مارادونا وذاكرة الطفولة الجمعية

مهيب الرفاعي

كاتب سوري

قاد مارادونا منتخب الأرجنتين إلى إحراز كأس العالم في إسبانيا 1982، في أول مشاركة له في مباريات كأس العالم؛ ليلمع بعدها نجمه في نسخة 1986 التي أطلق عليها لقب "مونديال مارادونا" لإبداعه وتألقه حينها. وإن كانت "يد الله" التي أنقذت مارادونا في مباراته مع الإنكليز،

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

27/11/2020

تصوير: اسماء الغول

مهيب الرفاعي

كاتب سوري

مهيب الرفاعي

وباحث، حائز على ماجستير الإعلام والدراسات الثقافية من معهد الدوحة للدراسات العليا. وماجستير الترجمة التحريرية من جامعة دمشق، وبكالوريوس اللغة الإنكليزية وآدابها من جامعة دمشق. عمل مترجماً في مجلة جامعة دمشق، ثم مدرّسًا للغة الإنكليزية لغير المختصين في جامعة دمشق.

يحيي اسم مارادونا أينما ورد ذاكرة أيام الطفولة و”كرة قدم الحارة” الأسطورية بنتائجها وحركاتها، والتي كانت غالبًا ما تنتهي بعدد أهداف خياليّ تقليدًا لما كنا نشاهده على شاشة التلفزيون بدءًا من برنامج “الكابتن ماجد” إلى برنامج “الكابتن رابح”. شغف كبير بكرة القدم دفعنا حينها إلى تبني أسماء مشاهير الساحرة المستديرة أمثال بيليه وريفالدو وروبيرتو كارلوس وزيكو؛ أما المعركة فكانت حقيقية على اسم الأسطورة مارادونا. لم يأت هذا الصراع، الذي يحال قتالًا بعض الأحيان بفعل الحماس، من فراغ؛ بل من إدراكنا _حينها_ أهمية أن أحدًا يأخذ اسم مارادونا، اللاعب القادر على صنع معجزات حقيقية، والقادر على تجاوز أي لاعب بسلاسة لتصل رميته النارية إلى شباك الخصم. 

حتمًا هو حبٌّ من طرف واحد، إذ طالما تسمّرنا أمام الشاشة لرؤية “الفتى الذهبي” بحركاته وابتسامته وتسريحة شعره المميزة. هي حالة نفسية اجتماعية تجعل المتابعين يتفاعلون مع الشخصيات العامة والمشاهير من وراء الشاشات، الأمر الذي يعطي المتابعين راحة في مشاهدة حركاتهم، واستمتاعًا في تقليدهم. أما اليوم، وبفعل وسائل التواصل الاجتماعي، فإن المسألة أصبحت أكثر سهولة وتفاعلًا؛ بالنظر إلى المباشرة في التواصل، واستثنائيته خاصية التعليق والردّ بين المشاهير ومتابعيهم. وإن كنا نعلم أن مدراء أعمال مارادونا هم من ينسقون الردود ويديرون حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن ما يهم بالنسبة للمتابعين أن يحظوا بردّ من الاسم؛ بغض النظر عن هوية من يردّ. 

وبفعل التقدم التقني الحاصل، أصبح الربط بين الذاكرة والحاضر أمرًا بسيطًا كون الوسط الإعلامي والسياق الاجتماعي يضعان معًا المشاهير وجهًا لوجه أمام متابعيهم، ما يزيد احتمالية تواصل أكبر بين الطرفين، وبالتالي يعزز هذا التواصل الذاكرة الجمعية لآلاف المتابعين الذين ينتمون لأجيال مختلفة. رحلة ثلاثة أجيال مع الأسطورة الأرجنتيني كوّنت مجموعة قصص عابرة للحدود؛ يشترك في عبور مواقفها أبناء كل حي، ومدينة، وبلد؛ ويشتركون في طرق سردها وتكوينها في حواراتهم الكروية حول أسطورية مارادونا ومواقفهم مع مبارياته حركاته. وشكّلت فيديوهات مارادونا وحركاته في الملعب، والمقاطع الصوتية المرفقة بصوره وذكريات انتصاراته سردية الانتصار والقوّة في ملاعب كرة القدم، إذا ما نظرنا إلى مباريات كرة القدم، ومونديالات كأس العالم في سياق تاريخي إنساني شأنها في ذلك شأن أي حدث يشكّل ذاكرة جمعية. 

قاد مارادونا منتخب الأرجنتين إلى إحراز كأس العالم في إسبانيا 1982، في أول مشاركة له في مباريات كأس العالم؛ ليلمع بعدها نجمه في نسخة 1986 التي أطلق عليها لقب “مونديال مارادونا” لإبداعه وتألقه حينها. وإن كانت “يد الله” التي أنقذت مارادونا في مباراته مع الإنكليز، إلا أنه لا يمكن أن ننسى أنه أربك دفاعهم بمروره السلس وسرعة بديهته الكروية، ليخلط الرياضي بالسياسي بالاجتماعي بتمريراته وإبداعاته. 

وبالنسبة لمعجبي مارادونا، فإنهم يدركون أن ربط اسمهم باسمه، أو حتى تغيير صور حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى صورته مع كأس العالم، من شأنه أن يشبع “اعتدادهم بذاتهم الكروية”، إذا اقتربنا من سردية الانتصار والتفوق التي أنتجتها مباريات كأس العالم التي خاضها مارادونا بصحبة رفاقه. فعليًا، تشير سردية الانتصار الكروي إلى الرغبة في التطور والتحرر، والقدرة على نقل الخطط إلى أرض الواقع وإنجاحها مع الفريق المساند. الخصائص الفردية واللياقة البدنية، وطرق اللعب المثيرة التي تمتع بها مارادونا صنعت تصوّرًا لدى عديد المعجبين أن الساحرة المستديرة يمكنها أن تجلب مجدًا يسبغ على صانعه مشاعر الجدية وأنفة الانتصار، لتكوّن حالة جماعية يشاركها مع أقرانه ومعجبيه.

يحكي لنا الألماني كلاوس تسايرينجر أن قصة مارادونا شكلت ذاكرة جمعية لدى أطفال المسيحيين إذ امتزجت أسطورته بالمكونات الأصلية للخلاص المسيحي؛ أي الأصل الفقير ودافع البشارة. وهذا فعليًا ما حدث في رواية أم مارادونا أنه أنبأها بقدومه بركلة بقدمه، وأنها صاحت حين ولادتها “جوول!”. ليظهر مارادونا في عمر التاسعة على التلفزيون الأرجنتيني ويقول إنه يريد أن يستلم زمام أمور الكرة في الأرجنتين ويقودها نحو الفوز بكأس العالم، وفي السابعة عشر من عمره، صرّح مارادونا أنه لديه حلمان؛ الأول أن يصل إلى كأس العالم، والثاني أن يفوز بها. 

لم تساعده “يد الله” في تخطي محنة المخدرات التي أنهت مسيرته الرياضية في 1994، حيث اشتعلت الصحف بخبر تعاطيه المنشطات في مباراة بلاده ضد نيجيريا، ليوقف بعدها عن اللعب، وتم إخضاعه لإعادة تأهيل، ليقع بعدها في فخ الكحول والسمنة وانعدام اللياقة، إلى حين وفاته قبل أيام إثر أزمة قلبية. 

الكاتب: مهيب الرفاعي

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع