«موت صغير».. خيبة أمل جديدة

2017-04-29 07:00:00

«موت صغير».. خيبة أمل جديدة
سحر خليفة تحمل الرواية الفائزة

"الكثير من الأعمال خيبت أملي. ويجب على الناشرين تعيين محرِّرين محترفين."

لم يكن تعليق الروائية سحر خليفة، رئيسة لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) هذا العام، يوم إعلان فوز رواية «موت صغير» للسعودي محمد حسن علوان بالجائزة قاصرًا على هذا. الأمر بدا وكأن ما يحدد كون النص الروائي يعبّر عن شخصية كاتب أصيلة أو باهتة هو وجود محرر محترف في الدار. وكأن الرواية كشكل من أشكال الكتابة يدور كلّه حول تحرير النص. وكأن المحرر يمكن أن يحرِّر نصاً فيأخذه من الرداءة إلى الأصالة من حيث تمايز الصوت والبنية والأفكار!

كان حديث سحر خليفة على منصة إعلان الفائز تخفيفًا لبوحًا أكثر هجومًا على الكتاب والناشرين، في صفحتها على فيس بوك يوم إعلان القائمة القصيرة للجائزة: "186 رواية تقدمت لجائزة بوكر كان على لجنتنا أن تقرأها وتقيمها وتختار ما تراه الأجمل والأعمق. لم تكن المهمة سهلة ولا ممتعة، فالكثير من الروايات، أغلبها، من وجهة نظرنا، لا يستحق حتى الورق الذي نشرت عليه. وفي هذه الحالة، أنا ألوم الناشرين الذين يتخذون من النشر عملية تجارية ولا يولون أي اهتمام للمستوى الفني والإنساني، ولا يولون أيضاً أي اهتمام للفائدة التي يجنيها القارئ ولا خسارته المادية حين يشتري رواية لا يستطيع إكمال قراءتها لركاكتها وفجاجتها وسطحيتها. والغريب أننا تلقينا تهجمات كثيرة ممن لم يفوزوا، واتهمنا البعض بالفساد، وآخرون اتهمونا بالعمالة لجهات مجهولة غامضة، ومعظم المتقدمين، وأغلبهم من المبتدئين والمستسهلين كانوا يتوقعون الفوز وهم ما زالو في أول الطريق أو لا يملكون الموهبة اللازمة لهذا الفن الصعب على الإطلاق. ولم يدر في ذهنهم وذهن ناشريهم أن اللجنة، أية اللجنة، لا يمكن أن تغض النظر عن الركاكة والفجاجة، ولا أن تفّوز الـ 186 رواية. لكن، ورغم كل ما واجهناه من صعوبات، فقد خرجنا بحصيلة مجدية، بل رائعة، وبعضها نعتبره تحفاً فنية ستظل مميزة في أدبنا العربي المعاصر. أنصح الجميع بقراءتها".

لا أعرف كيف يمكن الرد على سحر خليفة حول الكتّاب المتبدئين الذين لا يزالون في بداية الطريق، إلا بتذكيرها أن كامو كتب رواية «الغريب» وهو في منتصف العشرين من العمر. وهو ليس الوحيد في ذلك.

"موت صغير".. وترهل وانطفاء النص

نص روائي من 600 صفحة يتتفكك بشكل شبه كامل في ثلثه الأول. ابن عربي، شخصيتها الرئيسة تُرسم بفقر شديد، في حين أنها شخصية مفصلية في تاريخ التصوف، وطابع السيرة الغالب في الرواية حولّها لـ "مجرد" (بما تحمله من اختزال) سرد زمني دون تركيب ما ملفت على مستوى تقاطع مسارات النص. 

دون نسيان تقليدية الأسلوب الذي كُتِب به النص. ليحوِّل لغة عمل روائي عن صاحب «الفتوحات المكية» إلى لغة تُشبِه سيناريوهات أفلام سينمائية تحكي عن الجاهلية وفجر الإسلام.

الأمر ليس فقط حول اللغة أو رسم الشخصيات. بل يصل لخيار جعل الراوي الرئيس هو ابن عربي. الخيار الذي أضعف من ملامح الشخصيات المحيطة من حوله والتي قابلها في مسار حياته الممتلئ بالسفر والترحال. كيف يمكن أن يُبنى عملًا بهذا العدد من الصفحات بصوت رئيسي للشخصية المركزية دون تعدد الأصوات أو دون إحالة إلى صوت الراوي العليم؟ الأمر الذي لم يحدث؛ فكان تفكك بنية النص حتمية.

الحديث عن ابن عربي الطفل والمراهق والزوج والشيخ التقي دون الحديث عن ابن عربي الإشكالي كشخصية ذات حضور تاريخي ليس بهيّن بكل ما حملته معها من جدالات حول نظرته الصوفية إلى الله والكون والأشياء من حوله. الخوف من طرق هذا الباب، وكأنه جعل العمل بلا روح، وكأنه أفقده حيوية وحرارة الجدل الذهني والتأملي الذي يمكن أن تعيشه وأنت تقرأ «الفتوحات المكية». 

هل قرأ كاتب «موت صغير» الفتوحات المكية؟

ربما لو حدث هذا، ما كنا لنرى ابن عربي في «موت صغير» يدمع في الكثير من المواقف لا تبدو وكأنها باعثة على البكاء. ربما لظهر هل الجانب الروحاني على نحو أكثر تخييلًا، ليمزج بين رؤى الشخصية والكاتب. أم أن الكاتب أرادنا بالأساس أن نقرأ ما بذله من جهد في تشكيل تصوره الشخصي عن ابن عربي؟

محاكاة النص الصوفي

ثمة هوس صوفي تحرّك بالأساس بعد رواج رواية «قواعد العشق الأربعون» للتركية إليف شافاق. أقصد ثمة هوس عربي بهذا الأمر، ليس من السهل تجاهله. والإشكالية المركزية هو أن كل محاكاة روائية للنص الصوفي بلغته تقودنا لنص منسلخ عن لحظته من أجل لحظة ليس من السهل إدراكها إلا بلغة اللحظة التي يُكتب بها النص.

ثمة هذا الهوس التأملي أيضًا حول كون الصوفية هي وسيلة لمحاربة التشدد والتطرف. بما تتيحه من تأويلات ورؤى للأشياء تأخذ بعدًا أكثر رحابة من التفسير الحرفي للنص المقدس. ربما هنا نحن في حاجة للعودة إلى كلمة لجورج أورويل: "لا رواية يمكن أن تغير العالم".