آفي شلايم يرى سابقة خبيثة وراء تصرفات إسرائيل في غزة (ترجمة)

2024-01-26 01:00:00

آفي شلايم يرى سابقة خبيثة وراء تصرفات إسرائيل في غزة (ترجمة)
من موقع الجزيرة نت

لكن في وسع الباحثين النظر إلى هذا الصراع نظرةً موضوعيَّة إلى حدٍّ ما. رشيد خالدي هو أستاذٌ في جامعة كولومبيا، وكذلك أبرز المؤرِّخين الفلسطينيِّين للصراع، ولا أرى أنَّنا مختلفان كثيراً في المبدأ؛ فكلانا يعتبر أنَّ جوهر الصراع هو الحركة الاستعماريَّة الاستيطانيَّة الصهيونيّة.

أجرى المقابلة ستيوارت ميلر في لوس أنجلس تايمز، في 27 نوفمبر 2023.

ولِد آفي شلايم -مؤلِّف "تواطؤ عبر ضفَّتي الأردن"؛ و"الحرب والسلام في الشرق الأوسط"؛ والجدار الحديديّ"- في بغداد، لكنَّه فرَّ منها إلى إسرائيل بصحبة عائلته جرَّاء الاضطهاد الذي تصاعد في أعقاب عام 1948. انتقل فيما بعد إلى إنكلترا، حيث يعيش ويدرِّس منذ أكثر من نصف قرن. حاورنا شلايم، البالغ من العمر 78 عاماً، عبر تقنيَّة الفيديو من منزله في إنكلترا، عن الحرب الدائرة حاليَّاً وكذلك آرائه بصدد أنَّها تحدثُ كنتيجةٍ للماضي. وقد نقَّحنا هذه المقابلة لأجل الطول والإيضاح.
 

تاريخُ هذه الأرض ممزَّقٌ ما بين روايتين متناقضتين، إسرائيليَّة وفلسطينيَّة. ماذا يمكن أن نقول، على نحوٍ قاطع، بصدد ما حدث في عام 1948؟

في أعقاب حرب عام 1948، كان الفريقان المنتصران هُما إسرائيل، التي وسَّعَت أراضيها إلى ما بعد الحدود التي نصَّت عليها خطَّة الأمم المتَّحدة لتقسيم فلسطين، والملك الأردنيّ عبد الله الذي استولى جيشُه على الضفَّة الغربيَّة (ستحتلُّها إسرائيل في عام 1967) التي كان من المفترض أن تشكِّل قلب الدولة الفلسطينيَّة بناءً على خطَّة الأمم المتَّحدة آنفة الذكر. وأمَّا الفريق الخاسر، فكان 750 ألف فلسطينيّ -أي أكثر من نصف عدد السكَّان- الذين أصبحوا لاجئين خلال النكبة. هذه هي الجذور الحقيقيَّة للصراع الحاليّ.

قال نعوم تشومسكي ذات مرَّةٍ إنَّ الاستعمار الاستيطانيّ هو أكثر أشكال الإمبرياليَّة تطرُّفاً وشرَّاً. وقد كان من سوء حظِّ الفلسطينيِّين أن يكونوا في موقع المتلقِّي لكلٍّ من الاستعمار الاستيطانيّ الصهيونيّ والإمبرياليَّة الغربيَّة؛ البريطانيَّة أوَّلاً ثمَّ الأميركيَّة. منذ تأسيسها، كان هدف الحركة الصهيونيَّة إقامة دولةٍ يهوديَّة على أكبر مساحةٍ ممكنةٍ من الأرض، مع أقلّ عددٍ ممكن من العرب داخل حدودها.

هل يرى الإسرائيليّون والفلسطينيّون الحرب الحاليَّة استناداً إلى هذا السياق؟

قال نتنياهو إنَّنا نخوض "حرب الاستقلال الثانية". لا أحد يُهدِّد استقلال إسرائيل أو وجودها اليوم، فما سبب تسميتها حرب الاستقلال الثانية؟ أعتقد أنَّ هناك سبباً خبيثاً وراء ذلك -لقد اقترنَت حرب الاستقلال الأولى بالنكبة، واليوم هناك مؤشِّرات في الوثائق المسرَّبة تدلُّ على أنَّ الحكومة الإسرائيليَّة تُخطِّط لطردٍ جماعيٍّ ثان (من غزَّة). ما نستخلصُه من التاريخ هو أنَّه عندما تشنُّ إسرائيل حملة تطهيرٍ عرقيٍّ مثلما فعلَت في عام 1948، فإنِّها لن تسمحَ للعرب بالعودة إلى ديارهم. أعتقدُ أنَّ أميركا تتحمَّل إلى حدٍّ كبير المسؤوليَّة عمَّا وصلنا إليه اليوم بسبب دعمها الأعمى لإسرائيل، وذلك ما زال مستمرَّاً على الرغم ممَّا ترتكبه الأخيرة من فظائع في غزَّة.

لكن حماس تحدَّثت عن نيَّتها بإبقاء حالة حربٍ دائمة. ألا يُشكِّل هذا تحدِّياً لاستقلال إسرائيل أو وجودها؟

ينسى الناس فوز حماس في عام 2006 بانتخابات نزيهةٍ وحرَّة، ليس فقط في غزَّة، بل وفي الضفَّة الغربيَّة أيضاً. وأنَّها شكَّلت حكومةً لكن رفضَت إسرائيلُ الاعتراف بها، وكذلك فعلَت الولايات المتَّحدة والمملكة المتَّحدة والاتِّحاد الأوروبيّ؛ شنَّت إسرائيل حرباً اقتصاديَّة بهدف تقويض حكومة حماس، وانضمَّ إليها حلفاؤها من الأوروبيّين والأميركيّين، إمعاناً في الغرق بعارهم الأبديّ. هذا واحد من ضمن أمثلةٍ عديدة على النفاق المطلق للقوى الغربيَّة. يقولون إنَّهم يؤمنون بالديموقراطيَّة، وها أمامك مثالٌ ساطع لديموقراطيَّة عربيَّة على أرض الواقع، لكنّ الحلفاء الغربيِّين رفضوا الاعتراف بنتيجتها لأنَّ الشعب الفلسطينيّ قد اختار المجموعة الخاطئة من الأشخاص.

سعت حركة "المؤرِّخين الجدد" إلى التحرُّر من الأفكار القديمة بصدد أحداث عام 1948. ما هي الاعتقادات الخاطئة التي لا تزال قائمةً إلى اليوم؟

الاعتقاد الخاطئ الرئيسيّ هو أنَّ حماس هي العقبة في طريق السلام. لدى الحركة ميثاق مروِّع، وكان لديها برنامج متطرِّف لكنَّها، بعد وصولها إلى السلطة، خفَّفت من حدَّة برنامجها وعرضَت على إسرائيل وقف إطلاق نار طويل الأمد (كجزءٍ من مفاوضات أشمل على الأرض وقضايا أخرى في عام 2006، ومرَّة أخرى في عام 2015). بيد أنَّ إسرائيل رفضت ذلك. لذا يُمثِّل هذا أحد الاعتقادات الخاطئة؛ أنَّ إسرائيل ترغب بالسلام بينما تحول حماس دون تحقيقه. إسرائيل هي العقبة في طريق السلام.

هناك اعتقادٌ خاطئ آخر مفاده أنَّ إسرائيل أرادَت حلَّ الدولتين. هذا هراء محض! من المألوف الآن القول إنَّ حلَّ الدولتين قد مات بسبب أشياء على غرار المستوطنات الإسرائيليَّة في الضفَّة الغربيَّة، لكنَّني أقول إنَّ حل الدولتين لم يولد قط؛ إذ لم تطرح أيُّ حكومة إسرائيليَّة، منذ عام 1967، حلَّ دولتين بصيغةٍ يَقبلُها حتَّى أكثر الزعماء الفلسطينيِّين اعتدالاً، وكذلك لم يسبق أن ضغطت أيّ حكومة أميركيَّة حقَّاً على إسرائيل من أجل حلّ الدولتين.

من الواضح أنَّ لديك قناعتك الراسخة. في ظلِّ هذا التاريخ العنيف والمتشابك، والحرب الحاليَّة، هل بمقدور أيِّ صحافيّ أو مؤرِّخ أن يكون قريباً من الموضوعيَّة؟

من الصعب جدَّاً أن يكون المرء موضوعيَّاً لأنَّها قضيَّةٌ على قدرٍ عالٍ من العاطفيَّة، والعواطف متصاعدةٌ بشدَّة الآن لدى الطرفين كليهما. لكن في وسع الباحثين النظر إلى هذا الصراع نظرةً موضوعيَّة إلى حدٍّ ما. رشيد خالدي هو أستاذٌ في جامعة كولومبيا، وكذلك أبرز المؤرِّخين الفلسطينيِّين للصراع، ولا أرى أنَّنا مختلفان كثيراً في المبدأ؛ فكلانا يعتبر أنَّ جوهر الصراع هو الحركة الاستعماريَّة الاستيطانيَّة الصهيونيّة.

في كتابك "الجدار الحديديّ"، ركَّزت على إصرار إسرائيل على مَنَعتها. كيف تؤثِّر هجمات حماس على هذا التصوُّر داخل إسرائيل؟

لقد ظنَّت إسرائيل نفسها أنَّها لا تُقهَر، واعتقدَ نتنياهو "أنَّ بمقدورنا فعل ما نشاء في الضفَّة الغربيَّة، وإدارة الوضع في غزَّة، وتحقيق السلام مع الدول العربيَّة من دون الاضطرار إلى تقديم أيِّ تنازلاتٍ إلى الفلسطينيّين". لكن في السابع من أكتوبر، انهارت هذه السياسة عن بكرة أبيها بين ليلةٍ وضحاها. ولا يزال المجتمع الإسرائيليّ برمَّته مشدوهاً بفعل هذه التجربة. كانت تجربةً صادمةً بحقّ. واليوم لم يعد بمقدور الإسرائيليِّين التفكير باتِّزان، يريدون من الحكومة إزالة حماس نهائيّاً. لكنَّ القضاء على حماس غير ممكن. حماس ليسَت تنظيماً عسكريَّاً. إنَّها حركةٌ اجتماعيَّة، وجزءٌ من نسيج المجتمع الفلسطينيّ.

هل ترى أيَّ إمكانيَّةٍ لحلٍّ مناسب؟

أتمنَّى لو أنَّني قادرٌ على رؤية ضوءٍ في نهاية هذا النفق، لكنَّني متشائم إلى أبعد حدّ.