“ذاكرة فلسطين”: خطوات في الطريق  

جميع صور المادة من الموقع

محمد الزقزوق

كاتب من فلسطين

لقد خلقت هذه المرويات الكثيرة للسردية الفلسطينية، حالةً من الهشاشة في الانتماءِ إليها على النحو الذي يُمكِّن الفلسطيني قبل غيره من الفهم أولاً، ثم الانتماء وصولاً إلى حالةِ الدفاع ِالمُتسمة بالموضوعية والمنهجية العلميّة والرؤية الواضحة والحقيقية.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

09/02/2023

تصوير: اسماء الغول

محمد الزقزوق

كاتب من فلسطين

محمد الزقزوق

وباحث من مواليد خانيونس عام 1990، درس اللغة العربيّة وآدابها في جامعة الأقصى، يكتب في العديد من المنابر الفلسطينيّة والعربيّة، عضو ناشط في عدد من التجمّعات والأجسام الأدبّية والثقافية الفاعلة في المشهد الثقافيّ بقطاع غزّة، وكان منسّقًا عامًّا للتجّمع الثقافيّ لأجل المعرفة "يوتوبيا، يعمل في مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي منسقاً في برنامج المكتبات المجتمعية والفرق الشبابية، حصلت مجموعة الشعرية " خانني العرّافون" على جائزة على الخليلي للشعر، ضمن مسابقة ملتقى فلسطين الثقافيّ الأولى للكتّاب المبدعين والمبدعات لعام ,2018".

على هامشِ واحدةٍ من المَعارضِ الأرشيفيّة التي تمَ تنفيذُها في غزة خلال الأعوامِ الماضيّة، أخبرني أحدُ الأصدقاء بعد الانتهاءِ من جولةِ العرض، وكان كأنهُ يُدلي بشهادةٍ أمامي قائلاً: مُحزنٌ ما هو معروض في هذا المعرض الفقير، لا يُمكِنُنِي تصديق أن كمياتٍ هائلةٍ من الموادِ الأرشيفيّة الفلسطينيّة تم حرقُها بعدَ خروج الثورة الفلسطينيّة من بيروت، إبّان اجتياح بيروت في العام 1982.

والحقيقة أن هذه الشهادة كانت مثيرةً جداً للاستغرابِ والدهشة، كيف من الممكن أن يتخلّص أحدهم من تاريخه؟! أن يُحدِثَ قطعًا مع ماضيهِ وذاكرتِه، التي هي في الحالةِ الفلسطينيّة ليستْ فقظ ذاكرة بالمعنى الأرشيفي للكلمة، على الأهميةِ الفائقةِ لذلك بطبيعةِ الحال، لكنها مُحَرِكُهُ الأساسيّ اتجاه إثبات حقائق مهمة تتصلُ بوجودِهِ وهويته ومصيره، الحقيقة التي لا يمكن إنكارها في هذا الإطار أننا كفلسطينيين نُعانِي من هذه الفجوة مع سرديتنا، ثمة الكثير من الانقطاعات في هذه القُماشة الواسعة الفضفاضة التي يُصطلح على تسميتها بـ “السردية الفلسطينية” والتي لم نحصل عليها في أغلبِ الأحيان بالاستنادِ إلى أرشيفٍ ماديّ موضوعيّ يُمكِنُ قراءته وفهمه وبناء معرفةٍ ما، بالاستناد عليه، بقدرِ ما وصلتنا من بواباتٍ متنوّعةٍ يختلطُ فيها إلى حدٍ بعيد الذاتيّ بالموضوعي، الحقيقيّ بالمجازي، الخِطابيّ والتقريري بالمحايدِ والمهموس. 

لقد خلقت هذه المرويات الكثيرة للسردية الفلسطينية، حالةً من الهشاشة في الانتماءِ إليها على النحو الذي يُمكِّن الفلسطيني قبل غيره من الفهم أولاً، ثم الانتماء وصولاً إلى حالةِ الدفاع ِالمُتسمة بالموضوعية والمنهجية العلميّة والرؤية الواضحة والحقيقية.

 في مقالتِهِ المعنونة بـ “سردية المقهور وسردية المنتصر” والمنشورة عبر منصة مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، يؤكد علي بدر على حقيقةِ انزلاقِ الرواية الفلسطينية في منزلقِ الانشغالِ بحالةِ الصراع، من حيث كونها حالة سياسية محتدمة، مقابل إغفال الأهمية الحيوية والفائقة بالعمل على الانشغالِ بالروايةِ الفلسطينية من حيث كونها مّادة أرشيفية توثقُ الحياة والحكاية الفلسطينية الإنسانيّة المتأصلة في عمقِ التفاصيل، الصغيرة منها والكبيرة. والتي هي تَشكيل لحالةٍ موجودة قبل وأثناء وبعد الصراع ذاته. يقول:  كان لقائي مع الكاتب الإسرائيلي عاموس عوز، في معرض باريس للكتاب في سنة 2005، صادماً، فما من كلمة أو ملاحظة عن فلسطين إلاّ وتقطن حقلاً مضطرماً. فقد قال لي، بجملة صريحة ومسكونة بنبرة واثقة عن الصراع العربي الإسرائيلي، إن “العرب يهتمون بالصراع أكثر من اهتمامهم بالأرض.” ودلل على هذا الأمر بأن “هنالك أكثر من مئة رواية إسرائيلية مكتوبة باللغة العبرية عن القدس، من دون أي رواية عربية تقابلها”، وهي معلومة حصل عليها من أكاديمي إسرائيلي من أصل عراقي مختص بالأدب العربي في جامعة حيفا (عرفت فيما بعد، أنه البروفسور ساسون سوميخ). في البداية أنكرتُ ما قاله إنكاراً قاطعاً، وشككت في المعلومة المنقولة، غير أن الكلام في واقع الحال لم يرتكز على أزمة في النقل أو التمثيل، وإنما كان الاختلاف واضحاً بيننا في تحليل هذه الظاهرة وزاوية النظر لها.”
 

إذن يُمكننا القولُ بكثيرِ من الارتياح: أننا أمام اشكالية في فعل الأرشفة نفسه، ماذا نؤرشف؟ وكيف نُؤرشف؟ وأين يذهب ما أرشفناه؟ وكيف يتم النظر إليه؟ وهل هو متاح أمام الباحثين؟ وكيف يُمكن الوصول إليه؟ ومن هي الجهات التي تمتلك هذه الأرشيفات؟ وكيف تنظرُ إليها؟ وما هي المنهجيات التي يتم إتباعها في عملية الأرشفة ذاتها؟ وهل تؤسس الأرشيفات الفلسطينية لسردية فلسطينية يمكن بناؤها بصورةٍ موضوعيةٍ وعلميةٍ تساعدُ على الفهمِ وتُوصل إلى حالةٍ من الانتماءِ والدفاع الحقيقيتين؟ جملةٌ واسعةٌ من الأسئلةِ التي يُبرّهنُ الوقتُ على ضرورتِها، ويزيدُ السياقُ الفلسطيني المرتبك والمُظلم من أهميةِ وجودها. 

وفي إطارِ الاستجابة إلى هذه الحاجة، يُمكِنُ لنا رصد مجموعة من المحاولات الرقميّة التي تعملُ على حفظ ِوإتاحةِ أرشيفاتٍ فلسطينيّةٍ في حقولٍ سياسيّة، فكرية، موسيقية، سينمائية، وأدبية وبحثية، ومن المهم القول: أن الاستجاباتِ في هذا الإطار تأتي في الصيغِ الرقمية، لمتطلبات الثورة المعلوماتيّة الهائلة التي يعاصرُها عالمنا، الذي بات مفتوحًا اتجاه الرقمنة بدرجةٍ عالية، فالمواد الأرشيفية من صورٍ ووثائقٍ ومستنداتٍ وشهاداتٍ وتسجيلاتٍ ومهما بلغت قيمتُها وقدرتُها على بناءِ حقائق وتوضيح مفاهيم وتشكيل معرفة، تبقى غير فعالة إذا استمرت حبيسة الأدراج والرفوف في مؤسسات غارقة بالبيروقراطية وبين يدي موظفين ينظرون إليها على أنها أكوامٌ مكدسة من الأوراق القديمة، لقد استطاعت الأدوات الرقمية المختلفة، أن تخلق مجالاً أرحب لرؤية المواد الأرشيفية وسهولة الوصول إليها من قبلِ الباحثين والدارسين والمُهتمين بها في فلسطين والعالم، ويمكن في هذا الإطار الحديث عن جملة من المساهمات الأرشيفية الرقمية والتي منها موقع” ذاكرة فلسطين والذي يحفظ ويتيح ذاكرة فلسطين من مجلاتٍ وصحفٍ ويومياتٍ وبحوث وكتبٍ ومنشورات ٍوغيرها. وموقع القدس: القصة الكاملة، وموقع الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية. بالإضافة إلى مشروع يُرى، وهو منصة رقمية تقدم مورد معرفي متاح للإطلاع والبحث ومنصّة تفاعلية مفتوحة للإنتاج المعرفي، والمساهمات النقدية والبحثية والنقاش في حقل الفنون البصرية الفلسطينية. 

ويمكِننا ضمن هذه العُجالة الحديث بصورة أكثر تفصيلاً عن موقع “ذاكرة فلسطين” وهو مشروع أطلقه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وغايته الإسهام في توثيق تاريخ فلسطين وحركتها الوطنية، من خلال تأسيس قاعدة بيانات رقمية، تحفظ أرشيفات كيانات وهيئات سياسية، وجمعيات محلية، ومجموعات شخصية، وأوراقًا عائلية. ويُمكن للمُتصفح لموقع ذاكرة فلسطين أن يلحظَ بصورةٍ جليّة أن جهدًا جيداً في الجمع والأرشفة والتصنيف قد بُذل خلال عملية بناء هذا المشروع، بالإضافة إلى قدرة الموقع التصميمية الجيدة في تقديم المعلومات بصورةٍ سلسة ومنظمة، بحيث يُتيح الموقع فرصةً لبحثٍ متقدمٍ وسلسلٍ في الحصول على المعلومات الموثقة و المؤرشفة بطريقةٍ جيدة، وفيما يخص الحقول التي يؤرشف الموقع مواد متصلة بها فيُمكننا الحديث عن: 

حقل المجموعات الخاصة: والذي يضم وثائق ويوميات ومذكرات وملاحظات وصورًا وصحفًا ورسائل وتسجيلات صوتية ومرئية وغيرها من مقتنيات عُثر عليها في أرشيفات شخصيات ونُخب أدت دورًا في مسار القضية الفلسطينية. وضمن هذا الحقل تقدم “ذاكرة فلسطين” أرشيفات خاصة لكل من أحمد اليماني/ أبو ماهر، أكرم زعيتر، الحاج أمين الحسيني، الشيخ سعد الله العلمي، الشيخ محمد أبو سردانة، باسل غطاس، حمدي كنعان، صلاح خلف، شفيق الغبرا، عدنان أبو عودة، يحيى يخلف… وأخرين 
 

وحقل الديوان: الذي يضم مجموعات فرعية تشمل وثائق تاريخية مصنفة وفق مصدرها، منها وثائق أردنية وأمريكية وعثمانية وبريطانية، وتقارير هيئات دولية، إضافة إلى وثائق شخصية. 

وحقل المنظمات السياسية: والذي يضم الأدبيات والوثائق الخاصة بالمنظمات السياسية، والبيانات والملصقات والتعاميم الصادرة عنها، وحقل سجلات المحاكم الشرعية: والذي يضم السجلات الصادرة عن عدد من المحاكم الشرعية في فلسطين خلال الفترة العثمانية، وبداية الاستعمار البريطاني. وتتضمن السجلات حججًا مختلفة وفرمانات رسمية خُطت مجملها باللغة العربية. ويشمل سجلات المحاكم الشرعية في القدس ونابلس. 

وحقل المجلات والدوريات: وتضم عددًا من الصحف والمجلات والنشرات والدوريات الصادرة عن شخصيات وهيئات وتنظيمات فلسطينية وعربية، واكبت مختلف المراحل التاريخية للقضية الفلسطينية منذ عشرينيات القرن العشرين والتي منها، صحيفة التعميم والحوادث والشباب والشورى والعودة وفصل المقال، وإلى الأمام، والثائر العربي وغيرها من الصحف والمجالات. كما يتضمن الموقع حقلاً للشهادات والروايات الشفوية: يضم مرويات تحكيها شخصيات فلسطينية عاشت محطات من التاريخ الفلسطيني، تنقل ما شاهدته وعايشته من أحداث، لتسهم في حفظ التاريخ الشفوي الفلسطيني، وتكوّن سرديات تاريخية لما عاشه الفلسطينيون.

تُتيح “ذاكرة فلسطين” كل هذه المواد في موقعٍ رقمي بحيث يمكن الحصول عليها بصورة سلسة وسريعة، فيما يحقق فرصة حقيقية للحفظ والنقل والبحث والدراسة. 
 

الكاتب: محمد الزقزوق

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع