القائمة القصيرة لجائزة المان بوكر 2016: لا شفاعة للأسماء الكبيرة

أوتيسا مشفق، كاتبة أميركية من أب إيراني وأم كرواتية

تحسين الخطيب

مترجم وكاتب من فلسطين

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

16/09/2016

تصوير: اسماء الغول

تحسين الخطيب

مترجم وكاتب من فلسطين

تحسين الخطيب

وعلى شاكلة القائمة الطويلة، لم تخل القائمة القصيرة لجائزة “المان بوكر” لهذا العام والتي أعلنت في مساء الثالث عشر من شهر سبتمبر الجاري، من مفاجآت غير متوقعة، بالنسبة إلى كثير من المتابعين. أولى هذه المفاجآت المدويّة، خروج الروائي الجنوب أفريقي جيه. إم. كُتسي (جائزة نوبل في الأدب للعام 2003) بعد أن استبعدت لجنة المحكمين، برئاسة المؤرخة البريطانية أماندا فورمن، روايته “أيام المسيح في المدرسة” من المنافسة النهائية لهذا العام، وهو الذي سبق له أن فاز بالجائزة مرتين— في العام 1983، عن روايته “حياة مايكل كيه وأزمنته”؛ وفي العام 1999، عن روايته “العار”. ولم يقتصر خروج الأسماء الكبيرة من القائمة القصيرة على كُتْسي فحسب، بل امتدّ ليشمل كلًّا من الأميركية إليزابيت ستراوت، الحاصلة على جائزة البوليتزر في العام 2009 عن مجموعتها القصصية “أوليف كيتريدج”، والأسكتلندية إيه. إل. كينيدي، الفائزة بجائزة كوستا للكتاب في العام 2007 عن روايتها “يوم”. ولم تكد تقتصر المفاجأة الثانية على دخول الروائية الأميركية أوتيسا مشفق (35 عامًا) حلبة السباق، بروايتها الأولى “إيلين”، لتكون بذلك أصغر روائية في تاريخ القائمة القصيرة للجائزة، وإنما اشتمال القائمة أيضًا على روائيتين أخرتين، البريطانية ديبرا ليفي والكندية مادلين ثاين، مما يجعل القائمة موزعة بالتساوي بين الجنسين، وهذا مؤشر عظيم الدلالة على الدرجة الرفيعة التي بات يحتلها الأدب الذي تكتبه المرأة اليوم. وأمّا المفاجأة الثالثة، فهي اختيار روايتين صدرتا عن داري نشر صغيرتين، على حساب تلك التي نشرتها دور النشر العريقة ذات الميزانيات الكبيرة العابرة للحدود؛ وهما رواية “مشروعه الدموي” للأسكتلندي غرييَم ماكرييه بيرنيت، وهي الرواية التي لم يُكتَب عنها أيّ مراجعات نقدية في الصحافة الثقافية حين صدرت في العام 2015، ورواية “الخيانة” للأميركي بول بيتي، والتي نشرتها دار “وَنْ وورلد”، وهي الدار ذاتها التي نشرت رواية “سبع جرائم قتل” للجامايكي مارلون جيمس، في طبعتها البريطانية، والتي فازت بجائزة المان بوكر في العام الماضي.
وحيث أنّ هذه هي السنة الثالثة التي تنفتح فيها الجائزة على الأدب القَصصيّ المكتوب بالإنكليزية، شريطة أن يكون منشورًا في المملكة المتحدة، بعد أن كانت مقصورة، تاريخيًّا، على المؤلفين من دول الكومنويلث والمملكة المتحدة وأيرلندا وزيمباواي، فقد جاءت القائمة القصيرة في ستّة أعمال مقسّمة بين المملكة المتحدة وأميركا وكندا. نالت المملكة المتحدة الحظ الأوفر من الترشيحات بثلاث روايات: ديفيد زولوي بروايته الرابعة “كل ما ينطوي عليه الإنسان”، وديبرا ليفي بروايتها السابعة “حليب ساخن”، وغرييم ماكرييه بيرنيت بروايته الثانية “مشروعه الدموي”. ومن أميركا، جاءت في القائمة روايتان: “إيلينا” لأوتيسا مشفق، و”الخيانة” لبول بيتي. وأما كندا فكانت حصتها من الترشيحات رواية واحدة: “لا تقولوا إننا لا نملك شيئًا” لمادلين ثاين.

إنها حكاية عن الخيانة والعزلة والتنافر الوجوديّ والهوس بالجسد، ضمن مناخات هيتشكوكيّة؛ حيث تظهر إيلينا دنلوب، وهي في السبعين من عمرها، تقص علينا تفاصيل الأحداث التي وقعت في آخر أيام لها في “إكسفيل”، في نهاية ديسمبر 1964، حين كانت شابّة، وحيدة، في الرابعة والعشرين من عمرها، وتعمل سكرتيرة في إصلاحيّة للأحداث خارج بوسطن

شتاء المرأة التي ترتدي قناع الموت

منذ صدورها في العام 2015، ولا تزال رواية “إيلينا” لأوتيسا مشفق، تحظى باحتفاء نقدي تلو آخر، من كبار النقاد، وفي كبريات الصحف والمجلات. وقد تجلى هذا الاحتفاء بمنح الرواية جائزة فوكنر من طرف رابطة القلم الأميركية في العام 2015، ووصولها إلى القائمة القصيرة لجائزة حلقة نقاد الكتاب القومي الأميركي في العام نفسه. ولم يكن هذا هو التكريم الأول التي تناله مشفق، فقد سبق لروايتها القصيرة التي كتبتها في العام 2014، بعنوان “ماغلو”، أن حازت جائزةَ “Fence Modern Prize in Prose” وجائزة “Believer Book Award” على حد سواء. كتبت مشفق المسودة الأولى لِـ “إيلينا” في أقلّ من شهرين، ثم وضعتها جانبًا طيلة ستة أشهر ولم تقترب منها البتّة، لتعود إلى الاشتغال عليها ثانيةً، وإعادة كتابتها، ثلاث مرات مختلفة.

إنها حكاية عن الخيانة والعزلة والتنافر الوجوديّ والهوس بالجسد، ضمن مناخات هيتشكوكيّة؛ حيث تظهر إيلينا دنلوب، وهي في السبعين من عمرها، تقص علينا تفاصيل الأحداث التي وقعت في آخر أيام لها في “إكسفيل”، في نهاية ديسمبر 1964، حين كانت شابّة، وحيدة، في الرابعة والعشرين من عمرها، وتعمل سكرتيرة في إصلاحيّة للأحداث خارج بوسطن.

تصف إيلين نفسها، في مفتتح الرواية، بأنها كأيّ فتاة عادية يمكن للمرء أن يصادفها في الباص، وهي تقرأ كتابًا استعارته من المكتبة العمومية يحكي عن النباتات أو الجغرافيا، أو ربما يصادفها وهي تعتمر قبعة مشبّكة فوق شعرها البنيّ. فتاة قد يظنها المرء، حين يلحظ يديها المتوترتين، وشفتها المقضومة، وقدمها التي تنقر الأرض، بأنها تعمل طابعة أو تلميذة تدرس التمريض. فتاة غريبة، شابة، خوّافة، تحمل حقيبة يد جلدية، أو تأكل حبات الفستق بعد أن تفركها بين أصباع يديها القابعتين في قفّازين. فتاة عادية لا تتميّز بشيء، ذات وجنتين شاحبتين وتنظر باستمرار من نافذة الباص. نحيلة، مترددة، وتجلس في مقعدها على نحو متخشّب. فتاة يتوقع المرء، من حركاتها ومظهرها الخارجيّ، بأنها تألف سكون الغرف المغلقة، وترتاح في الصمت البليد. تتحرك نظراتها ببطء على الورق والجدران والستائر الثقيلة ولا تذهب أفكارها أبعد مما تتعرف عليه عيناها— الكتب والمكتب والشجرة والشخص الذي في الغرفة. ولكنها، في الحقيقة، تنبذ الصمت، وتمقت السكون. فتاة كانت تكره كل شيء. غير سعيدة، وساخطة طيلة الوقت. تحاول أن تسيطر على نفسها، ولكنها، وحين تحاول أن تفعل ذلك، تصبح أكثر غرابة وأكثر تعاسة وأكثر سخطًا. هي تنظر إلى نفسها كأنها جان دارك أو هاملت، ولكنها ولدت في الحياة الخطأ— حياة امرأة نكرة، هائمة على وجهها، كأنها محتجبة لا يراها أحد. لم تكُن نفسها البتّة، بل كانت شخصًا آخر. كانت دائمًا ما ترتدي جوارب سميكة وتنانير صوفية ثقيلة تصل حتى ركبتيها. وكانت دائمًا ما تزرّر جميع أزار سترها وبلوزاتها. لا تنتبه لنفسها كثيرًا، فهي تنظر إلى نفسها كامرأة بشعة ومقزّزة ولا تلائم العالم. لا تتزيّن البتّة— لا تلبس الحليّ إلا نادرًا، ولا تتعطّر، ولا تطلي أظافرها.

 كتبت مشفق المسودة الأولى لِـ “إيلينا” في أقلّ من شهرين، ثم وضعتها جانبًا طيلة ستة أشهر ولم تقترب منها البتّة، لتعود إلى الاشتغال عليها ثانيةً، وإعادة كتابتها، ثلاث مرات مختلفة.

تعيش إيلين أهوال حياتها اليومية، طافحة بالسخط ومقت الذات، بين واجبات عملها اليومي ورعايتها لوالدها السكّير. وفي محاولة منها للتغلب على هذه “الأهوال”، تنجرف بنفسها إلى عالم الأحلام، علها تستطيع الهروب والعيش في مدينة كبيرة في أحد الأيام. تقضي إيلين لياليها وأيام العطلات في السرقة من المتاجر ومغازلة حارس في الإصلاحيّة اسمه راندي، وفي تنظيف قاذورات والدها الذي تزداد حالته سوءًا يومًا بعد يوم. ولكن، حين تصل ربيكا سانت جون إلى الإصلاحية، بوصفها المرشدة التثقيفيّة الجديدة، تنشأ بينهما صداقة قويّة، سرعان ما تتطور إلى عاطفة راحت تعتمل في صدر إيلين تجاه ربيكا، تقودها في نهاية المطاف إلى ارتكاب جريمة قتل، فتهرب، مبتعدة عن بيتها، ولا تعود إلى هناك أبدًا.

هي امرأة وحيدة، تسعى إلى الهروب من تنافرها الوجوديّ، بالبحث عن حياة جديدة في مكان آخر. أن توجد لنفسها تلك اللحظة التي تكون فيها هي نفسها، ولا شيء آخر.

ولدت أوتيسا مشفق في بوسطن، ماساتشوستس، سنة 1981. التقى والدها في مدرسة للموسيقى في بلجيكا. حيث كان أبوها الإيرانيّ عازف كمان وأمّها الكراوتيّة عازفة فيولّا. كانا يخطّطان، بعد الزواج، للعيش في إيران ولكنّ الأقدار قد حالت دون ذلك. بدأت أوتيسا في نشر قصصها في المجلات الأدبية، خاصة في الباريس ريفيو والنيويروكر وغرانتا، ثم بدأت تلفت الأنظار حين فازت قصصها بجوائز أدبية مرموقة، كجائزة بوشكارت وأو. هنري وبليمتن. تعيش في لوس أنجيليس، كاليفورنيا. سيصدر لها في السنة القادمة مجموعة قصصية بعنوان “حنين إلى عالم آخر”، عن دار جوناثان كيب في بريطانيا.
 

الكاتب: تحسين الخطيب

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع