المحاضر الجامعي سعيد أبو معلا، الكاتبة سناء عون، والكاتب عبد الرزاق بوكبة

تحقيق: هل تؤثر المؤسسات الرقابية على خيال الفنان العربي؟ (حقنا في الخيال)

وائل قيس

شاعر وكاتب من سوريا

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

14/02/2017

تصوير: اسماء الغول

وائل قيس

شاعر وكاتب من سوريا

وائل قيس

أثار القرار الصادر عن النائب العام الفلسطيني في مدينة رام الله، المستشار أحمد براك، بمصادرة كافة النسخ المتوفرة في المكتبات لعمل الروائي الفلسطيني عبّاد يحيى “جريمة في رام الله”، استياء عند غالبية مثقفي الوطن العربي، وسلط الضوء على الدور الرقابي للمؤسسات الثقافية والسياسية التي تفرض على الكُتاب في مختلف الأنماط الإبداعية أو البحثية، وحتى الفكرية منها.

وعلى مرّ المراحل التي شهدت زخمًا فكريًا أو إبداعيًا تعرض الكاتب العربي لعدد من الملاحقات القانونية بحجج تقييد حرية الكتابة، بسبب أنها “تخدش الحياء العام”، ومنها ما منع لأسباب سياسية لا تتماشى مع سياسات الدول العربية المنغلقة، كان آخرها منع مؤلفات المفكر الفلسطيني عزمي بشارة الصادرة عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في معرض “الشارقة الدولي للكتاب” خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت.

في هذا التحقيق الذي يندرج ضمن ملف “حقنا في الخيال”، بمشاركة المحاضر الجامعي الفلسطيني سعيد أبو معلا، والكاتبة السورية سناء عون، والكاتب الجزائري عبد الرزاق بوكية، يقدم موقع “رمان” رؤى مختلفة لرقابة المؤسسات الثقافية أو السياسية على المنتوج الأدبي العربي جاءت ردًا على سؤالين مرتبطين بقضية “جريمة في رام الله”، لكن محورهما كان أوسع ليشمل كافة المؤسسات التي تمتهن الرقابة في العالم العربي.

الرقابة العربية جريمة بحق الكلمة والكتاب والشعوب

يقول الكاتب عبد الرزاق بوكبة في إجابته على السؤال الأول المرتبط برؤيته لسياسة المنع التي تمارسها المؤسسات الثقافية على المنتوج الثقافي العربي، أن “المؤسسة الثقافية في الفضاء العربي، ليست ثمرة لروح المجتمع المدني المتشرب لحقه في التفكير والتلقي الحرّين، بل هي ثمرة سياسية للأنظمة القائمة في غلاف ثقافي، ومنه يصبح دورها تابعًا للمؤسسة السياسية الأم، بحكم أنها تمثلها في الحقل الثقافي”. 

ويضيف متسائلًا: “من هنا.. ماذا ننتظر منها إذا لم تقم بدور الرقابة؟ لماذا نستهجن منها ذلك في مقابل سكوتنا على المؤسسة السياسية التي أثمرتها، والتي لم تكن ثمرة لديمقراطية حقيقية؟”، معتقدًا في نهاية إجابته أنه على “النخب أن تجيب على هذا السؤال أولًا حتى لا تهدر وقتها في انتظار الورد من السبخة”. 

في حين ترى الكاتبة سناء عون أنه “هناك روايات منعت بسبب العنوان فقط، كما حدث مع رواية (حكاية وهابية) لعبد الله المفلح، التي منعت من أخذ الترخيص بالنشر من وزارة الإعلام السعودي”، معتبرًة أن “منع الكتب هي خطوة أولى لمنع الكتابة إلا بما تسمح به المؤسسات الثقافية والدينية والمجتمع معًا، والملاحظ في الأعوام القليلة الماضية ازدياد قائمة المنع في عدد من دول عربية لم تكن ضمن قوائم الدول العربية الأكثر منعًا للكتب”. 

وتشير عون في إجابتها لعدد من الأمثلة “بدءًا من أحمد ناجي وروايته (استخدام الحياة)، وإحالته إلى المحاكمة، ثم سعود السنعوسي وروايته (فئران أمي حصة)، وكذلك قضية أشرف فياض القابع في السجون السعودية، وأخيرًا تأتي قضية عبّاد يحيى وروايته (جريمة في رام الله)، ولا نعرف من سيكون الممنوع غدًا”. 

وتشدد في حديثها على أن ما حصل مؤخرًا “جريمة بحق الكلمة والكتاب والشعوب، فالشعوب التي لا تقرأ ستبقى تعيش الاستبداد السياسي والاجتماعي، بل وستبرره أيضًا، وهذا برأيي هو الأخطر، وهو ما سيكرس الخطاب الديني الأصولي التكفيري ويزيده بشكل مخيف حقًا”.

ويرى المحاضر الجامعي سعيد أبو معلا أن المشكلة “أعمق من مسألة أن يمنع النائب العام في دولة ما رواية أو ديوان شعر”، لأن الحديث هنا عن “مؤسسات ثقافية عربية يفترض أن تكون راعية للثقافة وللحريات، لكنها تعمل بعكس ما يفترض منها من دور”، مرجعًا السبب في جوهره إلى أنها “مؤسسات غير مستقلة تتبع الدولة أو النظام السياسي وتتمول منه من دون أن تتمتع باستقلال مالي، وبالتالي من يعمل فيها يكون منتميًا للنظام”.

