بصوت خاص يميزه كل من اعتاد سماع سناء موسى خلال ست سنوات مضت على إطلاق ألبومها الأول «إشراق» والذي حقق نجاحاً لافتاً محلياً وعربياً، وقدم الفنانة الفلسطينية لجمهور عريض في فلسطين والوطن العربي، الجمهور الذي انتظر بكل شغفٍ ألبوم «هاجس» الذي أطلقته سناء موسى في شهر كانون الأول / ديسمبر 2016 ومن فلسطين طلّ صوتها مليئاً بإحساسها الدافئ، محملاً بأسئلة الهجران والفقدان وكل الهواجس التي حملتها عناوين شخصية وأخرى معبقة بنثرات من التراث الفلسطيني.
بين «إشراق» و «هاجس» قد تبدو السنوات طويلة، ولكن المعاني والمفردات المغناة تكاد تحمل ذات الرسائل التي تود سناء إيصالها. فبعد ألبوم «إشراق» (2010) والذي لمست قلبنا أغانيه العشرة التي أتت نتاجاً لسنواتٍ من البحث والاستماع إلى أغاني التراث الفلسطيني التي كانت تُغنى في مختلف المناسبات من نساء أعمارهن بين السبعين والثمانين عاماً، في العديد من المدن والقرى الفلسطينية، تمت إعادة توزيعها موسيقياً من قِبل بشار الخل وعلي موسى، هذا الخط الواضح الذي بنت عليه موسى رؤيةً فنيةً موسيقيةً أكملتها في ألبومها الجديد. فاسحةً مجالاً رحباً للحفر والتأمل أكثر في تفاصيل كل ما يحمله هذا التراث من غنى. فعلى نفس المبدأ أكملت رسمها لتفاصيل أخرى من التراث، فشكل الأخير هاجساً من هواجسها الكثيرة في العمل والبحث الموسيقي، وحضرت فيه الموسيقى الشرقية وألوانها التي رسمت تفاصيل سماعية مميزة لألبوم «هاجس».
قدمت سناء موسى لألبومها قائلة: “الموسيقى هي خبايا الروح ومرايا النفس، في الأسطوانة «هاجس» ليست لدي إجابة واضحة لسؤال يجول في نفسي، ويقول: هل هواجسنا هي التي تقرر حياتنا؟ أم أن تفاصيل حياتنا هي من خلق هواجسنا؟ هل هواجسنا هي عنصر مطبوع في دواخلنا؟ تماماً كتلك المادة الوراثية التي نحملها؟ أم أن هواجسنا هي ندبات تعيش في نفوسنا قبل تكويننا؟ أو ربما هي ذاتها هواجس أهلنا التي حملوها لآلاف السنين، ندبات تبقى في نفوسنا فتكشف خبايا أرواحنا”.
الهاجس الأول في ألبوم سناء كان هاجس العودة في أغنية «كل النوارس» التي افتتحت بها ألبومها وكانت من كلمات زهير أبو شايب وألحان نزار الوحيشي من تونس، حملت الأغنية موسيقياً شكلاً مختلفاً بأسلوب موسيقى الجاز ومرافقة كل من العود والقانون. تقول سناء في حديث لنا معها، “هاجس اللجوء والعودة، الأسر والحرية، ثنائيات متلازمة مع كل فلسطيني في كل بقاع الأرض، حرية الأسرى وعودتهم إلى محبيهم، قد تتبعثر أطيافنا في ضجيج هذا العالم لكن أرواحنا ستطفو أبداً حول برتقال يافا وزيتون الجليل إلى أن نعود.”
ينتقل بنا الألبوم إلى الشام من خلال هاجس آخر في أغنية «يا رايح عبلاد الشام» والتي سبقها موال يا طارش الدرب وبمرافقة التخت الشرقي وجمل موسيقية بسيطة من مقام البيات مملوءة بجرعة عواطف كبيرة كتب كلماتها ولحنها واختار لها شكلها الموسيقي سناء نفسها، فتقول واصفة هاجسها والأغنية: “قد أحاول أن أفهم بعض النظريات في فيزياء الكم، لكني لم ولن استوعب يوماً أن يكحل الردى عيون أطفال سورية الأبرياء الذين يموتون بشكل يومي. لم أجلس لأكتب أغنية عن سوريا وشهدائها، هي تلك اللحظات التي نكون فيها عاجزين أمام كل مشاهد الموت والخراب، لكن تبقى مشاعرنا التي قد تبوح بكل هذا التعب، فيكون هذا البوح عبارة عن كلمات ودندنات من صميم القلب، فقط من يريد أن يرى كل هذا الموت يدرك مقولة الأغنية.”
أغانٍ من التراث كان لها نصيب من الألبوم كأغنيتي «طل القمر والسامر» ولكل واحدة هاجساً ما وحكاية، ففي الأولى تحاول رسم ضوء جديد على حكايات الحب، باعتباره أيضاً هاجساً رحباً للسؤال بكل ما يحمله من فرحٍ وكلام في الغزل العفوي البسيط.
أمّا الثانية أيّ السامر فهي من تراث الجنوب الفلسطيني وقرى رام الله اختارت لها سناء مكاناً في أسطوانتها كنوع خاص من الأغاني، والذي عادةً ما يغنيه صفان متقابلان من الرجال، بأشكالٍ ومضامين فنية مختلفة عن أغاني النساء. يتغنى فيها الرجال بأجمل ما حفظوه من حكم ونصائح وغزل ضمن قالب السامر الشعبي الفلسطيني، غنت سناء بمشاركة والدها الفنان الفلسطيني علي موسى الذي قدم في البداية بعض أبيات العتابا الفلسطينية إلى جانب مرافقته إياها في الغناء.
«لفي محرمتك» و«منديلي ضاع» أغنيتان من أغاني النساء التي اختارتها سناء وحكاية أخرى من حكايات النكبة والعودة وهواجس الهجران واللجوء.
تقول سناء: “لقد ارتجلت جدتي (وطفة محمد موسى) كلماتها حين حزمت وجدي الأمتعة وهما بالرحيل إلى لبنان أثناء النكبة، وقتها فهمت جدتي الشّابة معنى فقدان الأرض واللجوء، وبعد أن قطعوا الحدود اللبنانية قرروا العودة إلى الجليل مهما كان الثمن، وعادوا برفقة أخرين ممن لم يكتب لهم الوصول إلى قراهم كما نعرف جميعاً. أتمنى أن يكون لحني قد أنصف كلمات جدتي ومشاعرها في حينها.”
يظهر كل من هاجس الحب والغرام وهاجس الفقدان والذكرى للأحبة ممن فقدناهم، في موشحين أيضاً، وهذا الجديد الذي يحمله الألبوم في أغنيتين، «أذكر الحب» هي إحداهما وأخذت شكلاً شعرياً موسيقياً جاء مختلفاً عن باقي الهواجس، ولكنه مليء بكلمات الشغف التي رسم لها صوت سناء والتوزيع الموسيقي بعداً أسطورياً لهاجس الغرام ذلك الذي تكمل معه رحلتها، فتصفه بالقول: “علاقة ما مليئة بالسحر والحب بيني وبين كل ما هو قديم من الموسيقى العربية والمغنى، حين كان الحب أكثر نقاءً وربما كل ما قيل فيه، حاولت أن أقدمه بشكله الكلاسيكي القديم كما أحس به، والموشح من ألحان داوود أفندي حسني من مصر وتوزيع سهيل نصار من فلسطين.
أما الموشح الثاني فهو «ياقلب»، وهو من حيث القالب والصياغة الفنية، يعتبر موشحاً ولكن من حيث نظمه وشعره فهو باللغة العامية المصرية. حاولت الموسيقى أن تشكل له قالباً كلاسيكياً. وهو من ألحان صفر علي بيك وتوزيع الدكتور محمد على كامون من تونس.
تقول سناء: ” كوني طبيبة درست علم الدماغ، فإن الجانب العلمي والمنطقي الخاص بي تغذى أثناء دراساتي والممارسة العلمية لكن الجانب العاطفي الخاص بي هو ما أحاول أن أعبر عنه في مجمل أعمالي التي أقدمها، وآخرها ألبوم «هاجس» وأغانيه الثمانية التي أتمنى أن تصل إلى الناس وتنال أعجابهم.”