات، عن طريق تدخل العنصر البشري مباشرة بعملية الرقابة، ليتأكد أن الحذف لم يكن ناتج عن خلل تقني من الخوارزميات المعدة مسبقاً. ولمجرد القول أن هنالك خوارزميات معدة مسبقاً أدت إلى حذف أو منع أو تقييد المحتوى الفلسطيني، ما هو إلا دليل على معاداة هذه المواقع للمحتوى الفلسطيني ومحاولة منهم إسكات الصوت الفلسطيني وعدم السماح له بالانتشار عالمياً.
ورغم معدل الاستجابة المرتفع لطلبات الاحتلال الإسرائيلي حذف المحتوى الفلسطيني أو إغلاق صفحات الناشطين، حيث تستجيب الشركة إلى نحو 85% من طلبات الاحتلال وفقا للمعلومات الصادرة من مكتب المدعي العام للاحتلال في مارس/آذار 2018، تردد صدى الصوت الفلسطيني ووصل إلى مسامع معظم سكان العالم، صوت جلب الانتقادات لآلة القتل والتطهير العرقي الصهيونية، مما دفع الاحتلال لاتهام شركات التواصل الاجتماعي بالتهاون مع الفلسطينيين في عملية القمع الرقمي. ما حذا بوزير دفاع الاحتلال الصهيوني الأسبق بيني غانتس إلى لقاء مديرين من شركتي فيسبوك وتيك توك. ليحثهم على اتخاذ المزيد من القمع الرقمي بحق الفلسطينيين.
كل هذا القمع الرقمي الذي يعاني منه الفلسطينيين؛ رغم أن معظم المحتوى الذي تم استهدافه يندرج تحت الإطار السلمي والبعيد عن “التحريض والكراهية” فهو بمجمله يوصف المعاناة الفلسطينية ويوثق جرائم الاحتلال؛ قابله غض البصر وتجاهل الرقابة على محتوى المستوطنين ومن لف لفهم رغم كل ما يتضمنه من تحريض وكراهية. هذا ما أكده إياد الرفاعي، أن “كل 66 ثانية هناك منشور تحريضي واحد ضد العرب والفلسطينيين ينشره إسرائيليون، لكن فيسبوك لا يفعل شيئا”.
ولم تكن شركة غوغل بعيدة أيضاً عن معاداة الفلسطينية وطمس الهوية الفلسطينية بالكثير من المجالات. فعلى سبيل المثال قام تطبيق الخرائط التابع للشركة استبدال الأسماء التي أطلقها الاحتلال على القرى والمدن الفلسطينية بأسمائها الأصلية. مما يوحي تماهي كامل مع سياسات الاستعمار الاستبدالية والإحلالية ضد الشعب الفلسطيني والهوية الفلسطينية. وعلى خطى هوليود ربطت غوغل الكوفية الفلسطينية بالإرهاب، لا بل ذهبت غوغل في موقع يوتيوب التابع لها إلى أبعد من ذلك من خلال استبدال كلمة إرهابيين بكلمة فلسطينيين، بعد تحريف في ترجمة كلمة “فلسطينيين” باللغة التركية لتصبح كلمة “إرهابيين” في مقطع فيديو باللغة التركية عن حرب إسرائيل على غزة.
وكغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي بررت ذلك بالخطأ التقني المرتبط بالخوارزميات. تبرير لا يمكن أن للعقل قبوله، لا سيما أن طريقة نطق كلمة “فلسطينيين” بعيدة كثيراً عن طريقة نطق كلمة “إرهابيين”.
لمواجهة كل هذا العداء للفلسطينية الموجود بسياسات محركات البحث على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، دفع الفلسطينيين إلى تبني مبادرات احتجاجية، مثل منح تقييمات منخفضة لتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في متاجر التطبيقات، وبالأخص فيسبوك، لتقليل ظهورها والحد من التفاعلات، وتوصيل رسالة إلى العالم حول قدر الانحياز الذي تمارسه هذه الشركات. وهذا أثر على قيمة سهم فيسبوك في هذه الفترة بسبب التراجع الحاد في تقييم التطبيق على متاجر التطبيقات.
إلا أنه لكي تحقق مثل هذه المبادرات نجاعةً، لا بد لها من الاستمرارية والتطور، وألا تكون محصورة بفورة ومدة زمنية محدودة. كما أنه لابد من إيجاد البدائل لمحركات البحث ومواقع التواصل حتى تستطيع هذه المبادرات الانتقال خطوة إلى الأمام عن طريق الدفع بالانسحاب الجماعي من هذه المواقع باتجاه البدائل الجديدة.