الإيروتيكا الإسلامية في تجلّيها البصري

A Persian erotic miniature painting , 20th century, 19cm high

أحمد ندا

شاعر وصحفي من مصر

وهي الحصيلة شديدة الجاذبية بالطبع، خاصة إذت شملت مواقف مثل ما أورده الجاحظ في «مفاخرة الجواري والغلمان»: "وبعض من يُظهر النسك والتقشّف إذا ذُكر الحر والأير والنّيك تقزّز وانقبض. وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجلٌ ليس معه من المعرفة والكرم، والنّبل والوقار، إلاّ بقدر هذا التصنّع... وإنما وُضعت هذه الألفاظ ليستعملها أهل اللغة، ولو كان الرأي ألاّ يُلفظ بها ما كان لأوّلِ كونها معنى، ولكان في التّحريم والصّون للُغة العرب أن تُرفع هذه الأسماء والألفاظ منها“.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

18/01/2018

تصوير: اسماء الغول

أحمد ندا

شاعر وصحفي من مصر

أحمد ندا

ثمة متخيّلات كليشهية عن المنتج المعرفي والفني للحضارة الإسلامية تشترك جميعها في غياب الإنصاف في التعامل مع ذلك المنتج. منها ما يتعاطى مع معه باعتباره “فقيراً” لم ينتج معرفة يمكن الوقوف عليها وفهمها، بل يدعو إلى نبذها تماماً، تحت وطأة تصورٍ عام هو أن الإسلام محصور في محافظته الأخلاقية الفقهية، الداعي إلى نبذ ذلك التراث كلية، والالتفات إلى عطايا الحداثة. 

وهنالك متخيل آخر حريص على المحافظة على ذلك التراث، لكن أي “تراث” يقصد؟ هو ذلك القادر على مواءمة أحواله للدخول في جسد الحداثة بشروطها الأخلاقية والاجتماعية، ليتم التعامل مع ذلك الرافد الهائل “انتقائياً” كما فصّل الباحث أحمد الشربيني في دراسته البديعة «موجز تاريخ الحشمة الإسلامية»: ”أُسّست هذه الهوية بمناقضة الغرب، كان في المركز منها فكرتان أساسيتان: أن الشرق مؤمن والغرب ملحد، وأن الشرق محتشم والغرب منحل و“بهيمي“. وهكذا، يبدأ الأفغاني رده الشهير على سؤال جاءه بشأن المذهب الطبيعي، أو ”النيتشرية“، بأن ”مقصد أرباب هذه الطريقة محو الأديان، ووضع أساس الإباحة، والاشتراك في الأموال والأبضاع بين الناس عامة“. وإذا كان ”الاشتراك في الأموال” ربما يشير إلى وعي بخطر خِصم اشتراكي قائم آنذاك، فإن الرد أكثر انشغالًا بحماية ”الدين“ و“الحشمة“، ركيزتا الهوية الإسلامية الحديثة التي كانت في طور التشكل.“

أما الأخير فيتعاطى مع ذلك المنتج الإسلامي باعتباره مكونًا “إكزوتيكي” يقدم منتجاً يصلح أن يُصنّف من “الغرابات” التي تختلف عن النسق العام للحداثة، هو استشراقي في أساسه بالطبع، مدعوم بخيالات الجواري والحريم تصديقاً لمقولة إدوارد سعيد الشهيرة “الشرق اختراع أوروبي“.

لا يعنينا في هذه المساحة نقد هذه التصورات، خاصة وأنها كانت موضوعاً أساساً في الدراسات الفكرية العربية، ودراسات مابعد الاستعمار، لكن يعنينا تسليط الضوء -قليلاً- على واحدة من هذه المنتجات، بمعزل عن التصورات الثلاثة. 

لا يُفتتح الحديث عن ثنائية الجنس والإسلام، إلا وبتبادر إلى الأذهان -على الأرجح- المصنفات العربية الشهيرة في ذلك الصدد، الفقهية منها والأدبية، من «مفاخرة الجواري والغلمان» للجاحظ مروراً بـ «نواضر الأيك في معرفة النيك» للسيوطي، وحتى كتب الحكي العربية الأشهر: «الأغاني» و«العقد الفريد» و«المستطرف» و«الكامل» وغيرها. 

وهي الحصيلة شديدة الجاذبية بالطبع، خاصة إذت شملت مواقف مثل ما أورده الجاحظ في «مفاخرة الجواري والغلمان»: “وبعض من يُظهر النسك والتقشّف إذا ذُكر الحر والأير والنّيك تقزّز وانقبض. وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجلٌ ليس معه من المعرفة والكرم، والنّبل والوقار، إلاّ بقدر هذا التصنّع… وإنما وُضعت هذه الألفاظ ليستعملها أهل اللغة، ولو كان الرأي ألاّ يُلفظ بها ما كان لأوّلِ كونها معنى، ولكان في التّحريم والصّون للُغة العرب أن تُرفع هذه الأسماء والألفاظ منها“.

لكن هيثم سرحان في كتابه «خطاب الجنس: مقاربات في الأدب العربي القديم» يرى أن ثمة مساهمة من السلطة في إنتاج ذلك الخطاب الجنسي عندما أشاعت أجواء الملذات وفنون المتع ووظفت العلماء والمفسرين والفقهاء في إيجاد مقاربات تنسجم مع الجنسانيات الجديدة الناشئة عن تفاعل العرب بغيرهم. وبالمقابل نجح الفقهاء والعلماء والمفسرون في تطويع السلطة وأصبحوا جزءاً منها وتماهوا معها بعد أن قاموا بتأويل النصوص القرآنية والآثار النبوية المرتبطة بالجنس في سبيل إنتاج خطابات جنسية تتلاءم مع النوازل والحاجات الإنسانية المتجددة.“

يرى ميشيل فوكو أن تحليل الخطاب الجنسي في أي ثقافة ينبغي أن يبدأ بتحديد نظام السلطة والمعرفة واللذة في سيرورته ومسوغات وجوده، وبدلاً من الحديث عن موقف الثقافات من الجنس تحريماً وإباحة، بوحاً واعترافاً وتصريحاً، فإنه لا بد من إقامة الاعتبار لحقيقة الحديث عنه وواقعه، والأشخاص المخولين بالتحدث عنه. ويتوجب على تحليل الخطاب الجنسي ألا ينشغل بتحليل الامتيازات الممنوحة لاقتصاد ندرة الحديث عن الجنس بل إن عليه البحث في ثلاثة مكونات متضافرة هي: مراتب الإنتاج الخطابي وما يتصل به من صوت أو صمت، والإنتاج السلطوي وما يرتبط به من منع أو موافقة، والإنتاج المعرفي وما يتعلق به من ترويج أخطاء أو إنكارات مطلقة. هكذا لا تعني “إسلامية” ذلك المنتج إباحيته أو عدمها بالضرورة، لكن يجب النظر إلى سياقها الاجتماعي والمعرفي والثقافي.

نقول إن ثنائية الجنس والإسلام، تذهب دائماً بالذاكرة إلى التدوين المكتوب، فماذا عن فنونه البصرية؟ اللغة بالطبع هي الوسيط الأكثر نجاعة في التعبير عما أنجزته الحضارة الإسلامية، لكن -كما أسلفنا- كانت هنالك مقاربات تنسجم مع الجنسانيات الجديدة الناشئة عن تفاعل العرب بغيرهم، ليدخل الإسلام إلى منطقة آسيا الوسطى، بغلبة الفنون البصرية فيها. وعليها، فإن خطابها الجنسي لم يتوقف عند التراث المكتوب فحسب، بل تحول إلى رسم، أو ما عرفناه لاحقاً بفن المنمنمات.

المنمنة باختصار هي ما نعرفها اليوم باسم “الرسوم الإيضاحية” صورة فنية صغيرة الحجم، رسمت في كتاب من أجل تبيان مضمونه. بدأت تزدهر أول الأمر في العصر العباسي مع رواج الورق والألوان، مستفيدة من رافد فني جديد من بلاد فارس والهند وبلاد المغول. 

لتتكون أول مدرسة فنية في نهاية القرن الثاني عشر في العراق، ومن المرجح أنها بعد أن دخلت في ثوب الحضارة الإسلامية عادت للانتشار مرة أخرى في بلاد منشئها بصبغة هوياتية وثقافية جديدة. ويشتهر منها منمنمات الواسطي لمقامات الحريري. غير أن كثيراً من هذه الآثار العظيمة غرقت في النهر مع الاجتياح المغولي لعاصمة الخلافة الإسلامية. لتظهر مدارس فنية مختلفة في دولة المماليك بالقاهرة. 

وفي بلاد فارس التي استفادت من الإرث العربي الكبير في ذلك الفن، مضيفة إليه عناصرها المحلية، لينبثق عنها عدة مدارس فنية مختلفة:

المدرسة المغولية في أواخر القرن الثالث عشر في شمالي إيران، واتبعت في بداياتها تقاليد المدرسة الرافدية، ثم ظهرت فيها التأثيرات الصينية التي أتى بها الفنانون الصينيون الذين أحضرهم المغول معهم. وقد مرت هذه المدرسة بمرحلة تمهيدية اختلطت فيها الأساليب القديمة بالتأثيرات الصينية المستوردة، ومعها، بدأت الإيروتيكا، تجد لنفسها مكاناً في الرسم الإسلامي. ليكون من أشهر أعمالها منمنمات ملاحم الشاعر نظامي الكنوجي، صاحب ملحمة شيرين وخسرو. كما في الصورة الموجودة حاليا في متحف المتروبوليتان في مدينة نيويورك. 
 

من المدرسة المغولية

المدرسة التيمورية، وظهرت في القرنين الرابع عشر والخامس عشر حين خضعت بلاد فارس لحكم تيمور لنك وخلفائه، وتألقت في سمرقند وشيراز وهراة، وأيضاً عنيت بتصوير ملاحم نظامي الكنوجي والفردوسي. كما في الصورة.
 

من المدرسة التيمورية

المدرسة الصفوية، ظهرت هذه المدرسة في القرن السادس عشر حين خضعت تبريز لحكم الصفويين.
 

من المدرسة الصفوية

المدرسة الصفوية الثانية، ظهرت هذه المدرسة في القرن السابع عشر حين نقل الصفويون عاصمتهم إلى أصفهان. وعديدة هي مدارس الرسم الإسلامية التي ظهرت في الهند وتركيا وآسيا الصغرى. 
 

من المدرسة الصفوية الثانية

 

من المدرسة الصفوية الثانية

غالبية هذه التحف الفنية، في متاحف الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وكثير منها لم يخضع للدراسة والتحقيق كما ينبغي. 

والحال، فإن الفن الإسلامي، لم يتوقف عند المحظورات “الجديدة” التي يفرضها الآن، لا حدود لموضوعات الفن وانشغالاته، ليس ثمة محرم “صارخ” في تحريمه ورفضه، بل إن الجودة هي معيارها، الجودة والبحث عن المختلف. للأسف فإن معظم ذلك الموروث لم يتلقّ عناية كافية، سواء بتتبعه وتحقيقه، أو المحافظة عليه في متاحف. هل لأنه يخالف فكرة الإسلام الأصولية التي تكرست وهيمنت في العقود الأخيرة؟ يقول الشيخ أمين الخولي “أول التجديد قتل القديم بحثاً”، ومازال قديمنا مجهولاً في معظمه، واقعاً تحت أسر النسيان، أو عدم الاهتمام.

الكاتب: أحمد ندا

هوامش

موضوعات

...للكاتب/ة

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع