تضرعات للإلهة جيم

Michelangelo Pistoletto, Venus of the Rags, 1967 - 1974

سارة أبو غزال

كاتبة فلسطينية

بجانبها، على الشرفة، صندوق كانت تقرأ محتوياته حين أتت المراسيم لتعلن وقف العمل لحين البتّ في غياب جيم. مدت يدها لتقرأ بعض من رسائله علّها تتوقف عن التفكير وتشغل نفسها. التضرع الأول كان لفتاة  تدعى سيلفيا من مصر، تزور معبد في أسوان  وتريد بشدّة تصديق حسين، مرشد سياحي اعترف بحبه لها منذ يومين، وتخاطب فيه نفرتاري صاحبة المعبد الصغير.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

01/03/2018

تصوير: اسماء الغول

سارة أبو غزال

كاتبة فلسطينية

سارة أبو غزال

مقيمة في لبنان. تعمل في المجال النسوي. مديرة مشاركة لمؤسسة ورشة المعارف.

لم تعتقد مريم أن النهار سوف يكون منهكاً لهذه الدرجة، كأن التحضيرات العاطفية والنفسية لليوم الأخير لكل من يعمل في مبنى الإلهة جيم، ربة أمور القلب عند البشر، تحديداً في قسم التضرعات، كانت من دون جدوى. تمشت بين الأروقة والغرف الخالية، سكوناً حزيناً يعمّ المبنى، ربما ولأول مرّة منذ أن وطأته  قدماها تراه خالياً. الأمس فقط كانت العاملات غارقات في صمت، بين الحين والآخر تقطعه ضحكات صارخة تفرحهن جميعاً، وذلك حينما يرسل البشر تضرعات أغرب من الخيال.
 
الالهة جيم ومنذ أن رتبت شؤونها وشؤون رعيتها، صارت شديدة الاهتمام بإدارة كل أمور البشر بدقّة شديدة. فقد كانت لها ميول خاصة في توثيق كل ما يصل من صلوات وتضرعات وشتائم ايضاً،كانت شديدة الحرص على ترتيب كل من يطلقه البشر من الارض إلى  السموات حسب معايير لم تعرف مريم أبداً على أي أساس وضعت، غير أنها وريثة الالهة جيم، والذين قد نسوها منذ زمن بعيد، ولم تعد تُذكر إلا حين يصل البعض منهم  إلى مرحلة من اليأس، فيخاطبونها ويتضرعون إليها على غير عادتهم، ويتوجهون لها حين تفشل كل تضرعاتهم للأديان الأخرى التي كانوا قد أوكلوها شؤونهم. أمر مثير للشفقة طبعا، ولكن البشر مثيرون ن للشفقة بشكل عام، وبذلك تعني مريم أنهم ينجحون كل مرة في تحريك عاطفتها نحوهم على أساس أنهم كائنات عاجزة، على الرغم أن قوتهم المطلقة تكمن في العجز هذا. مريم تحبهم رغم هذا، ربما لأنها أمضت أغلب حياتها تنظم تضرعاتهم، وترسل لهم الإشارات والتي قد تساعدهم في الكف عن تساؤلات ترهقهم، تلك التي  تُعنى بالمستقبل، الأمر الوحيد الذي لا يمكن أبدا للبشر أن يعرفوه، وهو في الغالب الأمر الذي يمضي الملايين منهم  مهووسين به.

تصل إلى شرفتها المفضلة في المبنى تلك التي كانت تجلس عليها أيضاً الالهة جيم تقرأ كل ما كان يصلها، وتتدخل إذا كان هناك مشيئة لذلك أو تترك القدر يأخذ مجراه، أو يُصنع منه درسٌ لا يمكن للبشر أن  ينسوه. لسنين مضت، كانت الالهة جيم تجلس على الشرفة، وتتدخل في أغلب الأحيان  من خلال الأحلام،  وكانت غالبا ما تأتي على شكل بحر، رغم أن الشكل المفضل لديها كان منازل قديمة لها قدر من الأهمية عند الناس. غير أن التضرعات قلّت كماً ونوعاً، ومراراً ما كانت تعيد قراءة تضرعات تفضلها أكثر عن غيرها، وتعيد النظر في أحوال اصحابها، هل فهموا الاشارة حقا؟ هل هم سعداء؟ كانت الإلهة جيم تخبر مريم، إنها كانت تستمتع في ممازحة  الناس، فتضع قليلاً من العبث في أحلامهم أو تضع عراقيل غريبة كتعطيل السيارة من دون سبب وهم في الطريق إلى موعد هام، أو تجعل من التواصل أمراً شاقاً دون أن يكون لذلك أي ضرورة.

لا شك أن مريم ورثت حس الفكاهة من والدتها، ورغم ذلك لا تعتقد أن قرار الالهة جيم في الاختفاء كان مضحكا، او لربما لم يعد مضحكاً اليوم، فلم يعد هناك حاجة لترتيب التضرعات واستقبال الدعوات والامنيات. إن اختفاءها حقيقة جعلت من مريم غير قادرة على تأجيل طقوس وداعها وترسيم ربة جديدة للأمور الخاصة بقلب البشر. لكن ذلك في يد القدماء، ولا داعي للقلق ، فالحياة بشكل عام لا تستدعي كل تلك الضجة التي كان يحدثها القدماء حين كان يختفي أحد منهم أو يرتقي لكينونة أخرى، البشر يعيشون في حالة لا يمكن الوصول اليهم، قد فقدوا تلك الملكة التي كان تجعل التواصل معهم أسهل. تتذكر مريم  رسالة الالهة جيم والتي أعلنت فيها غيابها بداعي العطلة ” ابنتي الحبيبة مريم، أذهب لأخذ قسطاً من الراحة، أعود لاحقاً”. وفي الجهة الأخرى  للرسالة صورة رجل يصطاد سمكاً في بحر شديد الهدوء وقربه كلبٌ  ينتظر. مئات من السنين مرت، ولا يبدو أن العطلة على وشك أن تنتهي، ولا يبدو أنها كانت قادرة على تأجيل مراسيم القدماء والتي لا يمكن تقبل الغياب الدائم. هكذا اذاً، أُنذر العاملون والعاملات في دار التضرعات والامنيات وطلب منهم الذهاب الى نقاط اخرى، كما ارسلت لها مراسيم مقعد الالهة مع تمنيات في الحظ السعيد. الالاف من العاملات والعاملين في دار التضرعات سوف يولدون على الأرض، والبعض منهم سوف يرتقي الى شيء آخر، حيوات تختلط وتَنسى من كانت، يجمعها فقط حنين الى شيء لن تعرفه قط، ماض مجهول لن يُعرف وتوق لبعضهم البعض، سوف يحرك حيواتهم على الارض.

هذا المبنى يحفظ الكثير من مكنونات القلب، تلك الأماني التي لا يبوح الناس بها، أو حاجة لا يمكن أن يتوقفوا عن التفكير بها، رغبة عندهم بتحقيق أمر ما يحررهم، مثلاً أن يصبحوا ملّاكاً لبيت، أو أن يجدوا السكينة مع شخص آخر، الاّ يخسروا. كل الاماني هي خوف البشر من الفقدان، من تغّير الحياة. تتغير الاماني مع العمر، فبعد الثلاثين عادة ما يطلب البشر الأمور التي يصعب تغييرها: البيوت الآمنة، العمل الدائم، المال الذي لا ينضب، ويتوقفون عن الأماني الخاصة بوجود الآخرين،  بعودة الأبناء من الحروب او ايقافها او البحث عن المحبوب. القلب يتغير مع العمر ويعترف البشر ضمنياً بسلطة المستقبل عليهم وعجزهم المطلق أمامه. لم تكن مريم على اقتناع بجدوى الاحتفاظ بكل هذه المكنونات ولا تدري ما تفعل بها الآن  وكيف سوف تتخلص منها: هل ترسلها الى العدم، ام تطلقها هكذا تطفو وتطير من سماء الى أخرى؟ الحق يقال، أنها لا تعرف ما الذي يمكن أن  تقوم به الآن لأنها ازمة أكبر من تنظيم محتويات قلب البشر والقدماء يعلمون هذا ايضاً، كيف يمكن لهم ان يستمروا في التواجد، إن لم يعد يهتم أحدٌ بهم، ما معنى أن تكوني ربة شؤون القلب اذا لم يعد لأمور القلب أي أهمية عند الناس، ما أهمية المراسيم التي يقوم بها القدماء والبشر لا يذكرون أي  منهم ولا يعترفون بأي منهم، لا تدري إذا حكيمة القدماء، ربّة المستقبل والنبؤوات كانت تعلم أن هذه اللحظة قادمة.
 
بجانبها، على الشرفة، صندوق كانت تقرأ محتوياته حين أتت المراسيم لتعلن وقف العمل لحين البتّ في غياب جيم. مدت يدها لتقرأ بعض من رسائله علّها تتوقف عن التفكير وتشغل نفسها. التضرع الأول كان لفتاة  تدعى سيلفيا من مصر، تزور معبد في أسوان  وتريد بشدّة تصديق حسين، مرشد سياحي اعترف بحبه لها منذ يومين، وتخاطب فيه نفرتاري صاحبة المعبد الصغير. تريد أن  تعرف اذا كان  فعلا يحبها ويريد أن يتزوجها كما يقول، أم إنه  يريد فقط أن  يسافر إلى  بريطانيا. وضعت مريم الرسالة جانباً، و عرفت مسبقاً إن حسين لا يحبها، وإنه يقول نفس القصة لكل سائحة يضعها القدر في طريقه. تضع الرسالة جانباً، مزعوجة من الملل الذي أصابها. تقف مريم وتخرج من الشرفة وتذهب إلى الغرفة الخاصة بالحب  في خانة التضرعات التي لن يُرد عليها.
 
على الرّف، وجدت ظرفاً قرب الصندوق الخاص بالتضرعات التي  يرّد عليها وكتب عليه “د.”. لم يوضع في الصندوق الخاص بالرّد، لكنه كان قربه، هل قطع الانذار بالتوقف عن العمل أمر هذه الرسالة. أخذت الظرف وعادت الى الشرفة مجدداً، جلست على الكرسي وفتحته، وجدت اوراقاً كثيرة، يبدو أنه لم يكن هناك متسع من الوقت لهذه الرسالة بأن يتم ترتيبها ادارياً من قبل العاملات. قامت وهي تحمل الأوراق وتوجهت إلى  مكتبها، لعل استكمال المعالجة الإدارية قد يساعدها على تخطي ملل الرسالة السابقة ويساعدها في إضاعة الوقت. وضعت الأوراق  على المكتب وشرعت  في القراءة.
 
قررت مريم أن  ترى اذا كان بإمكانها أن  تتولى أمر  هذا التضرع، بما أن  الادارة متوقفة عن العمل حالياً. تلك الحاجة لأن تعود للعمل حرجة، فربّة عاطلة عن العمل هو أمر مثير للشفقة أكثر  من البشر أنفسهم.. لا شك أن  الأوراق  التي قرأتها  جعلتها تلقائياً تنظر في قلبيهما، قلب يريد، وقلب يُسلم. تعلم أنّ  التضرع  وصل من سين وهي على كورنيش رملة البيضا مع نصف الساكنين في بيروت، ضجة الناس والأطفال والأراجيل  والموسيقى تتصارع مع الموج القادم، تجلس على مقعدٍ مقابل البحر. في المبدأ تنتظر صديقتها نور التي ما تزال تبحث عن مكان لركن السيارة، ويبدو أن سين تستمتع في هذه الدقائق ، فقد كانت تحس بالغضب الكبير، بالعجز المطلق، بالحاجة الى الصراخ. غير انها في مقابل هذا البحر والذي شيئاً فشيئاً خيب أملها هو أيضاً، تأتي إليه باحثة عن الطمأنينة، فتغادره دائما بثقل منهك. تشم رائحة المجارير التي  تشتدّ مع مدّ الموج، فكرت إذا كانت هذه إشارة سماوية تنفيذاً لطلبها. فكانت قد  طلبت قبل أن  تنتشر الرائحة الكريهة أن يساعدها الكون في نسيان رائحة دال، أن تتوقف عن  شمّها كثيراً –ولا تقصد بذلك العطر، بل رائحة العرق والثياب والأكل  والنفس وكل ما يختلط ويعلق بدال قبل أن  تعانقها.  تسأل سين البحر إذا  كان يقصد أنّ  الكون سيستجيب أم  هو فقط يعطيها بديلاً  عن رائحة دال.  يتوافق الموج مع غضب سين، الموج ذاته يرتطم في مكانين، هو يتكسر عن الشاطئ وفيها. كيف يمكن لرائحة شخص كثير الغياب أن  تلتصق بأنفها. رائحة تجعلها تحس بالشبع، دون أي طعام. رائحة تجعل من يديها  تبحثان عن دال، فمها يريد ان يأكل فمها. اللعنة على الشوق، اللعنة على الحب. تبكي سين وتبوح للبحر خيرا بأن الشوق يؤلمها، تريد أن  يستكين قلبها “ما بقى قادرة يا بحر، اذا انت فعلاً  موجود، بليز خلص، خليني انسيها أو على القليلة  بطل شمها”. تجلس مفعمة بالغضب، قنبلة من  المشاعر الموقوتة التي لن تنفجر.

كأن قلب سين، شاشة متحركة تعيد عرض كل هذه الرغبة التي لا تنطفئ، وهج يحرك جسدها لأنه يعرف ما يريد ومن يريد، تحدق فيه مريم، ترى القصة كلها، اللقاء الاول، الرغبة بينهما دون ان تنطقا حرفاً، القبلة الأولى ، الشغف الذي استمر. كل الاحاديث عن كل الاشياء التي لم  تحصل  بينهما، كيف توقفتا عن اللقاءات وهذا الصمت القاتل بينهما رغم أحاديثهما الكثيرة. تريد مريم أن  تحقق التضرع لأن  لا شيئ غيره يعطيها بعضاً من الأمل  بأن  لحياتها هدفاً. سين تريد ان لا تشتاق لدال، والاخيرة سلمت ان ما حصل عابر وعادي،  قد يحصل  أن  جسدين فرضا آلفة كأنها كانت موجودة دائماً، كيمياء تتدفق من الأعين ،  كلها أمور تحصل، لا شيء استثنائي أو مخيف  في ان تمسكي يدها دون ان تشعري بذلك، أن  تنتبهي كأنك لطالما كنت تمسكين بها. ربما تنحاز مريم  لسين لأن تضرعها يشي بيأسها. تنظر الى قلب دال، لكنها لا ترى سوى الشك. كيف يمكن للحب والشك أن يتعايشا. تعلم مريم أنها تأخذ التضرع هذا على محمل الجد، وربما لا تحب ان تعترف بذلك، ربما أمها الالهة جيم قد مأسست كل هذا، لأن فاض بها الكيل من عجز البشر عن رؤية أوضح للأمور.

تقرر مريم انها قد تفلح في تغيير رأي سين، على الأقل فيما يتعلق بالتضرع، أن  تحثها على الايمان بما تشعر، أن   تساعد القدر وهو يسعفها. ترى سين تنتظر سيرفس من ساحة ساسين بالاشرفية، فتقف قربها، وتقول أيضاً  للسائق الذي رفض اقتراح سين بدفع أربعة آلاف ليرة إلى منطقة عين المريسة، “سرفيسين على عين المريسة؟ ” يذهل السائق، و يطلب منها بحماس من ربح اليانصيب، بان تتفضل الى السيارة ويطلق الزمور بشكل هستري كي تنتبه له سين وتتفضل هي الأخرى  الى السيارة. كل هذا يجري بسرعة، مريم وسين في المقعد الخلفي، تحاول مريم أن  تلفت انتباه سين بافتعال  السعال، غير أن سين، تماما مثل حاضرها، تركز في  شاشة هاتفها.

 تقول مريم “كتير صعب الواحدة عادة تلاقي سرفيس على عين المريسة”. تنظر سين الى مصدر الصوت، وتشعر كأنها تعرف هذا الوجه، ربما رأتها مع اصدقاء مشتركين وتجاوبها: ا”ايه، بس كمان فشخة، مفروض ما كتير يكون صعب”، يقاطعهما السائق و يقول أموراً غير مهمة بتاتاً، ولا تعنيهما. تقول مريم لسين إنها  تحب ان تذهب نهار الاحد الى الكورنيش لأنه يكون حياً  جداً بالناس. توافقها سين، وتقول لها إنها  سوف تلتقي بصديقة أجنبية  وتريد أن  تريها جزءاً مختلفاً من بيروت. تنظر مريم لسين تقاوم رغبتها بأن تبوح لها بكل شي، لكن يبدو أن  عليها الانتظار حتى  الوصول الى عين المريسة كي تعطيها سين بعضاً من الاهتمام. كل هذه التضرعات يا سين، ولا طاقة لديك لتكوني ألطف مع زملاء السيارة الذين قد يحملون اليك الاجابات التي كنت تبحثين عنا؟. تجلس مريم في صمت، وبقربها سين غارقة تماماً في شاشة هاتفها. لم تزر مريم المدينة من فترة طويلة، كانت دائما تحب التسكع في جوار الهوليداي إن،  وتنظر إلى  إعادة  اعمار وسط البلد، وترى التضرعات والأماني  تخف تدريجياً من التوجه الى السماء، قالت لها جيم، عندما سألتها مريم عن الاسباب بان ذلك قد يكون دليل عافية. كيف تشتد التضرعات والاماني من الارض إلى  السماء، وكيف تخف ايضاً، منظر تبحث عنه مريم اينما كان. قد تكون مريم وريثة لربة قلوب البشر، نعم، وهذا منصب معقد عند القدماء، غير انه يبدو شديد السهولة مقارنة في قدرتها على الادعاء على أنها قادرة على فتح حديث مع امرأة غريبة في سيارة المواصلات في بيروت.
 
  تمسك سين كوب القهوة خوفاً من اطالة البائع في الحديث غير المريح الذي يفرضه عليها، حيث  يبدو  أن  شراء فنجان قهوة لا تحبه ولا تحب طعمه هو الطريق نحو النجاة بمساحتها الشخصية. تمشي بالفنجان إلى  الحاوية وترمي الكوب كما هو. قد تأخرت صديقتها بالوصول، ولا تدري لماذا لا ترد على رسائلها، توترت قليلا وقررت أن  تجلس على المقعد مقابل  البحر  وتدخن سيجارة لحين وصول صديقتها. وفيما  تمشي صوب المقعد، رأت تلك الفتاة التي شاركت معها السيارة تجلس على المقعد الذي يبعد قليلاً عن نقطتها المفضلة، لكنه اقرب الى شجرة نخل تظلله ولا يحتل المساحة مقابله شبان أغبياء يتمازحون كالقردة. آه، ها هي تؤشر لها للجلوس قربها، لما لا، ولو أنها تبدو غريبة الأطوار، لكن موقعها استراتيجي. تجلس سين على المقعد جانبها، تقول لها، ” شو ما عم تتمشي؟ انا سين”، تصافحها مريم، وتعرّف عن نفسها.  “مبلى، رح قوم امشي بعد شوي، بس قلت بشبع من البحر شوي هيك قبل ما قوم”،  تسألها مريم عن صديقتها، وتجاوبها سين بأنها تأخرت، ويبدو أن  الرسائل لا تصلها. تمازحها مريم عن امكانية أن  تكون قد تعرفت على شاب وأغرمت به وها هي الآن  في سابع جنّة ونسيت أن  صديقتها تنتظر على كورنيش عين المريسة على كوكب الارض. تضحك سين، وتخبرها أن  الحب في الغالب يأخذك إلى  سابع طابق من جهنم الحمرا، مما  يجعلك تقدرين الحياة على كوكب الأرض بشكل مختلف. تأخذها مريم في الحديث، تبوح سين بكل شيء، تسمعها مريم وتسألها، :”طب ليه ما بتحكيها وبتقوليلها  تحكوا، يمكن  لازم تكونوا سوا”، تقول لها سين بأنها غير جاهزة لدخول في علاقة، ماذا لو كان كل هذا شغفاً مؤقتاً؟ ما الذي يضمن لها أن الحب يستمر؟ تسمع لها وهي غير قادرة على ان تقول لها، ان السماء تبارك لهما كل هذا واكثر، وان طريقهما معا يبدو نافذاً الى البحر، سالكاً. تقول مريم اشياء كثيرة لكنها تعلم أن  سين لا تسمع. يرن هاتفها، ها هي صديقتها على الهاتف تقول لها إنها  في عين المريسة قرب  تمثال لرجل غريب، وقد تأخرت لأن شيئاً غريباً حصل معها وتعتقد انها التقت بإحدى توائم روحها.  تنظر سين الى مريم مرتبكة، تقول لها إن  صديقتها وصلت ” بس شكلو عندك حاسة سادسة، معقول كيف صاقبت  إنه  عنجد رفيقتي شكلها تعرّفت على حدن عل طريق”. تقول لها مريم، إن  الصدف هي العاب السماء، وعلينا أن  ننتبه لها اكثر، ” وتضيف بيأس، ” بعدين، ما زال شفتي قديش  عندي قدرة سحرية، عم قلك، دال الك، احكي معها.”

تذهب سين في اتجاه  تمثال جمال عبد الناصر، تجلس مريم على الكورنيش وتنظر الى الناس يعيشون لحظاتهم. لا تدري ماذا تفعل الآن  وبعد أن كانت  ربة قلوب البشر، ربة عاطلة عن العمل لبشر لم  يعودوا يؤمنون بالمعجزات. مع آذان  المغرب تنهض سين وتنتظر سرفيس، تعلم ان دال فيه، لربما لقيت آذان صاغية.

الكاتب: سارة أبو غزال

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع