هالة عليان (Hala Alyan): كاتبة وطبيبة فلسطينية أمريكية. حاصلة على درجة الدكتوراة في علم النفس السريري من جامعة روتجرز الأمريكية. تتناول كتاباتها وأشعارها قضية الهوية وآثار التهجير بين فلسطينيي الشتات. صدر لها أربعة دواوين شعرية ورواية وحيدة هي “بيوت الملح” (Salt Houses). تعيش في بروكلين بنيويورك.
المفسد
أيمكنك تشخيص الخوف؟ الدوحة القانية المزهرة من الرحم
إلى الحلق. يقول الطبيب: إنه عصب واحد طويل. ثمة علة
في أن التنفس يساعد. فالعضلات تتراخى كالزواج المحتضر
مخاوفي أشياء بسيطة. تسمم غذائي في باريس. ردهات المستشفيات.
زوجي يضحك في غرفة أخرى. (الباب موصد)
لأيامٍ، أحتضن ثديي وأقلق لكون الورم كالخرزة.
ما من شيء أصلّي لزواله. الدوحة تعشق قاطعها.
أقول للطبيب: لقد توقفت الكوابيس. أنا أعرف السبب.
لقد توقفت لأني عمدتها. تلك هي الكيفية التي أتحدث بها أنا
وأمي عن الموت: الشيء الذي تجعله يُحجِم عنك بأن تطلب منه بأن يُقبِل
لقد سئمت نيسان. فقد قتل أمهاتنا الحاكمات. وفي الباحة الخلفية،
غرست فسيلة زيتون في تربة غير صالحة. ثمة تهدل في الأغصان
يذكرني بصديقي الذي يهاتفني ليقول: ما الجدوى، أو، المرضى الذين
يتوافدون إلي يكتنفهم الشقاء والدهشة، أفئدتهم كأطفالٍ وليدة
بعد أول حقنة. ماذا بعد. جميعهم يريدون أن يعرفوا. ماذا بعد.
أتخيله كشاطئ وثمة قلعة رملية رائعة
استغرق بناؤها سنوات، واجهاتها الجملونية صفوف
من الصدف البحري وردي اللون
غرفها من الحصى والخشب العائم. تلك هي حياتك. ثم تقع الواقعة،
تحليلُ دمٍ مقلق، حادث سيارات على طريقٍ سريع. و يتدفق المدُ
يأتي الماءُ على عملك كسربٍ من الطيور البرية. ويبقى الحُطام.
وبقايا أعشاب بحرية وبعض دماء حيث جُرِح ذراعك
أثناء محاولاتك مقاومة التيار. قد لا يحدث ذلك طويلاً
و لكن في يوم من الأيام، تمرر أصابعك في الرمال، و تقبض على حفنة
وتضعها في أرضية جديدة. بإمكانك الإيمان بأن كل شئ ممكن، فلمَ لا تؤمن
بأن هذا سوف يستمر؟ العوارض الجمالونية الصدفية كعيون في الغسق.
أنا هنا لأخبرك أن المد لن يتوقف عن المجيئ أبداً
أنا هنا لأخبرك أن أياً ما تبنيه سيكون عُرضةً لأن يصبح طللا
فاجعله جميلا
إناثُ النوعِ
إنهن يغادرن القُطرَ بأطفالٍ تلهثُ وحقائبِ سفر ٍ
مليئة بالتوابلِ وأشرطةِ الكاسيت. في المطارات،
يصطفون كقناني النبيذ.
المدينةُ الجديدةُ تتلألأُ تحت نور قمر شبيه بالبصلةِ
تخالُ الطيورُ الحصى الزجاجي
على الأسفلتِ فتُات خبزٍ
إذا ما ثملت ُفإنني أحكي قصصاً عن النساء اللواتي أعرفهن
فهن يكسرن أطباقَ العَشَاءِ
حينما كُنتُ طفلة رأيتُ خالتي تُلقي بهالةٍ
من السباجيتي حول أمي. والآن أنا أكبر مما كانتا حينها
في السنةِ الجديدةِ القديمة، تصيحُ ابنة عمي في المنازلِ الهاجعةِ قائلةَ
أنا بنت بيروت. ويتعالى وقع خُطواتِها صاعدةً السُلم
لم أتذكر أبداً أن أخبرها أى شيء. ولا حتى الحلم
الذي لم يتثنَّ لي فيه مناداتها بصوتٍ عالٍ لأوقف هرولتها
ثم يأتي القطار. ويكسو القمر الصخور
كالطحالب. كيف يُعقَل أن تكون خير ليلة في حياتي هي تلك التي
رقصتَ فيها معي في باريس
و شاركتني الفراش في نزل شبابٍ
وكيف يعقل أنك تحتاج أحياناً سكيناً لتنحتً أخرى
السماء ُتمطرُ في بلدتين في آن. وساحة فاندوم تمتلئ
بالماءِ و بالحلمِ، بالينبوعِ و بالقمرِ
تنفجرُ وتنفتحُ، كيما يتسنى لليال، آخر بنات بيروت،
الخروجُ من الجرحِ المفتوح.
شهر العسل
أتذكر لهذه الغرفة حرارتها. شجارٌ مع والدي وعينان زجاجيتان شريرتان. التلفاز يتلألأ كسمكةٍ ساحرةٍ
أطفأنا سائر المصابيح وأخذنا نُهَوي على بعضنا البعض بمجلاتٍ
أجنبيةٍ. ألتقطُ صوراً للكلابِ الضالةِ. وفي السيارةِ،
يستمع السائقُ التركي إلى سباقات الخيلِ على الراديو
يقولُ لنا لقد فزتُ. أرتدي ملابسي كعمودٍ من الأعمدةِ. كم أود لو أحرقُ الأفعالَ
أخطئ في الألفاظ عند حديثي مع النادل المصري. رحمي ينزف من أثينا
حتى إسطنبول والقمرُ عنكبوتٌ يقتفي أثر وحله الأبيض
في صفحة السماءِ. يتفتح زهر البرتقالِ كالفلفلِ فى الباحةِ
في كل مكان، أسطح منازل زرقاء. مضادات حيوية لفكي المتقرح
نأخذُ روما معنا إلى روما. وفي طابور تدقيق ومراجعة جوازات السفر
تخبرني بأن أدعك تتحدث. وتخبرهم أنني معك.