عند ظهور أول خريطة مطبوعة للقدس، نشرت في مدينة ماينز في ألمانيا سنة 1486. انتشر الخلط والتشويش بصورة أكبر. الخطأ لم يقتصر على تسمية قبة الصخرة بهيكل سليمان، بل انه يصور المبنى على شكل بصلة ناعمة - خيال استشراقي من مخيلة النحات الهولندي ارهارد ريوتش.
كتلها أوليفر واينرايت ونشرتها ذا غارديان في ١٣/٠٨/٢٠٢٠
إنها رموز من الحضارة الغربية. ولكن هذا ما يفجره كتاب صدر حديثاً، تصاميم المباني الأوروبية العملاقة كانت مسلوبة من العالم الإسلامي - البرجين التوأم، النوافذ الوردية، السقوف المقببة وهناك الكثير. كاثدرائية نوتردام التي اندلعت بها النار السنة الماضية، الآلاف بكوا هذه الخسارة للصرح العظيم من الحضارة الغربية. الرمز الأشهر لهوية فرنسا الثقافية، قلب الأمة، الذي كان يتطاير في السماء. ولكن هناك قول آخر لدى "ديان ديرك" الخبيرة بشؤون الشرق الأوسط. هي تعرف أن أصول هذه الأكوام لا يعود للتاريخ الأوروبي كما زعم الكثير، بل إن أصوله تعود إلى الصحراء الموجودة في سوريا ولنكن أكثر دقة في قرية غرب حلب.
التصميم المعماري لـ كاتدرائية نوتردام كما هو الحال أيضا في جميع كاتدرائيات أوروبا، مأخوذ بشكل مباشر من كنيسة قلب اللوزة في القرن الخامس في سوريا، هذا ما غردت به "ديرك" في صباح يوم 16 أبريل، بينما مازال الغبار في سماء باريس. أحضر الصليبيون المفهوم المعماري لـ " البرجين التوأم مع النوافذ الوردية " في القرن الثاني عشر إلى أوروبا. البرج التوأم والنوافذ الوردية ليست هي الوحيدة التي تنحدر أصولها من الشرق الأوسط، بل أيضا القباب المقوسة، السهام المدببة وايضا وصفة الطلاء الموجودة على زجاج النوافذ. المعمار القوطي مدين بالكثير للتراث العربي الاسلامي أكثر منه إلى التراث القوطي، كنت مصدومة بردة الفعل، تقول "ديرك".
اعتقدت ان الكثير من الناس كانوا يعرفون، ولكن على ما يبدوا هناك الكثير من النكران لتاريخ السلب الثقافي. على خلفية الموجة التي تتصاعد فيها ظاهرة الإسلاموفوبيا. وهكذا كان، كتاب "السرقة من المسلمين"، كتاب مبهر مدروس بدقة يلقي الضوء على قرون من الاقتراض والتبادل الثقافي، بتعقب الجذور التاريخية للمباني الرئيسة في أوروبا، على سبيل المثال: مبنى البرلمان ودير ويستمنستر، مرورا بكاتدرائية شارتر وكاتدرائية القديس مارك في النمسا، بالعودة إلى أصولهم وسابقته في الشرق الاوسط. الموضوع عبارة عن قوة سياسية، ثروات وتقاليد كما هو في المعتقدات الدينية، من حكايات النهب التي كان يقوم بها الصليبيون، أن الأساقفة المهتمون في الأنماط والأشكال الحديثة يستكشفون الطرق والتقنيات الحديثة ويجلبونها إلى بلادهم.
نحن هنا بصدد فكرة الشرق والغرب، تقول "ديرك"، لكن في وقتها الموضوع لم يكن كذلك. كان هناك تبادل ثقافي كبير ولكن معظمه كان يأتي من الشرق إلى الغرب والقليل منه عكس ذلك. نظراً لهذا الانتشار الكبير في الكاتدرائيات الاوروبية المعروفة، يصبح من السهل تصور أن الأقواس الحجرية المدببة والسراديب المضلعة ذات الارتفاع أنها من أصل مسيحي. في حين أن هناك ضريح في القدس يعود تاريخه إلى القرن السابع بينما المسجد الأندلسي في اسبانيا (أوروبا) بدأ بناءه في القرن العاشر. في الحقيقة أن الضريح مازال قائماً. الزوار الذين يأتون إلى مسجد قرطبة يتعجبون من الأقواس العديدة التي تتقاطع بشكل ساحر ما بين هندسة البناء والهياكل المزخرفة، لم تحتاج إلى اصلاح خلال ألف سنة من بنائها.
المقصورة المقببة - هناك قسم مخصص للحاكم - حيث صمم لاضافة وجه البريق على القائد. في حال أن النشرة الرسمية الارشادية تخبرك القليل بالاصل الإسلامي لها، ربما هذا يعود لأنها أصبحت كنيسة كاثوليكية منذ 1236 ميلادي. الأقواس المدببة كانت عبارة عن حلول عملية للمشاكل التي كانت تواجه البنائين الذين كانوا يعملون في قبة الصخرة في القدس. واحدة من الأماكن المقدسة لدى المسلمين، التي تم بناءها في عام 619 ميلادي بواسطة اول امبراطورية إسلامية حاكمة (الدولة الأموية).
التحدي كان عن كيفية تنسيق الممرات الخارجية ذات الأقواس الدائرية مع الممرات الداخلية الصغيرة في ظل الحفاظ على سقف أفقي بينهم، لعمل المحاذاة للفتحات كان على البنائين وضع أقواس محكمة ومحدبة. عالم آخر يمكن رؤيته إذا نظرنا لأعلى الضريح حيث تحاط القبة بأقواس ثلاثية، هذا (نمط الأقواس) الذي هو على شكل ثلاثي الفص الذي يغطي معظم كاتدرائيات أوروبا، تم اعتماده على نطاق واسع رمز للثالوث المقدس.
مرات ومرات، تقول ديرك، انا مندهشة كثيراً كيف لهذه الأشياء التي كنا نعتقد ان أصولها أوروبية أو مسيحية كان مبنى على اعتقاد وفهم خاطيء للأنماط الإسلامية القديمة. أشارت تقول إن هذا التأثر الكبير بقبة الصخرة مرورا بالصليبيين في العصور الوسطى الذي كان يعتقد على نحو خاطىء أنه معبد سليمان. قاموا أيضا باستخدام شكل القباب والنمط الدائري للضريح المزعوم انه نصراني على أساس قالب لكنائسهم (مثال: الكنيسة المستديرة في مدينة لندن). حتى أنهم قاموا بنسخ الزخرفة ذات النقش العربي، وهذا يزيد من السخط على المسيحيين بصورة واضحة لإيمانهم بالثالوث بدلا من وحدانية الله. حيث زينت الخطوط شبه الكوفية حجارة الكاتدرائية الفرنسية وحواف المنسوجات، دون أدنى وعي عما تعنيه هذه الخطوط أو الأنماط. عند ظهور أول خريطة مطبوعة للقدس، نشرت في مدينة ماينز في ألمانيا سنة 1486. انتشر الخلط والتشويش بصورة أكبر. الخطأ لم يقتصر على تسمية قبة الصخرة بهيكل سليمان، بل انه يصور المبنى على شكل بصلة ناعمة - خيال استشراقي من مخيلة النحات الهولندي ارهارد ريوتش.
أصبح الكتاب الذي يحتوي على الخريطة من الكتب الأكثر مبيعاً، أعيدت طباعته 13 مرة وتمت ترجمته إلى أكثر من لغة، هذا التأثير أدى إلى انتشار الكنائس ذات القباب البصلية في القرن السادس عشر في أوروبا. هذه حكاية لهوية مغلوطة وعواقب غير مقصودة تستحق سكيتش من ''مونتي بايثون''. على الرغم من ذلك، لم تكن عملية نقل هذه الزخارف والأفكار الإسلامية إلى الغرب بهذه السهولة.
القوس المدبب أخذ مساراً مختلفاً. قامت "ديرك" بتعقب كيفية انتشار هذه الأقواس في القاهرة، حيث أصبحت حادة بشكل أكبر ومدببة بشكل أكبر في فترة الخلافة العباسية، حيث كانت محط اعجاب التجار الذين يأتون من ميناء "أمالفي" - مدينة ايطالية، هذه الزيارات من قبل التجار كان نتاجها كنيسة كاثوليكية انتقائية في القرن العاشر. هذا المبنى الغريب لفت نظر الأباتي ديسيديريوس في زيارته إلى "أمالفي" عام 1065 أثناء رحلته التجارية، وقرر تصاميم النوافذ المدببة لمعبده في مونتي كاسينو. تم نسخ هذه التصاميم في دير بينديكتين في مدينة "كلني" الفرنسية، أكبر كنيسة في العالم وقتها.
"أبوت شوجر"، مستشار الملك لويس السادس والسابع، أعجبه كيف أن هذه النوافذ تسمح بدخول مزيد من الضوء، وسرعان ما قام بتطبيق هذا التصميم في كنيسة سانت دينيس في فرنسا. حيث يعتبر أقدم هيكل قوطي (نظام معماري كان مزدهرا في أوروبا)، حيث انتهى بنائها عام 1144، وذهب المعماري الذي قام بتصميمها للعمل في نوتردام. كل هذه المباني تم نسخها، تقول "ديرك"، هذه كانت أهم كنائس في أوروبا، إذن أصبح التصميم مأخوذ بشكل كامل. عندما يتبنى القوي شيء يصبح مطلوب ومرغوب لدى الجميع.
والقائمة تطول، هناك مآذن قديمة مربعة، موجودة في مباني مثل مسجد دمشق الكبير، حيث تزداد في النقص حتى تصل إلى نهاية متوجة بقبة بصلية الشكل. هذه الأنماط استلهمت لبناء الأبراج الإيطالية مثل "مبنى المدينة في فلورنس " وهو ما يعرف الآن باسم "Palazzo Vecchio" و"كنيسة سانت مارك كامبانيل" في مدينة فينيتسا، قبل قرون من بناء كنيسة أبراج الجرس. اعتماداً على أبحاث المؤرخ المعماري "ديبورا هاورد"، تثبت "ديرك" أن مدينة فينيتسا عربية أكثر من كونها أوروبية، ذلك من خلال الممرات الضيقة وفناءات البيوت وشرفات السطوح، بالإضافة إلى الزخارف الاسلامية في " قصر دوجي" في إيطاليا (وهو مصمم على غرار تصميم المسجد الأقصى في القدس) وكذلك القباب البصلية في "سانت مارك".
كل ذلك كان ثمرة الرحلات التي قام بها تجار فينيتسيا إلى مصر، سوريا، فلسطين وبلاد فارس، حيث عززت هذه الرحلات التأثر الذي وصل إلى حد الأزياء: حيث كانت النساء في فينيتسيا يلبسن الأسود في الأماكن العامة من الرأس حتى أخمص القدمين. "لا يمكن لأحد أن يرى وجوههن"، هذا تعليق من مصدر من القرن الخامس عشر. "كن يذهبن وهن مغطاة بشكل كامل، ولا أعرف كيف كن يرين الطريق".
يأتي هذا الكتاب في وقت محير ومشحون، حيث يقوم جماعات يمينية بحشد العمارة الغربية لدعم الرؤية الخاصة بهوية أوروبا الخالصة. هناك حسابات تواصل اجتماعي لا حصر لها تقوم بترويج السيادة البيضاء متخفية بفكرة تمجيد التراث، في الوقت نفسه تصدر الحكومة مراسيم تحمل أفكار مشابهة. عمل "ديرك" يأخذ طابع المطرقة لدحض هذه الأفكار والبروباغاندا، تكشف كيف أن هذه الآثار لها جذورها في الثقافة التي يشككون فيها.
انتشر هذا التغاضي على نطاق واسع،السرقة من المسلمين لم يكن بالأمر المستغرب لدى القاريء في هذه الأيام. بعد كل هذا، في مواضع كثيرة من الكتاب، تقوم "ديرك" باستدعاء كلمات من "كريستوفر ورين" (1632-1723)، الذي يملك معرفة كبيرة في أصول المعمار القوطي في الشرق الأوسط ، وتقنيات الهياكل التي كان يستخدمها في كاتدرائية سانت باول.
كتب "كريستوفر ورين" في عام 1700 عن الزخارف القوطية الحديثة أنها متميزة في خفتها والزيادة في العلو، والدقة وأيضا الإسراف الواضح على الزخارف. مثل هذه الأعمال، تكون خفيفة ولا تحتمل الزخرفة البارزة الثقيلة. من كل هذه العلامات للعمران الجديد، يمكن أن ننسب هذا العمران إلى البربر أو لما هم في نفس النطاق الاقليمي العرب والمسلمين.
السخرية واضحة في الاسم نفسه: على أيام "كريستوفر ورين" كانت لفظة "Saracen" مصطلح تهكمي على العرب والمسلمين، يرجع أصل الاسم إلى العربية "Saraqa"، وتعني السرقة، حيث كان يعتبر المسلمين (Saracens) سارقين وناهبين. ناهيك عن الحقيقة المخفية حول النهب الذي قام به الصليبيون أثناء عبورهم أوروبا والقدس والقسطنطينية، وسرقة معالم العمارة الإسلامية، بالاضافة لقيامهم بطمس آثار هذه الغنائم.