"شارع الكواكب" لفرقة "إيد وحدة"... الأطفال يصنعون مسرحهم

2019-09-20 13:00:00

من العرض

يحاول العرض في هذا السياق أن يلقي الضوء على ضرورة التقاء كافة المهارات الفردية والموازنة بينها لتشكيل مجتمع مصغّر. وعمل ساري مع الأطفال على بناء حياة لتلك الشخصيات: "ما هي تفاصيل يومياتها، من أين تأتي، ماذا تعمل، ما هي معاناتها مع أهلها ولماذا تتصرف بهذه الطريقة؟"

تثابر فرقة "إيد وحدة" للدمى على خلق مساحة لها ولأطفالها رغم كل المعوقات الإنتاجية التي تعاني منها. فبعد مرحلة التأسيس عام ٢٠١٦،  وبعد سلسلة عروض - منها عرض "الأنا الأخرى" وأوتوبورتريه - تطرق الفرقة باباً غير معهود لمسرح الأطفال: إذ أن أطفال الفرقة أنفسهم يقدمون عروضاً لأقرانهم ولمن هم في سن آبائهم وأمهاتهم. يتفق مخرج العرض عبد العزيز العائدي ومصممة الدمى والسينوغرافيا مريم سمعان أن "شارع الكواكب" لا يتوجه إلى الأطفال فحسب إنما يطال كل الفئات العمرية بدءاً من سن الثامنة. سيّما أن العرض يطرح موضوعة وسائل التواصل الاجتماعي ومدى تأثيرها على العلاقات الإنسانية بين الأفراد. 

يشكل هذا العرض نقلة نوعية للفرقة ولأعضائها على عدة مستويات وفي هذا السياق، يتحدث العائدي عن المستوى الأول لتلك النقلة قائلاً إنه في العروض السابقة "كانت المواضيع المطروحة تتعلق بحكايا الأطفال المشاركين في الورشة وقضاياهم لأن فرقة "إيد وحدة" هي منصة أساساً للأطفال والشباب للتعبير عن ذواتهم وعن أحلامهم وعن همومهم وعن مشاغلهم.” تضيف مريم سمعان أن العرض هو، نوعاً ما، ثورة داخلية من ناحية تغيير طريقة العمل: ففي حين اعتمدت العروض السابقة على  الحالات الارتجالية وعلى الموضوعات الذاتية التي نعيشها كأفراد، يقدّم "شارع الكواكب" موضوعاً عاماً يناسب كل الناس وهو أشبه بمادة نقدية لا تقتصر اهتماماتها فقط على أهل المخيمات والأطفال في المركز، بل إن الموضوع أصبح أوسع بكثير. 

وإذا ما تمّ تلخيص مفاد الحكاية في جملة واحدة قد تكون إحدى الجمل المفتاحية "أن هناك سبع شخصيات تعيش كلٌ على كوكبها وضمن اهتماماتها لتكتشف لاحقاً أنها تعيش في فضاء واحد".

لا تبدو مقاربة مفهوم العزلة التي تخلقها وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا عدائية بشكل قاطع وجازم وهنا أهمية العرض. إذ ليس هنالك من إدانة تامة لأدوات العصر الذي نعيش فيه. على العكس، هنالك دعوة إلى خلق عملية توازن بين عالم الواقع والعالم الافتراضي. يذكر العائدي "أن كل ثورة أكانت صناعية أو زراعية أو تكنولوجية، تفرض أنماطاً من السلوك الجديدة على الناس، والآن نحن نعيش في هذه الثورة التكنولوجية وعلينا أن نقبل أن هناك أنماط سلوك جديدة، مثلاً، فردان يسكنان في نفس البيت، كل في غرفته، يتواصلان عبر واتساب”. في نفس الوقت لا يجد العائدي أن هناك موقف سلبي في العرض من وسائل التواصل الإجتماعي. يشدّد علاء الرشيدي الذي شارك في كتابة النص على هذا الموقف ذاكراً إحدى جمل العرض التي تقول إن "ألعاب الفيديو محفزة للخيال" ومن الممكن ممارستها. 

 

المثير للاهتمام في "شارع الكواكب"، أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سن الثانية عشر والسابعة عشر والذين حركوا الدمى ولعبوا أدوار الشخصيات السبع، شاركوا بشكل أساسي في بناء العمل في كل مراحله. فمنذ البداية نظّم عبد العزيز العائدي ورشة عصف ذهني مع الأطفال حيث شاهدوا أفلام فيديو عن تطور الحياة البشرية منذ مئات الأعوام  حتى اليوم. كما تخيل كل من الأطفال كيف ستكون الحياة في المستقبل بعد مائة عام. بالتوازي مع عملية العصف الذهني، كانت مريم تعمل معهم على تحديد الشخصيات عبر تشكيل مجسمات للدمى. تلا ذلك ورشة عمل مع ساري مصطفى الذي قدم ورشة عمل عامة للأطفال حول مبادئ كتابة القصة القصيرة بشكل عام، بدءاً بالأساسيات الكلاسيكية المرتبطة ببداية وبنهاية وبسلسلة أحداث وصولاً إلى ما هو أكثر تعقيداً أي بناء الصراع من خلال الأحداث والشخصيات وتحديد ذروة العرض. طوال هذا الوقت كانت فكرة الكواكب حاضرة في خلفية الورشة.

بالتوازي، كان يتم العمل مع مريم على تطوير الشخصيات حيث تمّ التوافق على سبع شخصيات منمطة بحيث تحمل كل شخصية صفة ثابتة. بحثت مريم مع الأطفال عن صفات بارزة في عوالمهم: شخصية سويتي التي تحب الحلويات والسكاكر، الخوف الذي يتمثل في شخصية رعديد، المعرفة المتمثلة في شخصية بروفيسور لامع، النرجسية وحب الذات عبر شخصية سلفي الفتاة التي تصور نفسها طوال الوقت، الهوس باللعب في شخصية غيمر، الشخصية الحالمة والشاعرية التي تقدمها دمية حالم-أبو عذال، وصولاً إلى الشخصية السابعة التي تولت جمع كل هؤلاء وهي تدعى فاني أو جوكر وهي تتميز بارتكاب المقالب. على الرغم من أن هذه الصفات قد تتواجد في طفل واحد إلا أن مريم وفريق العمل قد آثروا فصلها لإضافة طبقةٍ أخرى من العزلة وللإضاءة على رفض كافة أشكال التطرف.

 

يحاول العرض في هذا السياق أن يلقي الضوء على ضرورة التقاء كافة المهارات الفردية والموازنة بينها لتشكيل مجتمع مصغّر. وعمل ساري مع الأطفال على بناء حياة لتلك الشخصيات: "ما هي تفاصيل يومياتها، من أين تأتي، ماذا تعمل، ما هي معاناتها مع أهلها ولماذا تتصرف بهذه الطريقة؟" في مرحلة لاحقة على ورشة الكتابة التي امتدت على مدى شهرين، انضم علاء رشيدي واشتغل دراماتورجياً مع ساري مصطفى على النص حيث تم العمل على مستوى ثانٍ من المعاني، إذ لا يتم التركيز فقط في "شارع الكواكب" على ثنائية عالم الواقع والعالم الإفتراضي، إنما هنالك طبقات متعددة تبدأ بتحطيم كل شخصية لصورتها النمطية: سويتي هي طباخة تتحول إلى مديرة عمليات، رعديد يكون جبان يتحوّل إلى قائد المجموعة، غايمر يتحوّل إلى قارئ نهم، سيلفي تتحوّل من فرد يصور نفسه طوال الوقت إلى امرأة تبحث عن كتابة سيرتها الذاتية (سي في) ثم تطمح لتصبح مخرجة. طبقةٌ ثالثة هي البعد السياسي المتمثلة بمشهد المظاهرة والانتخابات والديمقراطية.

مثيرٌ للاهتمام هذه المشاركة للأطفال في كل تفصيل من تفاصيل بناء العمل وصولاً إلى مرحلة التمثيل والأداء على المسرح. وقد اتفق معظمهم أن أكثر اللحظات متعةً هي ورشة الكتابة وتأليف النص. إذ تتبلور عملية الخلق في هذه المرحلة. تجد جود سيد عيسى التي تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، أن ما أسعدها في عملية كتابة النص بالإضافة إلى طرح تساؤلات هو كيفية تشكيل شخصية من مكوّنات وعناصر تحبها على الصعيد الشخصي. أما عمر باكير الذي يلعب دور غيمر فوجد أن هذه التجربة هي الأهم والأصعب منذ انضمامه إلى الفرقة من ثلاث سنوات وكان يقول دائماً لنفسه أنه إذا قام بهذا العرض، هو بالتالي يستطيع أن يقوم بأي شيء في المستقبل. لغزل محمود تعلقٌ قوي بالشخصية التي تلعب دورها. تجد في سويتي قطعة من حياتها، هي تحب الحلويات كما هي تحبها. وكان لشارع الكواكب مساهمته، على صعيد التطور الذاتي للأطفال. تقول بيان فتوح التي تلعب دور شخصية فاني إن تلك التجربة ساعدتها على تخطي الخجل.

كما تذكر مريم سمعان أن انشغال الأطفال في التحضير للعرض قد ساهم إلى حد كبير في تبدل سلوكياتهم وتعلقهم بالسوشيال ميديا.