خطوة جوزيه ساراماغو الأولى للوصول إلى نوبل (ترجمة)

حسني مليطات

كاتب فلسطيني

وفي الوقت الذي أمضاه في قريته، زرع عدداً من الأشجار، إذ لم يعد لديه شيء آخر يفعله في الحياة. اعتقد بأنه كتب هذا الكتاب لأنه تذكر محادثة قديمة مع بعض أصدقائه القدماء، وتحديداً في سن المراهقة، في الفترة التي كانوا يسألون فيها بعضهم البعض عن المهنة التي يرغبون العمل فيها عند كبرهم، فقال لهم: أريد أن أصبح كاتباً.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

25/11/2021

تصوير: اسماء الغول

حسني مليطات

كاتب فلسطيني

حسني مليطات

وباحث ومترجم، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أوتونوما في مدريد، متخصص في الأدب المقارن والدراسات الثقافية والفنية، نشر عدداً من الأبحاث العلمية في مجلات دولية مختلفة، وترجم عدداً من المؤلفات، منها: كتاب "قبل النهاية" لـ إرنستو ساباتو، وكتاب "عندما كُنّا عرباً" لـ إميليو غونثالث فيرّين.

نشرت صحيفة ألباييس هذا المقال قبل أيام، احتفالاً باكتمال ترجمة أعمال الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو إلى اللغة الإسبانية، وذلك بصدور ترجمة روايته الأولى، الرواية المنسية، “الأرملة”، الرواية التي صدرت عام 1947 بعنوان لم يرض عنه الكاتب البرتغالي، وفيما يلي ترجمة للمقال، مرفقاً بترجمة أحد فصول الرواية. 

 

مع بلوغه سن الرابعة والعشرين، وقّع الكاتب البرتغالي أولى روايته “الأرملة”، والتي ترجمت مؤخراً إلى اللغة الإسبانية. 

بلغ ذلك الكاتب الشاب الرابعة والعشرين، عُرف بهدوئه، وانطوائه، يكسب رزقه بالعمل كموظف في الخدمة الإدارية في المستشفى المدني في لشبونة، بعد أن عمل لأكثر من عام كميكانيكي متدرب في ورش عمل تابعة لذلك المستشفى. في ذلك الوقت كان يمتلك عدداً قليلاً من الكتب؛ لأنه كان يتقاضى راتباً محدوداً جداً، لكن قبل ذلك بفترة زمنية، قرأ في مكتبة البلدية في قصر جالفياس كل ما يستطيع قراءته حتى يُدرك عالمه. وفي زمن العزوبية، أقرضه زميله في العمل فيغيريدو 300 إسكودو؛ بهدف شراء مجموعة Cuadernos الصادرة عن دار Inquérito للنشر. أما أول رفّ في مكتبته فكان عبارة عن رف خزانة عائلته الداخلي. في ذلك العام أي في 1947 رُزق ساراماغو بطفلة، أطلق عليها اسم بيولانتي، ونشر في تلك الفترة نفسها، الرواية التي عكف على كتابتها، وعنونها بــ “الأرملة”، إلا أنها ستنشر بعنوان آخر لم يكن يتوقعه على الإطلاق.  

وفي الوقت الذي أمضاه في قريته، زرع عدداً من الأشجار، إذ لم يعد لديه شيء آخر يفعله في الحياة. اعتقد بأنه كتب هذا الكتاب لأنه تذكر محادثة قديمة مع بعض أصدقائه القدماء، وتحديداً في سن المراهقة، في الفترة التي كانوا يسألون فيها بعضهم البعض عن المهنة التي يرغبون العمل فيها عند كبرهم، فقال لهم: أريد أن أصبح كاتباً. ومع ذلك، فقد كان حلم ساراماغو عندما كان صغيراً أن يصبح سائق قطار. ولو أنّ نظره لم يكن ضعيفاً، وقوته البدنية لم تكن ضعيفة، لفكّر بأن يكون طيّاراً عسكرياً. وفي النهاية، أصبح ساراماغو كاتباً معروفاً في عمله، إذ عرف بطقوسه الخاصة به، ودقته المتناهية، لدرجة أنه عندما يبدأ نشاطه الكتابي، يخصص طاولة صغيرة له، ويضعها بجانب المطبعة. لا يعرف ما يقوله حول كيفية مجيء فكرة الكتابة عن حكاية الأرملة الريباتيخونية إليه، لاسيما وأنه يعرف القليل عن ريباتيخو، إلا أنه لا يعرف شيئاً عن أراملها، ولا حتى قصة واحدة من قصصهن، في حال إذا كان هناك على الأقل، بعض الأرامل الشابات وصاحبات ملك، ويلتفت إليهنّ الجميع. 

كما أنه لا يعرف أيضاً لماذا اختار أنطونيو ماريا بيرييرا، عندما قرر بجرأة ملحوظة، وبدون عرابين، ولا توصيات، ليكون ناشر كتابه. وسيخلد إلى الأبد سراً من أسراره الغامضة في حياته، والذي كتبه له مانويل رودريغيز من دار Minerva للنشر، ذلك السر المتعلق بتلقي الناشر لنسخة من رواية “الأرملة” من خلال مكتبة باكس في براغا، وأنه كان ينبغي عليه أن يمر على روا لوث سوريانو، الذي كان موجوداً في دار النشر. ولم يجرؤ المؤلف على سؤال مانويل رودريغز عنه؛ بسبب تورط باكس في هذه القضية، علماً بأن الحقيقية هي أنه أرسل الكتاب فقط إلى أنطونيو ماريا بيرييرا. فظنّ بأنّه ليس من الحكمة أن يطالبه بتفسيرات عن مصير كتابه، وأنه مستعد للاستماع إلى الشروط التي يقترحها ناشر Minerva عليه. أولاً: لن يدفعوا له الحقوق المطلوبة. وثانياً: العمل على استبدال العنوان الذي لم يكن مقنعاً ولا جذاباً تجارياً. 

لم يعتد مؤلفنا على امتلاك بضع أرباع ليوفرها ويضعها في جيبه، وكل الشكر لمانويل رودريغير على المغامرة المحفوفة بالمخاطر التي كان على وشك القيام بها في سبيل نشر كتاب ساراماغو، حتى أنه لم يناقش الجوانب المادية المتعلقة بالعقد، الذي لم يتجاوز على الإطلاق الاتفاق العادي البسيط. وفيما يتعلق بالعنوان المرفوض، همس بأنه يبحث عن عنوان آخر، إلا أنّ دار النشر سبقته في ذلك، وأخبرته بأن عندها عنوان مناسب، فلم يفكر في ذلك مطولاً. سيطلق على هذه الرواية اسم “أرض الخطيئة”. اندهش المؤلف لانتصاره بنشر الكتاب، ولهزيمته بتغيير عنوان مولوده الثاني، كتابه، فأنزل رأسه، وذهب إلى عائلته وأصدقائه ليخبرهم بأنّ أبواب الأدب البرتغالي قد فُتحت له. ولم يستطع أن يُخمّن بأنّ الكتاب سيخفت بريقه إلى الأبد. في الواقع، وبالحكم على ما يُرى، لن يكون للمستقبل الكثير ليقدم ما في جعبته لمؤلف “الأرملة”.

فصل من الرواية
 

ملأت رائحة الأدوية النتنة والمقرفة جو الغرفة، حتى أصبح التنفس صعباً، والهواء، الحار جداً، لم يعد يصل إلى رئتي المريض، ذلك الجسد الممدد تحت غطاء السرير القذر، ومع حرارته المرتفعة، تنبعث منه رائحة قوية مُدوّخة. من الغرفة المجاورة التي لا يُسمع فيها شيء لسماكة بابها المُغلق، سُمع، هذه المرة، صوت ضجيج قادم منها. هزّ المريض رأسه على وسادته المليئة بالعرق ببطء، في إيماءة إلى تعبه ومعاناته. ابتعدت تلك الأصوات شيئاً فشيئاً. وفي الطابق السفلي، سمع طرقات على الباب، شبيهة بطرقات أرجل حصان. أما ضجيج الرمل المسحوق بأرجل الحيوان فزاد فجأة أسفل نافذة الغرفة واختفى بسرعة، كما لو أن حوافره تمشي على الوحل. نبح الكلب. 

وعلى الجانب الآخر من الباب، سمع صوت خطوات حذرة ومدروسة. وبعد ذلك، صرّ قفل الباب قليلاً، وفتح الباب ومشت امرأة باتجاه السرير. استيقظ المريض من سباته قلقاً، وسأل مذعوراً: 

  • مَن يمشي هناك؟ وبعد ذلك لاحظ القادم إليه، وقال: آه هو أنت! أين السيدة؟ 

  • ذهبت لمرافقة الطبيب إلى الباب، ولن تتأخر… 

كان الجواب عبارة عن تنهيدة. نظر المريض بحزن إلى يديه الطويلتين والضخمتين والمصفرّتين كما لو أنهما يدي عجوز. 

  • أنا في حالة صعبة يا بينديتا، أليس كذلك؟ وهذا يعني بأنني، على ما يبدو، لن أخرج من هذه الحالة إلا ميّتاً؟ 

  • ما بك يا سيد ريبيرو، لماذا تتحدث عن الموت؟ فالطبيب لم يخبرك بأي شيء يفزعك… 

  • أتقصدين أخي الطبيب؟ 

  • نعم يا سيدي! بالإضافة إلى الدكتور فيغاس، الذي خرج للتو. فهو حتى الآن لم يصل بعد إلى سياج باب الحديقة. حفظه الله من أي شر قد يتعرض له عندما يمر بجانب المقبرة، إذ عليه أن يمر من هناك حتى يذهب إلى منطقة موشيس!…. 

ابتسم المريض ابتسامة خفيفة، أنعشت، سريعاً، وجهه النحيل المجعّد، وحركت شفاهه الصغيرة والجافة. وضع يده على لحيته الطويلة المليئة بالشيب، وأجاب: 

  • بينديتا، بينديتا، ليس من المعقول أن تتحدثي عن المقابر أمام شخص مصاب بمرض خطير، وينظر كثيراً وبشكل متكرر عبر نوافذ الغرفة إلى جدران أحدها…. 

أخفت بينديتا وجهها، ومسحت دمعتين سالتا على جفنيها المتعبين. 

  • أتبكين؟ 

  • لا يمكنني أن أسمعك تتحدث عن هذه الأشياء يا سيد ريبيرو. فأنت لا يمكن أن تموت! 

  • لا يمكن أن أموت؟! ماذا تقولين؟؟ بل يمكن أن أموت… كلنا يمكن أن نموت…!!

أخرجت بينديتا منديلاً من جيبتها الأمامية، ومسحت عينيها ببطء. وذهبت بعد ذلك إلى الخزانة المركون فيها صورة العذراء، الصورة التي بدت وكأنها تتحرك بتذبذب حركة ضوء الشمع المحاط بها، ضمت يديها أمام الصورة وهمست قائلة: 

  • حفظك الله يا مريم، فأنت مليئة بالنعم… 

عمّ الصمت أرجاء الغرفة. ولم يقطعه إلا همسات شفتي بينديتا وهي تصلي. ومن عمق الغرفة خرج صوت المريض ضعيفاً ومرتجفاً: 

  • أي إيمان تتحلين به يا بينديتا! هذا هو الإيمان الحقيقي الذي لا جدال فيه، ذلك الإيمان الذي رضي به ووجد في أي تفسير يعبر عنه في حياتك نفسها.

  • لا أفهمك يا سيد ريبيرو. فأنا أؤمن ولا شيء أكثر. 

  • نعم، تؤمنين ولا شيء أكثر. ألا تسمعين خطوات شيء ما؟ 

  • ربما هي خطوات السيدة ماريا ليونور. 

فُتح الباب ببطء، ودخلت ماريا ليونور، ترتدي فستانا أسوداً، وحجاباً أسوداً مُطرّزاً على شعرها الفاتح واللامع. 

  • ماذا قال لك الدكتور فيغاس؟ 

  • أنك ما زالت على حالك بعد، لكنه يرى بأنك ستتحسن قليلاً في الأيام القادمة. 

  • يرى بأنني سأتحسن، نعم سأتحسن، على الأرجح بأنني سأكون كذلك. 

ذهبت ماريا ليونور تجاه السرير، وجلست إلى جانب المريض. عيناه المحمومتان تنظران إلى عينيها. سألها بحنان: 

  • أبكيت؟ 

  • لا يا مونيل! لماذا أبكي؟ فأنت لست في حالة خطرة، أيام قليلاً وتصبح في حالة جيدة… فلم البكاء؟ 

  • إذا كان كل شيء على ما يُرام، كما تقولين، فإنه لم يعد هناك أسباب للبكاء. 

اقتربت منهما بينديتا بعد أن أنهت صلاتها، وقالت: 

  • سأذهب لرؤية الأطفال، إن كانوا قد ناموا أم لا يا سيدتي. 

  • مررت من هناك، ووجدتهم نائمين. لكن اذهبي، اذهبي…. 

  • بالإذن. 

أغلقت الباب ورائها، ومشت في ممر طويل غارق في العتمة، حيث تهفت خطواتها على السجاد، ما يجعل إيقاعاتها مكتومة. فتحتْ باباً كبيراً وثقيلاً، وعبرتْ إلى صالون واسع، لا شيء فيه، مُضاء ببريق ضوء القمر المنعكس على الأرض، حيث يتشكل صليب من الظل. مشتْ حتى النافذة، فتحتها، ونظرت إلى الخارج. انعكس ضوء القمر على الأشجار والبيوت المنتشرة في المزرعة. وبينما هي تتأمل ما في الخارج، سمعت هدير أصوات من الطابق السفلي للبيت. بدت تلك الأصوات والأنوار تعلو شيئاً فشيئاً مثل أصابع اليد الخمسة.

أغلقت بينديتا النوافذ ببطء وطرقت وأحكمت إغلاقها. وسارت، بعد ذلك، باتجاه الباب الذي تتخلله شقوق ينفذ منها الضوء، ودخلت. 

الكاتب: حسني مليطات

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع