بعد ورود رسالة إلى الروائي أمير تاج السر من قارئة تستطلع فيها مصائر النساء في الثورة التي جرت وقائعها في رواية «توترات القبطي»، قرر تاج السر كتابة رواية تكون بطلتها سيدة، يقترب بها من عوالم الحروب والتدمير.
صرّح الروائي أمير تاج السر أنه قد كتب الرواية خلال شهرين فقط، وذلك على الرغم من أن الفكرة ظلت تراوده منذ عامين بعد تلقيه تلك الرسالة، لكن رغم أن رواية «زهور تأكلها النار» التي وصلت للقائمة القصيرة للبوكر تبدو وكأننا نعايش وقائعها في عالمنا العربي، إلا أن الرواية تجري أحداثها في عوالم تخيلية، ومدينة متخيلة، كل ما نعرفه عنها أن بطلة الرواية التي تقطن المدينة، درست علم الجمال في مصر القريبة منها.
ترشحت رواية «زهور تأكلها النار» للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية التي تم إعلانها اليوم الأربعاء إلى جانب خمس روايات أخرى هي «ساعة بغداد» للعراقية شهد الراوي، «الخائفون» للسورية ديمة ونوس، «حرب الكلب الثانية» للفلسطيني إبراهيم نصر الله، «الحالة الحرجة للمدعو ك» للسعودي عزيز محمد، و«وارث الشواهد» للفلسطيني وليد الشرفا.
طبيب وروائي سوداني. نالت أعماله اهتماماً كبيراً في الأوساط الأدبية والنقدية، كما حققت شهرة عالمية، بعد ترجمة معظمها إلى الكثير من اللغات الأجنبية منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية. وصلت روايته «صائد اليرقات» للقائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية عام 2011.
تظهر مدينة سور في الرواية مدينة آمنة مطمئنة، يعيش فيها كل الناس من كل الديانات في سلام، لكن قيام ثورة المتّقي هو ما يقلب الأمور رأسًا على عقب. هناك تصور أن المجتمعات العربية هي مجتمعات عنيفة وطائفية وعنصرية في بنيتها، هل هذا صحيح؟
ليست بالضرورة بهذا الوصف، أي طائفية وعنصرية، لكن سطوة الأفكار هي المشكلة في مجتمعات ما يزال بعضها بعيداً عن التعليم والمعرفة، ويوجد جهل كثير أيضاً خاصة في أمور الدين، وتوجد كثير من القبائل التي تعيش على هامش المدن لا تعرف أي شيء عن الدين وواجباته وسماحته، وهذه مهيأة لاعتناق الأفكار الهدامة التي قد يأتي بها البعض. أي أن القضية في النهاية استعداد للتلقي من عدمه، وشهدنا كثيراً من الخراب الذي حدث في عالمنا العربي والإسلامي، جراء الأفكار الغريبة.
كتبت روايتك في شهرين فقط، هل تخطط للعمل قبل الكتابة بمدة كبيرة أم أنك من الذين يجلسون للكتابة دون أن يكون لديهم مشروع محدد؟
أنا في العادة أنتظر الفكرة حتى تأتي، ربما تكون فكرة كبيرة تأتي بخامات كتابة كثيرة، وربما صغيرة أسعى لتطويرها، الفكرة حين تأتي، أبحث عن البداية التي تكون في العادة صعبة جداً لكن حين أجدها، أبدأ الكتابة بسهولة وبلا أي تخطيط، حتى تنتهي الرواية، وفي العادة أكتب يومياً حوالي ألف كلمة، ولا أزيدها أبدا، وإن حدث وانشغلت لأي سبب، ربما تضيع مني الرواية، أو اقرأ ما كتبته مرات عدة حتى أمسك بها من جديد. لم يحدث أن كتبت أحداثاً مفترضة أبداً، ولا حاولت افتعال فقرات حتى تطول الرواية، أنا مع الكتابة الانسيابية، حتى تنتهي وحدها، وطبعاً بعد ذلك أضيف أو أحذف في المراجعة.
يقول الروائي العالمي إرنستو ساباتو أن كل فنان يطمح تجاه قطعة من الكمال، هل ممارستك لحرفة الأدب خطوة تجاه الكمال؟
لا طبعا، ولا أعتقد في وجود كمال، أنا مجرد كاتب قدم تجربة أزعم بأنها كبيرة وتختلف عن تجارب الآخرين في كل شيء، لكن ذلك لا يمنحني حصانة، هناك من تعجبه كتابتي ومن لا تعجبه وهو شيء مشروع لم يؤثر ولن يؤثر على سير مشروعي، ما يرهقني حقاً في هذه المسائل هو الهجوم بمعطيات كاذبة، ذلك الذي يشنه البعض ممن لم يبدعوا أصلاً، ولم يقدموا شيئاً. رأيي أن الكاتب لا شأن له بالآخرين، إن كان صاحب مشروع حق، وترى أنني منغمس في شأني الكتابي والخاص ولا أسعى لافتعال جدال هنا أو هناك.
تعتمد في روايتك وفي كثير من رواياتك على الكثير من الحكايات والأساطير الشعبية السودانية، بيد أن من اللافت أن الرواية – بشكل عام – تستطيع التعبير عن شكوكنا تجاه الحياة والقدر والإله من خلال الأساطير بشكل أوسع من الفلسفة والبحث مثلًا؟
الرواية مخطط طويل للحياة والمجتمع وينبغي أن يشمل كل ما في الحياة والمجتمع، الأساطير موجودة عند الناس، المعتقدات الشعبية حتى لو كانت خاطئة، نجدها موجودة، وبالطبع الممارسات اليومية المعتادة، لذلك على كاتب الرواية أن يلم بتلك العجينة التي تضم ما يريد الكتابة عنه. أيضاً أؤيد مسألة البحث قبل الكتابة، فالبحث عما لا يعرفه الكاتب ويريد كتابته مهم من أجل رواية هي للمعرفة بجانب توفير متعة القراءة. والروايات التاريخية مثلاً تحتمل الكثير من البحث قبل الشروع في كتابتها.
روايتا «منتجع الساحرات» و ٣٦٦ وصلتا إلى القائمة الطويلة للبوكر، ما يثير لدي سؤال عن أهمية الجوائز بشكل عام للكاتب، وما الذي أضافته للمشهد الروائي العربي في العشر سنوات الأخيرة؟
الجوائز مكسب كبير للكتابة، هذا أمر لا شك فيه، وهي حافز كبير باعتبار أن الأدب لا يأتي في النهاية سوى بالكوارث على ممارسه. لقد ابتهجنا كثيرا بظهور جوائز في السنوات الأخيرة، وتحدثت كثيراً عن ضرورة احترامها، والحفاظ عيها، وليس الهجوم إن لم يفز بها أحد. أنا دخلت قوائم البوكر مرات عدة، وخرجت ووصلت للقصيرة مرة بـ «صائد اليرقات» وكانت مرشحة بقوة للفوز ولم تفز وبرغم ذلك، ظللت محتفظاً باحترامي للبوكر، وروايتي ٣٦٦ حصلت على جائزة كتارا، وهذا أسعدني كثيراً. ما أريد قوله هو أن الجوائز مكسب كبير، لكن ينبغي الكتابة بإبداع لا يضع عينه على جائزة، هذا هو المطلوب، وإن جاءت جائزة لا بأس.
كان ماركيز يقول إنه لا يحتاج إلا إلى الجملة الأولى كي ينساب كل شيء، هل تشغل نفسك بالعثور على جملة أولى؟
نعم الجملة الأولى أو الافتتاحية هاجس بالنسبة لي لا أستطيع الاستمرار في الكتابة قبل أن تتبلور في ذهني، وأيضاً تعجبني.
مدينة السور هي مدينة خيالية، وبالطبع الوقائع التي جرت فيها خيالية، رغم تشابه أحداث الرواية مع ثورة المهدي في السودان، لماذا لجأت للتخييل بدلًا من سرد وقائع يمكن أن تكون مباشرة، وهل لذلك علاقة بأن الخيال سيمنحك شعورًا أكثر بالحرية؟
أنا من عشاق التخيل التاريخي وليس التاريخ المبني على الوثائق، هنا أكتب عن زمن ما، وربما وقائع حدثت فيه لكن آتي بشخصياتي ووقائعي الخاصة التي قد تكون لم تحدث قط، هذا يمنحني شعوراً بالحرية فعلاً، أن أكون كتبت عملاً تاريخياً بلا تدخل في التاريخ، وهذا حدث في أعمال كثيرة منها «مهر الصياح» و«توترات القبطي» «وزهور تأكلها النار».
تجري أحداث الرواية في القرن التاسع عشر، لماذا اخترت فترة بعيدة تاريخيًا رغم أن معظم أحداث الرواية هي ما نعيشه الآن؟
لا أدري، هو طغيان الفكرة ما يوجهني للكتابة عن زمن ما، وأظن مشروع جداً أن تكتب عن زمن بعيد، تتكرر أحداثه في هذا الزمن.