ويعتبر أن “الكارثة لدينا أن السلطة تعين وتفرض بطرق مختلفة من يدير هذا المؤسسات الثقافية تمًاما كما تتعامل مع المؤسسة الدينية، وبالتالي تكون وجهة نظر السلطة هي الحاكمة للنتاجات الثقافية والفنية، أو محكومة بسقف هذه السلطة، وغالبًا سقف السلطة ما يكون منخفضًا أو متماشيًا مع المصالح العامة لها، وعموم السلطة في المجتمع التي تضمن بقاءها”.

ويشير في ختام حديثه أن ما يحصل هو “تواطئ ضد الفن والثقافة من أجل استمرار السلطة والنظام الثقافي والسياسي والثقافي والاجتماعي، وهذا تمامًا يجعلنا نفهم لماذا لا يؤثر النتاج الثقافي بمجمله بالمجتمعات، ولماذا لا نرى تغيرًّا ملموسًا في حياتنا وسلوك المجتمعات”.

الرقابة في جميع صنوفها نقيض الخيال

وتقول عون في ردها على السؤال الثاني المتعلق بتأثير الرقابة على خيال الفنان/ الكاتب، وما يكون بصدد إنجازه من عمل إبداعي، أن “الرقابة هي أسوأ ما يمر على العمل الأدبي والفني، لأنها تفرض عليه مساحات ضيقة وخانقة، والأكثر سوءًا هو ممارسة الأديب لهذه الرقابة ذاتيًا”. وتضيف “لا أقصد هنا الحذف للقيمة الأدبية أو الفنية كما قال ماركيز (الكاتب الجيد لا يُعرف بما ينشره بقدر ما يُعرف بما يلقيه في سلة المهملات)، بل لإرضاء المجتمع والمؤسسات الرقابية”. 

وتؤكد عون في حديثها أن الرقابة ستؤثر علي خيال الفنان لأننا “لا نزال نعيش في بلدان الكل فيها قضاة، والكل جلادون، متى سنحت لهم الفرصة. والفرص اليوم كثيرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والضحايا كثر. والكلمة هي الأضعف بما أنها لا تحمل سيفًا كما تفعل الخلايا التي يطلقون عليها “الخلايا النائمة”، بل أراها خلايا مستيقظة ويقظة جدًا، ومحاكمتها فوريًا لمن تراه يخالف توجهات أصحابها”. 

ويتفق أبو معلا مع عون في الدور الرقابي الذي تفرضه المؤسسات، إذ يرى أن “الرقابة في جميع صنوفها وأشكالها نقيض الخيال”، لأنه “أن تراقب يعني أن يكون هناك شخص ما يقرر ما هو مسموح وما هو غير مسموح به، والمسموح يرتبط ربما بالتمويل والدعم والاحتضان والشرعية، وبالتالي ولكوننا نتعامل مع الفنان على أنه إنسان، وهذا الإنسان يتأثر بالأجواء المحيطة من حوله سواء مجتمع أو مؤسسات ثقافية فإن الخيال يمرض ويعتل، وهذا الاعتلال مضر تمامًا بالمنتج الثقافي، وبالفكر الذي تنتجه أعمال الفنانين على اختلاف تصنيفاتهم”.

ويضيف “أعتقد أن الخيال نعمة، وهي مفيدة لو تكرست بالمجتمع لتطويره ونهوضه ونمو ذائقته”، إلا أن “جزء من مشكلة أنظمتنا هو أنها لا تملك الخيال السياسي والاقتصادي لحل مشاكلنا، وهذا مرتبط بفقدان أو بتراجع الخيال كقيمة عليا في المجتمع تمامًا كما هي قيمة العدل والحرية”.

ويشدد أبو معلا في حديثه على أنه “بدون خيال نحن تجاه نص بلا عيون وبدون أمد أو رؤية للأمام، أو بدون شيء إبداعي، والسلطة هنا تقيد الخيال وتحاصره”، ويصر على أن “الخيال نقيض السلطة الحاكمة التي تؤمن بأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان. وبالتالي من هذا الباب تحارب هذه السلطات الخيال وتمنعه عبر أساليب ناعمة وخشنة. وأحيانًا نحاصر الخيال بالحياء العام، وأحيانًا أخرى بالوطنية والحفاظ على الحس العام، وأحيانًا أخرى بالمسؤولية الاجتماعية، وهي مفردات تستخدم في أحايين كثيرة لتكريس الأمر الواقع، وتتعامل مع الأعمال الفنية على أنها أدوات سيطرة لا أدوات ديمومة حياة ونهوض وبناء”.

في حين لبوبكة رأي مختلف في سياق السؤال عينه، والذي يراه من منظور أن “الفنان الحقيقي لا يلتزم بمراعاة شرط من الشروط الخارجة عن روح الفن، ويفضل أن يصمت على أن يقدم فنًا مقيدًا. الفن رديف الحرية.. والحرية لا تهدى له من غيره.. تمامًا كما أنها غير قابلة للمساومة لديه”.

الكاتب: وائل قيس

هوامش

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع