الرصاصة قرب الأذن: بيانٌ لجان لوك غودار نشرته جريدة "فتح" عام ١٩٧٠

2022-09-13 13:00:00

الرصاصة قرب الأذن: بيانٌ لجان لوك غودار نشرته جريدة
غودار، الأرن، ١٩٧٠

بهذه الطريقة يمكن أن يصبح الأدب كما كان يريد لينين، جزءاً صغيراً حياً في جهاز الثورة، أي باختصار عدم إظهار فدائي مصاب، لكن كيف تساعد هذه الإصابة الفلاح الفقير، وحتى نصل إلى هذه الغاية، فإن الطريق شاق وطويل لأنه منذ اختراع الفوتوغرافيا، صنعت الإمبريالية أفلاماً حتى تمنع الذين تضطهدهم من عملها، صنعت صوراً لتزييف الواقع بالنسبة للجماهير التي تضطهدها.

نشر جان لوك غودار في جريدة "فتح" عام ١٩٧٠، خلال تصوير فيلم "حتى النصر" الذي تحول في ما بعد إلى "هنا وهناك"، بياناً من وحي تجربته الفلسطينية، ننشر في "رمّان" البيان الذي سيشمله كتابٌ يصدر قريباً بدعم من مؤسسة "فيلم لاب فلسطين"، بمناسبة الدورة التاسعة من مهرجان "أيام فلسطين السينمائية":
 

فكرنا أنه من الأصح سياسياً أن نأتي إلى فلسطين من أن نذهب إلى مكان آخر، إلى الموزامبيق أو كولومبيا أو البنغال، فالإمبريالية الفرنسية والبريطانية كانت تستعمر الشرق الأوسط مباشرة (اتفاقية سايكس – بيكو) ونحن مناضلون فرنسيون، من الأصح لنا أن نأتي فلسطين لأن الوضع معقد ومختلف، ثمة تناقضات كثيرة، والوضع أقل وضوحاً مما هو في جنوب شرق آسيا، نظرياً على الأقل.

بالنسبة لنا كمناضلين في مجال السينما حالياً، فإن المهام الملقاة على عاتقنا ما زالت نظرية، فنحن لا نزال في مرحلة الاعتقاد بأن التفكير بشكل مختلف يصنع الثورة، وبهذا فنحن متأخرون عشرات السنوات عن أول رصاصة أطلقتها العاصفة.

قال ماوتسي تونغ: إن الرفيق الجيد يذهب حيث الصعوبات وحيث التناقضات أكثر حدة. نحن نريد أن نعمل دعاية للقضية الفلسطينية، بالصوت والصورة، في السينما وفي التلفزيون وأن نعمل دعاية يعني أن نطرح المشاكل، والفيلم هو بساط طائر يمكن أن يذهب في كل مكان، وهو عمل سياسي، وليس في ذلك أي سحر، يجب أن ندرس وأن نبحث وأن نسجل هذا ثم نعرض النتيجة (المونتاج) على مناضلين آخرين، أن نعرض مقاتلات "فتح" على أخواتهن مناضلات "الفهود السود" اللواتي تطاردهن ف. ب. أي تصوير الفيلم سياسياً وعرضه سياسياً وتوزيعه سياسياً، أمر طويل وشاق. إنه يعني حل مشكلة ماثلة كل يوم، العثور على فدائي، على كادر، على مقاتلة، وترى معهم كيف تضع صوراً وأصواتاً لنضالهم، وتقول للفدائي: "سأصورك وأنت تطلق رصاصة العاصفة الأولى"، وأن تعرف أي صورة تضعها في البداية، وأي صورة بعدها، حتى يكون للمجموع معنى ثوري وأيديولوجي يساعد الثورة الفلسطينية والثورة العالمية، كل هذا طويل وشاق لا بد من معرفة ماهية السينما... ومعرفة "فتح" والإعلام في "فتح"، والتناقضات مع بقية المنظمات. "فتح"، مثلاً، تناضل ضد الإمبريالية الأميركية، لكن الإمبريالية الأميركية هي أيضاً جريدة "نيويورك تايمز" وC.B.S، نحن نناضل ضد C.B.S و"نيويورك تايمز"، هناك عدد كبير من الصحافيين الذي يعتقدون صادقين أنهم من اليسار ولا يناضلون، و"نيويورك تايمز" يعتقدون أنهم يساعدون "فتح" في نشر مقالة في الصحافة البرجوازية، لكنهم لا يناضلون، "فتح" هي التي تناضل وتعمل، ومناضلو "فتح" هم الذين يموتون، يجب إدراك هذا جيداً في الأدب وفي الفن ليتم النضال على الجبهتين السياسية والفنية، إنها المرحلة الحالية، ويجب أن نتعلم كيف نحل التناقضات بين هاتين الجبهتين، في الجريدة اليومية التي تصدرها "فتح"، لا نزال نرى الكثير من صور القادة والقليل من صور المقاتلين، يجب أن نرى أين يكمن هذا التناقض وكيفية حله، وهذه ليست مشكلة فنية تتعلق بتوضيب الصفحات، إنها مشكلة سياسية في المجال الأيديولوجي (الصحافة) يجب أن نتعلم كيف نقاتل العدو بالأفكار وليس فقط بالبندقية، الحزب هو الذي يوجه البندقية وليس العكس، إن تعقيد المسألة الفلسطينية مرتبط بصعوبة تكوين الحزب (كما في فرنسا) وتتميز "فتح" برفضها إطلاق اسم حزب أو جبهة عليها، إنها تعني أن تقول للمسلم: لا تتخلَّ عن أفكارك ومعتقداتك ولكن اترك منظمتك وانضم إلى صفوفنا، منظمة "فتح" ليست في حاجة إلى أن تكون ماركسية بالكلمات والشعارات لأنها ثورية بالأعمال والأفعال، إنها تعرف أن الأفكار تتغير أثناء الممارسة وأنه كلما طالت المسيرة إلى تل أبيب؛ تغيرت الأفكار التي ستسمح في النهاية بالقضاء على دولة إسرائيل.

في مخيمات الفدائيين


جبهة سياسية وجبهة فنية

جئنا إلى هنا للدراسة والتعلم واستخلاص الدروس، وإذا أمكن تسجيل دروس ننشرها بعد ذلك هنا أو هناك في أي مكان في العالم. منذ عام جاء رفيقان من مجموعتنا لعمل تحقيق مع الجبهة الديمقراطية وآخر مع "فتح"، وقرأنا النصوص والبرامج، وبوصفنا فرنسيين ماويين قررنا عمل الفيلم مع "فتح" وأطلقنا عليه عنوان "حتى النصر"، لقد تركنا الفلسطينيين يقولون خلال الفيلم كلمة "الثورة"، لكن الاسم الحقيقي للفيلم هو "منهج تفكير وعمل حركة التحرير الفلسطينية".

المناقشات مع الرفاق في الجبهة الديمقراطية تشبه إلى حد كبير المناقشات مع الرفاق في باريس، لم نتعلم منهم شيئاً جديداً ولا هم تعلموا منا. مع "فتح" كان الوضع مختلفاً، من الصعب الحديث مع أحد القادة عن الصورة الواجب إعطاؤها عن الثورة الفلسطينية، والصوت الذي يجب أن يصاحب هذه الصورة (أو يناقضها)، لكن هذه الصعوبة أمر إيجابي في حد ذاته، لأنها تطرح بشكل مادي التناقض بين النظرية والتطبيق، أي بين الجبهة السياسية والجبهة الفنية، وعندما وصلنا إلى عمّان قالوا لنا: "ما الذي تريدون مشاهدته؟". قلنا: "كل شيء". ورأينا الأشبال وتدريب الميليشيا والقواعد في الجنوب والشمال والوسط، شاهدنا مدارس الشهداء، ومدارس الكوادر والمستشفيات، قالوا لنا: "ما الذي تريدون تصويره الآن؟". قلنا: "لا نعرف". قالوا: "كيف لا تعرفون؟" قلنا: "لأننا نريد أن نتكلم معكم". أي أن نتدارس الأمر معكم، إنكم لا تملكون ذخيرة كثيرة لمدافعكم ونحن أيضاً ليس لدينا الكثير من الصورة والأصوات، إن الإمبريالية (هوليوود) قد أتلفتها وحطمتها، لذلك يجب ألا نسرف في استعمالها (الصوت والصورة) لأنهما ذخيرة أيديولوجية ويجب أن يتعلم السينمائي استخدامها لقتل ومحاربة أفكار العدو، ولهذا فنحن بحاجة إلى أن نتحدث معكم، قالوا "حسناً، ومع من تريدون أن تتحدثوا؟". قلنا: "مع أبو حسن". لم نكن نعرف من هو، لكننا كنا قد قرأنا مقالاً له في العدد الأول من "فدائي" وتحدث معنا سياسياً، وقال على سبيل المثال: "جيش الشعب ليس أجهزة الرادار الحديثة وإنما هو عشرة آلاف طفل بمنظار مقرب وتوكي - ووكي". هذه صورة ثورية... نرى على الفور أن الجيش المصري ليس جيش الشعب، فبدلاً من 10 آلاف طفل هناك عشرة آلاف مدرب سوفييتي.

الرصاصة قرب الأذن

كان أبو حسن يقول أيضاً: "إن الرصاصة الأولى للعاصفة لا بد أن تطلق بجانب الآذان أي آذان الفلاحين ليسمعوا صوت تحرير الأرض". هذا صوت ثوري، وهذه مناقشة تسمح بإقامة علاقة سياسية بين الصوت والصورة بدلاً من عمل صور "حقيقية" لا تعني شيئاً ولا تقول شيئاً لأنه ليس لديها شيء لتقوله، شيء لا نعرفه من قبل وما هي فائدة تكرار الأشياء التي نعرفها سابقاً؟ على أي حال، ليس للثورة التي تبحث عن الجديد وراء القديم، فهذا يتطلب وقتاً كما أنه شاق وطويل، لكن لماذا لا يقابل فيلم عن الثورة الفلسطينية الصعوبات التي تواجه هذه الثورة؟ لماذا يعرض هذا الفيلم في التلفزيون الأميركي؟ هل تسيطر منظمة فتح على شبكة التلفزيون الأميركية؟ لا، إنها لا تسيطر حتى على صالات السينما في عمّان، لكن كل مساء تعمي القاذورات الأميركية عيون الجماهير.

لحسن الحظ، وبفضل أزمة حزيران تمكنت القيادة العامة الموحدة من أن تفتح عيون الجماهير في صباح اليوم التالي على جريدة يومية تصدرها أن مشكلة الإعلام الثوري مهمة للغاية، نقول رؤية التناقض بين هذه المهمة الثانوية والمهمة الأساسية للثورة، وهي هنا النضال المسلح ضد إسرائيل، ويجب أن ندرك أنه في لحظة معينة وفي مكان محدد يمكن للثانوي أن يصبح رئيساً، هذا هو ما نطلق عليه الصراع السياسي لعملية إخراج فيلم سياسي، إنه ليس فقط بإجراء حديث مع حبش أو عرفات أو حواتمة، وليس فقط بعض صور جميلة لأشبال يجتازون حواجز من النار المشتعلة، لكن بعلاقات بين الصور وعلاقات بين الأصوات وعلاقات بين الصور والأصوات تشير إلى التفاعلات داخل الثورة الفلسطينية وبين النضال المسلح والعمل السياسي.

إن كل صورة وكل صوت، وكل تركيبة لصور وأصوات هي لحظات من علاقات القوى، ومهمتنا تتلخص في توجيه هذه القوى ضد قوى أعدائنا المشتركين، وهم الإمبريالية، أي "وول ستريت والبنتاجون، والـ C.B.S ويونايتيد أرتيست... إلخ".

نحن نعتقد مثلاً أن منظمة "فتح" قد أصيبت بهزيمة في مجال الإعلام أثناء أزمة حزيران وفي ما يتعلق بالبلدان الرأسمالية الأوروبية عمن تتحدث التايمز أو اللومند أو لفيجارو؟ عن رد الجماهير على الاعتداءات القاسية؟ أو عن الدور الذي لعبته منظمة "فتح" وطريقة ردها من الناحية السياسية والعسكرية؟ لا، إن كل هذه الصحف والتلفزيونات والإذاعات الأوروبية الغربية فاضلت بين جورج حبش وياسر عرفات، مشيدةً بالأول أكثر من الثاني... إن مهمتنا كمناضلين ثوريين في مجال الإعلام هي أيضاً تحليل لماذا وكيف تجري هذه العمليات؟ أما بالنسبة للإمبريالية، فإنها كانت تسعى لا لتحطيم الوحدة المزمع إقامتها بين المنظمات الفلسطينية المختلفة، وإنما إلى إفساد معنى الثورة الفلسطينية وتضليل الجماهير الثورية في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا، التي ترى أن الثورة الفلسطينية مثل الثورة الفيتنامية خميرة ثورية ثمينة. إن نصاً مثل "حوار مع فتح" الذي كتبه أبو إياد لم يترجم إلى الآن للفرنسية، وهذا أمر خطير... ورغم أن هذه الهزائم قد تعتبر ثانوية فإنه يجب باسم الصدق الثوري تحليلها كهزائم بالتتابع، نضال ثم فشل ثم نضال جديد، ثم فشل جديد ونضال جديد حتى النصر، هذا هو منطلق الشعب، كما يقول الرفاق الصينيون، وإنه منطلق الشعب الفلسطيني أيضاً في حركة تحرره القومي تحت قيادة منظمة "فتح"، وهذا هو ما نحاول تقديمه في فيلمنا هذا، والسؤال الآن أين سيعرض هذا الفيلم؟ إن هذا يتوقف على الوضع الحالي للنضال، فقد يعرض في أحد شوارع القرى في جنوب لبنان فنشد ملاءة بيضاء بين نافذتين أو عمودين ونعرض الفيلم، أو أمام طلبة في "بيركلي" أو وسط عمال مضربين في كردوبا أو ليون أو في مدرسة أميلكار كابرال، أي أنه سيعرض بوجه عام أمام العناصر المتقدمة سياسياً من الجماهير.. لماذا؟ لأنه يقدم قوى التحرير في لحظة النضال.
 

٣ ملصقات لفيلمه


العلاقات بين الصور

يجب إذن أن يكون الفيلم مفيداً... (على المدى القصير أو الطويل) وأن تستخدمه عناصر أخرى من هذه القوى أثناء نضالها، أي في اللحظة التي يمكنه أن يخدم فيها نضالها، لنأخذ مثلاً: صورة فدائي يعبر نهراً ثم صورة فدائية من منظمة "فتح" تعلم اللاجئين في المعسكر القراءة والكتابة، ثم ثورة "شبل" يتدرب، ما الذي تعنيه هذه الصور الثلاث؟ منفردة ليس لها أي قيمة، وقد تكون لها قيمة عاطفية أو قيمة فوتوغرافية لكن ليس لها وحدها أي قيمة سياسية، كل واحدة من هذه الصور لا بد أن ترتبط بالصورتين الباقيتين حتى تكتسب هذه القيمة السياسية، وفي هذه اللحظة، فإن ما يصبح مهماً هو الترتيب الذي سيتم عرضها به، لأنها تشكل جزءاً من كل المفهوم السياسي، والترتيب الذي سيتم عرضها به يمثل الخط السياسي، إننا نسير على خط فتح، لذلك فإننا نرتب الصور هكذا: (1) فدائي في عملية. (2) فدائية تعلم القراءة. (3) أطفال يتدربون. ويعني هذا: (1) النضال المسلح. (2) عمل سياسي. (3) حرب شعبية طويلة الأمد.

إن الصورة الثالثة هي حصيلة الأولى والثانية، إن النضال المسلح + العمل السياسي = حرب شعبية طويلة الأمد ضد إسرائيل، إنها أيضاً الرجل (الذي بدأ القتال) + المرأة (التي تتحول وتصنع الثورة)، التي تلد طفلاً سيحرر فلسطين يوماً ما (جيل النصر)، لا بد من إظهار لماذا وكيف، ولا يمكن تصوير الطفل الإسرائيلي بالطريقة نفسها، الصور التي تقدم صورة لطفل صهيوني ليست هي صور الطفل الفلسطيني نفسه، يجب في الحقيقة عدم التحدث عن الصور وإنما عن العلاقات بين الصور.

عملاء هوليوود

الإمبريالية هي التي علمتنا أن نعتبر الصور في ذاتها، هي التي جعلتنا نعتقد أن الصورة هي واقع، بينما الصورة لا يمكن أن تكون سوى وهم، لأنها في نهاية الأمر صورة، إنها انعكاس صورتك في المرآة، ما هو واقعي هو أنت أولاً، ثم العلاقة بينك وبين هذا الانعكاس الوهمي، ما هو واقعي بعد ذلك هو العلاقة التي تقيمها بين هذه الانعكاسات المختلفة وذاتك، أو بين مختلف هذه الصور ونفسك، إنك تقول مثلاً أنا جميل أو يبدو أني مرهق، لكن بقولك هذا فإنك لا تصنع سوى إقامة علاقة بين عدد من الانعكاسات، واحد منها وأنت تبدو مستريحاً والآخر وأنت مرهق، تقارن وتقيم علاقة، ولذلك فيمكنك أن تستخلص ما يلي: "يبدو أني مرهق"، العمل السياسي في الفيلم هو إقامة هذا النوع من العلاقات السياسية لحل المشاكل السياسية، أي على صورة عمل ونضال فعليين. وبالفعل، فإن الإمبريالية وهي تعمل على جعلنا نؤمن بأن صور العالم واقعية بينما هي وهمية، فإنها تسعى إلى منعنا من عمل ما يجب عمله. إن إقامة علاقات حقيقية (سياسية) بين هذه الصور وهي صورة شبل يتدرب وصورة فدائي يعبر نهراً هي الحقيقة الثورية الوحيدة لأنها تثير مسألة السلطة وتتابع هذه الصور كما وضعناها وتعلن أن السلطة على فوهة البندقية. إن الإمبريالية تريد أن تكتفي بتصوير فدائي يعبر نهراً أو فلاحة تتعلم القراءة أو شبل يتدرب. الإمبريالية ليست ضد كل هذا، فهي تصنع كل يوم مثل هذه الصور (أو يصنعها عملاؤها) كما تذيعها في البي. بِي. سي. وفي مجلات لايف والاكسيرسو وخلافه، ومن ناحية أخرى توجد وكالة الغوث L'U.N.R.W.A (للمعدة) كما توجد هوليوود وأتباعها من اللبنانيين والمصريين. السينما الإمبريالية علمتنا ألا نقيم علاقات بين الصور الثلاث التي تحدثنا عنها، أو أن نفعل ذلك لكن بترتيب آخر حتى لا تتعارض ومخططاتها.

الأفكار والتناقضات

مهمتنا نحن المناضلين حالياً في مجال الإعلام المعادي للإمبريالية، هي أن نكافح بكل قوانا في هذا المجال، وأن نتحرر من سلسلة الصور التي فرضتها الأيديولوجية الإمبريالية من خلال أجهزتها المختلفة من صحافة وإذاعة وسينما وأسطوانات وكتب، إنها مهمة ثانوية نضعها نحن في المرتبة الأساسية، ونحاول من خلالها حل التناقضات الخاصة بها، فمثلاً ونحن نناضل على هذه الجبهة نصطدم كثيراً بعدد من الرفاق. إن هؤلاء الرفاق هنا في منظمة "فتح" مثلاً لديهم أفكار متقدمة وسليمة عن الجبهة الرئيسة للنضال المسلح، لكن أفكارهم أقل صحة بالنسبة للجبهة الثانوية أي الإعلام، وبالنسبة لنا يجب أن نتعلم حل هذه التناقضات كما لو كانت تناقضات نابعة من وسط الشعب، فليس هناك تناقض بيننا وبين العدو، فإن صنع صور متناقضة يدفع إلى التقدم على طريق تحليل هذه التناقضات، وهنا بعد أن طرحنا مسألة إنتاج هذه السلسلة من الصور (إذا أخذنا المثال نفسه، يمكننا أن نطرح الآن وبشكل أكثر دقة وبشكل سياسي مسألة عرض هذه الصور، وحيث إن بين هذه الصور علاقات حقيقية (متناقضة)، وبسبب هذه العلاقة الواقعية، فإن الذين سيرون ويسمعون هذه الصور سيكون لهم كذلك علاقة حقيقية معها، ومشاهدة الفيلم ستكون لحظة حقيقية من حياتهم وواقعهم، وهي حقيقة سياسية هذه المرة، فبوصفك فلاحاً مضطهداً، أو عاملاً في إضراب أو طالباً في ثورة، أو فدائياً أمام الكلاشينكوف.. سنقول لك (ليسقط الاستعراض ولتحيا العلاقات السياسية الحقيقية).

الأسنان والشفاه

بهذه الطريقة يمكن أن يصبح الأدب كما كان يريد لينين، جزءاً صغيراً حياً في جهاز الثورة، أي باختصار عدم إظهار فدائي مصاب، لكن كيف تساعد هذه الإصابة الفلاح الفقير، وحتى نصل إلى هذه الغاية، فإن الطريق شاق وطويل لأنه منذ اختراع الفوتوغرافيا، صنعت الإمبريالية أفلاماً حتى تمنع الذين تضطهدهم من عملها، صنعت صوراً لتزييف الواقع بالنسبة للجماهير التي تضطهدها. إن مهمتنا هي تحطيم هذه الصورة واستخدام وتعلم عمل صور أخرى أبسط، لخدمة الشعب وحتى يستخدمها الشعب بدوره، والقول إن هذا عمل شاق وطويل يعني أن هذا النضال (الأيديولوجي) هو هنا جزء من الحرب الطويلة والممتدة التي يقودها الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل. إنه يعني القول إن هذا النضال مرتبط بنضال جميع الشعوب ضد الإمبريالية وحلفائها، مرتبط مثل الأسنان والشفاه، مثل الأم وطفلها، مثل أرض فلسطين والفدائيين.