هذه واحدة من الحالات القليلة التي يمكن القول فيها أنّ حكومة الاحتلال تعرف جيّداً ما تفعله، فملاحقة حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” في أراضي الـ ٤٨، الملاحقة والتضييقات والتهديدات المستمرة منذ سنين، وتصعيد ذلك أخيراً إلى اعتقالات جماعيّة شملت رئيس الحزب عوض عبد الفتاح والعديد من ناشطي الحزب، هو سلوكٌ “واعٍ” من هذا الاحتلال لما يمثّله “التجمّع”، أدبيّات وممارسة.
أقول ذلك قياساً على ما يعنيه الحزب على الجهة المقابلة من الاحتلال، أي لديّ كفلسطيني، لاجئ، يرى في فلسطينيته (وتحقيقها في عودته) تناقضاً أساسياً مع الاحتلال، ويرى في “التجمع” تمثيلاً واعياً لهذه الفلسطينية.
أتّفق مع القائلين بأنّ استهداف “التجمّع” إنّما هو استهداف لعموم فلسطينيي الداخل، في الـ ٤٨، لكني لا أراه يتوقّف هنا، ولا أرى خطورته تكمن هنا، بل يمتد الاستهداف بقدر ما يمتد “التجمع”، إلى خارج نطاق المؤسسات في الدولة الإسرائيلية، وإلى خارج أرض فلسطين كاملة، إلى حيث يعتبر “التجمّعُ” أن جزءاً من الفلسطينيين في الخارج، في المخيمات والشتات، أنّهم جزءٌ من هويّته الوطنية والقومية، وأنّه هو جزءٌ منهم.
الاحتلال واع لذلك، وإلا لأخذ استراحة بين محاكمة هنا واعتقال هناك، من عزمي بشارة إلى حنين زعبي وجمال زحالقة وآخرين. لكن هل باقي الفلسطينيين واعون لذلك؟ هل ابن الضّفة أو غزّة أو ابن أي مخيم في الخارج واع إلى أنّ ملاحقة الاحتلال “للتجمع” هو تماماً ملاحقة للمقولة الجذرية في القضية الفلسطينية: احتلال الأرض وتهجير أهلها، أي أنّها ملاحقة “شخصيّة” له وللرابط بينه وبين أرضه هناك؟
لا يجب أن تعني حملة الاحتلال الأخيرة على “التجمع” الحزبَ وأهلنا في الداخل بقدر أقل مما تعني باقي الفلسطينيين طالما اعتبرنا أنّ الهويّة التي يدافع عنها “التجمع” هي هويّتنا جميعاً بقدر ما هي هويّته
لأهلنا في داخل الدّاخل نضالهم الخاص، له ظروفه الموضوعية والذاتية، له أساليبه، لكنّه كلّما أصرّ على أنّه جزءٌ من نضال أشمل يحوي نضالات كل تجمّع فلسطيني وكل فرد فلسطيني داخل الوطن وخارجه، كلّما أصرّ على ذلك كلّما زاد تهديده للاحتلال، تهديدٌ في أساس الاحتلال أقصد، في جذره، وكلّما أصرّ على ذلك كلّما مارس عليه الاحتلالُ ما مارسه ويمارسه على “التجمّع”.
لا يجب أن تعني حملة الاحتلال الأخيرة على “التجمع” الحزبَ وأهلنا في الداخل بقدر أقل مما تعني باقي الفلسطينيين طالما اعتبرنا أنّ الهويّة التي يدافع عنها “التجمع” هي هويّتنا جميعاً بقدر ما هي هويّته وهويّة أهلنا في الدّاخل، وطالما اعتبرنا أنّ الأرض التي يعيش عليها قيادات وكوادر التجمّع الملاحقين والمعتقلين، أنّها أرضنا بقدر ما هي أرضهم، طالما اعتبرنا أنّ الحزب، ثقافةً وسياسةً وممارسةً، هو الضامن لنا بفلسطين تشبهنا، ولذلك ثمنه، وها هم يدفعونه، وهذا دينٌ للحزب علينا، نحن اللاجئين، نحن كل الفلسطينيين.