ما أريد وما لا أريد

Untitled, Hassan Manasrah. acrylic on canvas

سارة العصّار

كاتبة من غزة

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

11/03/2024

تصوير: اسماء الغول

سارة العصّار

كاتبة من غزة

سارة العصّار

هل أريد أن أفقد رؤيتي؟ لا أريد أن أرى نساء ورجالاً وأطفالاً في الشوارع المدمرة لا يوجد ما يأويهم، أعينهم خالية لا حياة فيها في محاولتهم أن يهربوا من الموت، أن ينسوا ما حدث، أن يكذّبوا ما حدث.

وهل أريد أن أفقد سمعي؟ لا أريد أن أسمع صوت قصف المحتلين على بيوت الناس. إنى أشعر بها تحطم قلبي وليس بيوتهم. إنها تدمرني شيئاً بعد شيء وبأن للإنسان قيمة، وبأن هنالك مستقبل. هل أريد أن يكون لي مستقبل أعيشه؟ أم أني سوف أغادر قبل بدئه. أشعر بالإرهاق. في كل ليلة لا أستطيع إغلاق عيناي بمجرد التفكير بما سيحدث مستقبلًا. كل يوم يزداد التعب، ويزداد الاشتياق لأيامي التي كنت أحياها في الماضي. 

أصبحت وسيلتي الوحيدة للهروب هي الكتابة. أتساءل ماذا أريد أن أهرب. الموت؟ أم أني أريد أن أهرب من رؤية ما يحدث خارجاً؟ أنا فتاة مراهقة. ولكن ها أنا الآن، أنا وصديقاتي ننظر للسماء ليس لمشاهدتها بل لتخمين أي الطائرات أقرب إلينا. نتسائل إن كانت ستقصفنا، وإن كانت ترانا، إن هي تشعر بنا وبألمنا، أم تتصيدنا فريسة بعد الأخرى. إننا نموت يومًا بعد يوم. أرواحنا أصبحت بلا حياة. نحاول أن نتخطى ما يحدث ولكن لا شيء يُجدي نفعاً مع هذا الوضع من ذل وظلم ومجاعة، والكثير الكثير من الأشياء. مللنا. أريد ان أشمّ روائح منعشة، رائحة الربيع وليس رائحة الرماد والبارود والدماء والموت.

لا أريد أن أسمع صرخات الناس على أحبائهم الذين ذهبوا ولن يعودوا. لا أريد أن أسمع صرخات الجرحي على آلامهم التي لا تلتئم في قلوبهم وفي جسدهم. لا أريد أن أسمع جملة أن بيت أحبائكم قد ذهب بمن فيه. أنا أعرف بأني لن أراهم إلا إذا ذهبت عندهم، وحينها أعرف أني لا أريد إلا الذهاب إليهم. أريد أن أشتكي ما يحصل من ظلم، أريد أن أبكي لربي وأخبره بكل شيء. لكن كل كلمة أريد إخراجها من فمي، لا أستطيع. أصبح عقلي فارغ لا يوجد ما أشرحه، لا يوجد ما أصفه، يداي تخذلاني. فقط عيناي تصرخان بالنجدة. عيناي تريدان البكاء، ولكني لا أستجيب.

أريد احتضان أمي وأبي وأخوتي يومًا بعد يوم. لا أريد ذهابهم من بين يدي. أريد أن أسمع نبضات قلبهم، لكن هذا لا يكفيني. أريد احتضانهم بقلبي وروحي. أريد إخبارهم كلمات لا يقدر عليها لساني. أريد إخبار أمي كم أن ضحكتها تجعل أعيني تريد رؤيتها، وأن إحتضانها يجعلني أشعر بالدفء. أريد إخبار أبي أن حديثه كل يوم لا أريد له أن يتوقف. أريد سماع صوته كل اليوم. لا أريد أن أفتقده.

أريد إخبار أختي الوحيدة أني لا أريد التوقف عن النظر إلى عينيها وفمها وشعرها. لا أريد أن أتخيل يومًا من دونها. أريد أن أقول لأخوي الكبيرين، اللذان لا أراهما كثيرًا ولكن كل ما أعرف أني مشتاقة إليهما هما فقط، ولا يشغل بالي وتفكيري سواهما، أريد أن أقول لهما لا تخافا إن لاقينا حتفنا، لكن لا تنسيانا. لا أريد أن تبكيا، فلا يرضى قلبي أن تشعرا بالحزن. أريد لكما حياة يمكنكما أن تفعلا بها ما تشاءان. 

لا أريد أن أتحدث عن عائلتي. إن بدأت لن أتوقف. لا أريد أن أتحدث إن فقدت عائلتي. لا أريد لكلماتي أن تكون.

الكاتب: سارة العصّار

هوامش

موضوعات

...للكاتب/ة

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع