النسوية البيضاء ونظرتها المقنّعة تجاه اللاجئات

العمل لفاطمة مرتضى، فنانة تشكيلية لبنانية

رو

فنانة كويرية

إذ تقع هذه الممارسات تحت مظلّة التفوق الأبيض، لأنها تعدّ شكل آخر من التمركز، حيثُ تأخذ النسوية البيضاء، قضية اللاجئات والمهاجرات كرمز لنفسها ثمَّ تصبح المنقذة البيضاء التي تتمتع بامتيازات كبيرة لا تُحصى، على حساب أرواح آلاف اللاجئات/ين الذين يغرقون وتجرفهم/نَّ الأمواج وتنبذهم/نَّ إلى الشواطئ الأوروبية.

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

13/08/2023

تصوير: اسماء الغول

رو

فنانة كويرية

رو

وطالبة علوم سياسية، ولاجئة سابقة من لبنان.

واحدة من الحُجج التّي تتبناها النسوية البيضاء والتي يمكننا دحضها أومناقشتها بها، هي أنَّ للمقالات التي تنتقد سياستها، دور سلبي في تقسيم الحركات النسوية العالمية. ولا تزال هذه الحجّة التي يمكن التطرق إليها مع النسوية البيضاء، إذا ما قارنا، أقل سوءًا من التعليقات والانتقادات والاتهامات التي توجهها النسوية البيضاء، إلى كاتبات العالم الثالث، وعمومًا لن يكون هناك جوابًا كافيًا وشافيًا مناسبًا لهذه الهجمات من قِبَل النسويات البيض.

ومن المهم إذًا توضيح الهدف من المقالات المعنية بالنسوية البيضاء، فهي لا تسعى لخلق انشقاقات داخل الحركات النسوية، ولا تتبنى “العرقية” في نقدها، بل تتعداها إلى مشاكل أخرى أثرّت بشكل أو بآخر على نساء العالم الثالث، خاصّة اللاجئات منها. وبالتالي نقصد هنا بالبياض، التفوقّ، والممارسات الطبقية، والسلطوية والنظرة الدونية لنساء العالم الثالث. لذلك يتخطّى البياض، العرق ليشمل جميع ما سبق أن ذكرناه. خاصّة وأنَّ النسوية البيضاء، في نضالاتها حققت تقدمًا كبيرًا على صعيد العدالة والمساواة بين الجنسين.
وعلى الرغم من تبني النسوية البيضاء التعددية التقاطعية والنشاط السياسيّ، إلّا أنَّ الهياكل السلطوية المتجذرة،  لا تزال تعمل على عرقلة الحوارات والنقاشات حول التفاوتات العرقية والطبقية والجنسية. وبالتالي فإنَّ الهدف الأولي من هذا المقال هو إلقاء الضوء على بعض المسائل المهمة المتعلقة باللاجئات والمهاجرات في أوروبا، وموقف النسوية البيضاء من هذه المسألة. فهل النسوية البيضاء تعزز القمع تحت إطار القانون عن قصد أو عن غير قصد؟

وهنا وجب القول بأنه من الضروري الاعتراف بأنَّ الكثير من الحلول والإجابة على إشكاليات متعددة تكمن داخل جسم الحركات النسوية البيضاء، إذ إنَّ تأثيرها الإيجابي لا يمكن الاستهانة به.

النسوية البيضاء هي “التّفوق الأبيض القابع خلف قناع”

يُعدّ مصطلح “الاستثنائية البيضاء” white exceptionalism، إشكالاً شائعاً يعوق قدرة النّسوية البيضاء في أوروبا، عن الرجوع والتطرق إلى سلبياتها وتاريخها الاستعماريّ. حيثُ يشير هذا المصطلح، إلى الاعتقاد (الذي يحمله الأفراد داخل الحركة النسوية،) بأنهم/نَّ غير معنيين بفوقية البيضاء، والتمييز العرقي والطبقي، ذلك لأنهنَّ/م ينتمين إلى فئة “الأفراد الصالحين” وبأنهم/نَّ “ليسوا ككل البيض”. ويديم هذا الاعتقاد، القمع الممنهج، ويعزز هياكل السلطة التي تهمش، وتفرّق بينَ الأفراد على أساس عرقيّ وطبقي وجنسيّ..

 ورغم اعتقادهم/نَّ بأنهم/نَّ حلفاء للمهمشين/ات واللاجئين/ات والملونين/ات، لكن إذا ما نظرنا إلى عدد المخيمات المغلقة الموجودة في أوروبا، التي تضع اللاجئين في ظروف قاسية وصعبة، وإذا ما نظرنا إلى نطاق التغطية الإعلامية والمقالات، والدراسات التي تتناول قضاياهم/نَّ ندرك أنَّ هذا مجرد حلف شكليّ. وهنا لا بدّ من التطرق إلى الدّنمارك كواحدة من الدول الأوروبية التي تستقبل اللاجئين/ات، لأتكلمّ عن تجربتي الخاصّة كطالبة لجوء سابقة.

استنادًا إلى منظمة العفو الدولية في الدنمارك، فإنَّ المخيم المُغلق المُسمّى بـ “إليباك” Ellebæk الشبيه بالسجن، يحتوي على أناس يفتقرون إلى حقوقهنَّ/م القانونية، والمساعدة الصحية، ويتعرضون للتعذيب بشكلٍ ممنهج، كما أنهم يخضعون لعزلات احتجازية، حيثُ يمنع عنهم التواصل والاتصال، وخدمات الانترنت إضافة إلى العديد من المشاكل الأخرى.

وقد تتساءلون من هؤلاء الأشخاص؟

ببساطة، يمكن أن يكونوا لاجئين/ات أو مهاجرين/ات، من أي مكان وأي جغرافيا، بدءًا من طالبة لجوء كردية تمَّ رفض طلبها لأسباب مبهمة من الحكومة، وتحاول الأخيرة إجبارها على المغادرة، إلى طالبة جامعية من الصين اضطرت أن تتجاوز صلاحية تأشيرتها بيوم واحد بسبب جائحة كوفيد-19.

فكيف تدعم النسويات البيضاء، في الدانمارك هؤلاء الأفراد (بما في ذلك النساء وربما القاصرين/ات)؟ 

حينَ بحثتُ لم أجد أي تغطية إعلامية، أي مقالة أو تقرير أو دراسة أو إحصائية نسوية عن الموضوع. مع العلم أنَّ مخيم “إليباك” Ellebæk ، ليسَ المخيم المغلق الوحيد الذي يعاني فيه اللاجئين/ات  من ظروف لا إنسانية.

فكيف إذًا يتجلى الـتحالف الظاهري “Optical allyship” لدى النسوية البيضاء؟

عندما تُسأل النسوية البيضاء عن قضايا اللاجئات في أوروربا، تُسرع لإبداء تضامنها معهنَّ. في المقابل، لا تُتعب نفسها بمتابعة قضايا اللاجئات، والصعوبات التي ترافقهنَّ، والتساؤل عن احتياجاتهنَّ ووضعهنَّ المعيشيّ والقانوني. وهنا نكون إزاء “تحالف وهميّ” إن صحّ القول، تقوم فيه النسوية البيضاء فقط لأنها تشعر أنه من الضروري القيام بذلك، خاصّة إذا كان هذا الموضوع “ترند” أو حديث الساعة. كذلك التي تحمل لافتة لتجوب فيها الشوارع الأوروبية، في مسيرة نسوية بيضاء، لكنها ترفض الانضمام إلى مسيرات أخرى تنظمها اللاجئات. نذكر هنا مثال ما حدث بتاريخ 10 يونيو 2023، حيث سعت المظاهرة التي نظمها النشطاء اللاجئين/ات، بعنوان: Asyl nu til statsløs أي (اللجوء للاجئين البلا جنسية)، في وسط كوبنهاجن أمام قصر البرلمان، إلى إلقاء الضوء على محنة اللاجئين/ات في الدنمارك، بعد رفض طلب اللجوء الخاصّ بهم/نَّ على الرغم من وضعهم/نَّ القانوني المعقد. ومن اللافت كان، المشاركة الخجولة للنسويات البيض، لا بل غيابهنَّ التامَّ على مدى سنوات، مما يثير تساؤل حول تأثير الصمت الأبيض في إدانة الظلم المنهجي.

إذ تقع هذه الممارسات تحت مظلّة التفوق الأبيض، لأنها تعدّ شكل آخر من التمركز، حيثُ تأخذ النسوية البيضاء، قضية اللاجئات والمهاجرات كرمز لنفسها ثمَّ تصبح المنقذة البيضاء التي تتمتع بامتيازات كبيرة لا تُحصى، على حساب أرواح آلاف اللاجئات/ين الذين يغرقون وتجرفهم/نَّ الأمواج وتنبذهم/نَّ إلى الشواطئ الأوروبية.

“لو كان بإمكان اللاجئات/ين الازدهار في موطنهم، لما خاطروا بحياتهم في هذه الرحلة”

مع استمرار ارتفاع حصيلة الوفيات في البحر وعلى طول الحدود (فقد غُرق أكثر من 2000 شخص منذُ بداية عام 2023، معظمهم من النساء والأطفال)، ومع السياسات التعقيدية التي تتّبعها السّفارات الأوروبية المسؤولة عن إزهاق الآلاف من الأرواح، حيثُ أنّ الكثير من المهاجرين/ات واللاجئين/ات يلجأون إلى الرحلات المحفوفة بالمخاطر، “اللاشرعية”، للوصول إلى الأراضي الأوروبية. ومع قيام الدول الأوروبية بزجّ المدافعون/ات والمنقذون/ات للاجئين/ات بالسجون. ومع صمت الإعلام وأعضاء البرلمان الأوروربي والنسويات عن هذه القضايا، لا بدّ من طرح الأسئلة التالية بوجوههم/نَّ: أليست هذه قضايا نسوية؟ خاصة وأنَّ أغلب اللاجئين الذين يموتون هم من النساء والأطفال؟ أليس من المهم أن نتصدى “للامبالاة البيضاء” في خصوص هذه القضايا؟ أو فضح ممارساتها مثل قيامها بـ: “ضبط نبرة” Tone policing الناشطات اللاجئات الغاضبات ذوي الأعراق المختلفة، واللاواتي عانينَ من فقدان أفراد أسرهنَّ بحجة أنَّ الصراخ والصوت العالي ليس فعلًا حضاريًا!.

“الدنمارك هي واحدة من أكثر البلدان أمانًا وتكافؤًا لأفراد مجتمع “الميم عين”. ولكن هذا ليس هو الحال بضرورة الواقع إذا كنتِ تعيش/ين هنا كطالب/ة لجوء أو لاجئ/ة، آملًا في الأمان وحياة حرة”

عودة إلى الدنمارك، فإنَّ أحد تمظهرات “القوالب النمطية العنصرية”، Racist stereotypes، هو في كيفية تعامل النّسوية البيضاء والأكاديميات منهنَّ والمتعلمات، مع اللاجئين/ات، حيثُ يصل الاستخفاف بالأخيرات، حدّ تجاهل قضاياهنَّ وأصواتهنَّ ومساهماتهنَّ. 

علاوة على ذلك، إنَّ استبعاد الأفراد من مجتمع “الميم عين” اللاجئين/ات، يعزز تفاقم هذه القوالب النمطية العنصرية، ويؤدي إلى ازدياد الممارسات التمييزية، وإلى تهميشنَّ/م واستبعادهنَّ/م، أكثر وأكثر. وهذا ما حصل معي!

الكاتب: رو

هوامش

موضوعات

للكاتب/ة

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع