مسألة «كفرناحوم»: وجهان لحماقة واحدة

نديم جرجوره

ناقد سينمائي من لبنان

السجال المتعلّق بـ"كفرناحوم" لنادين لبكي انعكاسٌ لحالة من الخراب المدوّي في بلدٍ منقسم على نفسه إلى حدود الاختناق. سجال لن يكون للفيلم ومخرجته وجائزته أي شأنٍ به، فهو (السجال) مكتفٍ بلحظة واحدة كي يُشعل حربًا "فايسبوكية" هي امتدادٌ لحروب مختلفة بين اللبنانيين، ناشئة منذ النهاية المزعومة للحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990).

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

31/05/2018

تصوير: اسماء الغول

نديم جرجوره

ناقد سينمائي من لبنان

نديم جرجوره

رغم تبرّؤ “حزب الله” من تعليقَي الإعلامية منار صباغ والنائب نواف الموسوي، المحسوبَين عليه، وهما (التعليقان) موجّهان ضد السينمائية اللبنانية نادين لبكي (1974)، بعد فوز فيلمها الثالث “كفرناحوم” بـ”جائزة لجنة التحكيم” الخاصّة بالمسابقة الرسمية للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان “كانّ” الدولي؛ إلاّ أن المضمون الأساسي للتعليقين منخرطٌ في موقف إزاء النتاج الثقافي المتنوّع، يلتزمه “حزب الله” ومريدوه والملتحقون به والمهلّلون لإنجازاته، وأولئك المستعدّون دائمًا لمهاجمة مخالفيه، ولمنتقدي اشتغالاته، ولمناقشي أعماله، ولكارهيه أيضًا: لا قبول لأي شيء خارج على إطار الحزب ومعتقداته وإيديولوجيته وسلوكه. والموقف الثقافي هذا، الخاصّ بالحزب لن يُحصَر بتعليقي صباغ والموسوي فقط، لحضوره في أفعالٍ سابقة يُعبّر عنها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، لها علاقة بأعمال فنية ونتاجات ثقافية مختلفة.

ورغم أن الـ”هدف” الموجّه ضده التعليقين هذين غير معنيّ البتّة بشؤون الحزب وثقافته، وغير مناوئ للحزب وأفعاله، وغير منخرط في أي صراع، علني أو غير علني، ضد الحزب؛ إلاّ أن أمرًا إيجابيًا حاصلٌ مع الـ”هدف” هذا مُثيرٌ لتعليقي صبّاغ والموسوي، المنبثِقَين أصلاً من حالة متكاملة يعيشها الحزب ويفرضها على بيئته، ويجتهد لفرضها على بيئات أخرى، مانعًا البيئات الأخرى تلك من حرية قول أو عمل أو فكر أو اشتغال.

ترهّل وفوضى

أما التوقّف عند التعليقين فنابعٌ من كونهما سببًا لحملة “فايسبوكية” حادة ومثيرة لضجّةٍ تشهدها بيروت مؤخّرًا، وتفضي إلى إصدار الحزب بيانه المُنفضّ عن التعليقين، والمتنصّل من رأيي صاحبيهما، والمُطالِب بوقف السجال. حملةٌ تعكس شيئًا كثيرًا من وقائع الصراعات العديدة والمتشنّجة والعنيفة (لفظيًّا غالبًا، وماديًا أحيانًا عديدة) في الاجتماع اللبناني، المتفاقمة يومًا تلو آخر منذ اغتيال رفيق الحريري، الرئيس السابق لمجلس الوزراء اللبناني، في 14 فبراير/ شباط 2005. حملةٌ تُؤكّد حقائق “مخيفة” عن مجتمع مترهّل، وفاقد لأدنى حسّ عقلاني أو عملي، رغم كتابات قليلة للغاية لأفرادٍ قلائل جدًا يمتلكون حساسية الكتابة الأجمل والأصفى والأعمق والأهمّ في مقاربة المسائل كلّها، والممتلكة وعيًا معرفيًا، ولغة تحليلية مُثيرة لمتعة القراءة وحيوية النقاش وجمالية الاطّلاع، لكنها عاجزة عن مواجهة التشنّج اللبناني المستعر في النفوس والتفكير والانتماءات.

و”فايسبوك”، كبقية وسائل التواصل الاجتماعي، فاضحٌ، وتعليقاته مُصيبة لكونها مصوغة بعفوية وصراحة مفرطة و”منزّهة” عن كلّ افتعالٍ أو تشذيب أو تصويب، من دون تناسي أنّ معظم كاتبي تلك التعليقات، ممن يعملون في الكتابة، غير راغبٍ في تشذيب نصّ أو تصويبه عند نشره في منبرٍ، أو عند قوله في حيّز إعلاميّ أو جماهيريّ؛ وهذا على نقيض قلّة مغايرة، تحافظ على لباقة كتابة عميقة ومكثّفة وسجالية، في “فايسبوك” ووسائل تواصل اجتماعي مختلفة أو في منابر صحافية وإعلامية، بعيدًا عن أي تشنّج أو تصنّع أو تسطيح. فالحملة المذكورة ـ التي سيتبادل فيها طرفان أساسيان “شجارًا” “فايسبوكيّا” لن يخلو جزءٌ كبيرٌ فيه من تهديدات يعتادها أحد الطرفين ويوجّهها ضد الطرف الآخر، وهي مصحوبة باتّهاماتٍ بالخيانة والعمالة والترويج للتطبيع مع إسرائيل والتواطؤ مع العدوّ الصهيوني فكرًا وممارسةً ـ تكشف مُجدّدًا عقم السجال، وانعدام كلّ إمكانية، بل كلّ رغبة في إيجاد مشتركات يُفترض بها أن تؤسّس لعيشٍ ما في جغرافيا واحدة، لها قدرة الجمع من دون تغييب أحد، وفقًا لقوانين “وطنية” غير لاغيةٍ لثقافات ينتمي إليها اللبنانيون، لكن ليس على حساب “الوطن”.

لكن كلامًا كهذا مثاليّ. إذْ ممنوع على لبنان أن يتحوّل إلى “وطن”، وجماعاته محرومةٌ من الخروج من القبائل المتنوّعة المتحكّمة بالاجتماع اللبناني، بل عاجزة عن الخروج منها، أو غير راغبة فيه. جماعات ممنوع عليها (أو عاجزة عن، أو غير راغبة في) التنصّل من نهج سلوكيّ حياتي يومي معقودٌ على التزامِ تربيةٍ طائفية مذهبية تحرّم انفضاضًا عنها، وتُغلق على تابعيها كلّ منفذ لخلاصٍ أو تحرّر منها. هذه حالة عامة، لن تُلغي استثناءات تفضح التشنّج والتقوقع والانغلاق، وتواجه القبائلية بلغة وحوار ونقاش، من دون أن تتمكّن من صُنع انقلابٍ حقيقي على الجماعات الحاكمة، المالكة أساليب عديدة في القمع والمنع والعزلة.

السجال اللبناني الأخير نابعٌ من هذا كلّه.
 

اشتعال السجال

فمساء 19 مايو/ أيار 2018، وفيه احتفالٌ بختام الدورة الـ71 تلك، سيكون لحظة انفجار جديد في الداخل اللبناني، عبر “فايسبوك” بعد “تويتر” تحديدًا، مع إعلان الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت، بصفتها رئيسة لجنة التحكيم الخاصّة بالمسابقة الرسمية، فوز “كفرناحوم” لنادين لبكي بـ”جائزة لجنة التحكيم”، التي ينالها اللبناني الراحل مارون بغدادي (1950 ـ 1993) عن “خارج الحياة” (1991)، في الدورة الـ44 (9 ـ 20 مايو/ أيار 1991) للمهرجان نفسه. إعلان يؤدّي إلى صدامٍ إضافيّ بين لبنانيين، يبدأه مريدو “حزب الله” وتابعون له، بالتقليل من شأن الجائزة وأهميتها، وبتسخيف العمل السينمائي (من دون مشاهدته) والمشاركة في المهرجان، وبإعلاء شأن شهداء الحزب وسلاح المقاومة على كلّ أحدٍ آخر أو أمر آخر؛ قبل أن “يستغلّ” مناوئوه الفرصة تلك للانقضاض مجدّدًا على الحزب ومريديه، بتلك الحجّة المُكرَّرة: “هذا طرفٌ يعشق ثقافة الموت”. الإعلان نفسه سيُثير ردود فعل “سلبية” لنقّاد عربٍ وأجانب من مشاهدي الفيلم في عرضه الدولي الأول، لأسبابٍ متعلّقة به اشتغالاً ومعالجةً، رغم أن البعض فرحٌ بالجائزة كتحية لسينما لبنانية شابّة، إذْ يعتبروه غير مستحق إياها، مقارنة مع أفلام أخرى أهمّ سينمائيًا، غير حاصلة على أيّ جائزة، أو حاصلة على جائزة أقلّ أهمية من تلك التي تحمل اسم “لجنة التحكيم”.

لكن المأزق الناشئ من تعليقي منار صباغ ونواف الموسوي يتمثّل بسؤال يتردّد في أوساطٍ لبنانية وعربية عديدة، مع بداية الحملة، إنْ في “كانّ” غداة الحفلة الختامية، وإنْ في بيروت: ما هو الرابط بين فوز فيلمٍ سينمائيٍّ بجائزة دولية، و”شهداء” المقاومة وسلاح “حزب الله”؟ هل يُلغي الفوز واقع الشهداء والسلاح، أو ينتقص من الشهداء والسلاح، أو يُحرّض على الشهداء والسلاح، أو يؤذي الشهداء والسلاح؟ أم أنّ وجود طفل سوري الجنسية (زين الرفيع) دافع إلى “الظنّ” بأن “كفرناحوم” يتناول موضوع اللجوء السوريّ في لبنان، بما يُمكن أن يحمله من موقفٍ ضد الحرب الدائرة في سورية، التي يُشارك فيها “حزب الله” بفعالية كبيرة، والتي له فيها “شهداء” تُدافع عنهم منار صبّاغ في تعليقها ضد الفيلم وجائزته؟ ما هو الدافع إلى وضع الشهداء والسلاح في “سلّة واحدة” مع فيلمٍ سينمائي تفوز مخرجته بجائزة أساسية في مهرجانٍ دولي هو الأول والأهمّ في العالم؟ لماذا هذا التشنّج في التعليقين، الذي (التشنّج) يُشير، وإنْ ضمنًا، إلى رفض مطلق لكلّ خارج على الحزب ومقاومته وسلاحه؟ لماذا يُصرّ مدافعون عن الحزب والمقاومة وسلاحهما على “تهديدٍ” ـ مبطّن أو علني ـ لكلّ رافض أو مناوئ أو خارج على الحزب والمقاومة وسلاحهما، وراغبٍ في نقاشٍ سوي دائم مع سلوكهما وكيفية استخدام سلاحهما وجغرافية الاستخدام وأهدافه وآلياته؟

اتّهام الطرف المؤيّد لـ”حزب الله” الفيلمَ الفائز بكونه خاضعًا للشرط الغربيّ (تعابير مثل “الرجل الأبيض” تتصدّر تعليقات شتّى)، وبكون مخرجته موافقة على متطلّبات العمل الإنتاجي مع الغربيين، أي مع ثقافة “صهيونية” تريد الأذى للأمة العربية والمقاومة الإسلامية ومقارعة الجهاديين السُنّة؛ يُقابله ردٌّ من مناوئي الحزب يتمثّل باتّهامه واتّهام أنصاره بإشاعة ثقافة الموت، وبرفض نجاحات لبنانية في الخارج، وبالسعي الدائم إلى فرض وصاية ثقافية وأخلاقية على الاجتماع اللبناني برمّته، ترتكز على قواعد الحزب والتزاماته الدينية والاجتماعية والفكرية والحياتية، وإلى تثبيت وصاية ثقافية وأخلاقية تُلغي تعددية الأفكار والثقافات، وحرية الاختيار والتعبير.

حماقات

استخدام صُوَر “شهداء” الحزب في حربه الأخيرة داخل سورية (منار صبّاغ) لتأكيد قولٍ مفاده أن هؤلاء هم فخر الأمة وأداة انتصارها على أعدائها، ممن “يرفعون رأسها” وهذا مناقضٌ تمامًا ـ برأي صبّاغ ـ لـ”رفع الرأس” عبر جائزة “مشبوهة” في مهرجان غربيّ “مشبوه”؛ وهو (الاستخدام) شبيهٌ بمقولةٍ تؤكّد أن الحماية الوحيدة كامنةٌ في سلاح المقاومة الإسلامية/ “حزب الله” (نواف الموسوي)؛ هذا الاستخدام وتلك المقولة “إلغاءٌ” لكلّ نقاشٍ منطقي وسوي وهادئ، يُفضي إلى ردّ فعل متشنّج لمناوئي المقاومة والحزب، بشكلٍ لن يخلو من سذاجة العنفوان اللبناني والتصنّع اللبناني والادّعاء اللبناني لدى كثيرين، لن يُميّز بعضهم بين نقدٍ سينمائي يكتبه صحافيون ونقّاد سينمائيون غربيون بعد مشاهدتهم “كفرناحوم”، قائلين فيه ملاحظات سلبية لن تُعجب هؤلاء، فيهاجمون ويشتمون ويعتدون، هم أيضًا، على حرية قول وتعبير. إذْ لن يتردّد بعض هؤلاء عن نشر مقالاتٍ نقدية كهذه، منشورة في صحف أوروبية، مع تعليقات مليئة بشتائم وتحقير وإلغاء لحقّ القول النقدي، موجّهة إلى كاتبي المقالات، وباتهام لهم بأنهم، هم أيضًا، يرفضون “انتصارًا” لبنانيًا، هو “فخر” لبنان و”مجده” عبر الفن والثقافة.

ثم أنّ “النكتة السمجة” التي أرادتها بولا يعقوبيان في جلسة انتخاب رئيسٍ لمجلس النواب اللبناني لن تخرج على الإطار هذا. ففي 23 مايو/ أيار 2018، بعد 4 أيام فقط على فوز نادين لبكي بالجائزة، تكتب يعقوبيان، التي تُنتَخب للمرّة الأولى في حياتها نائبًا عن بيروت كممثلة للتيار المدني، اسم المخرجة اللبنانية بشكلٍ يُراد له أن يكون “تسجيل موقفٍ انتقادي” لتبوّأ الرئيس نبيه برّي رئاسة المجلس منذ عام 1992، مخالفةً بذلك آلية الانتخاب و”أصوله”. تصرّف يُسخّف قيمة الجائزة وأهميتها، ويضع الفيلم في سجال لا علاقة له به، ويعكس شيئًا كبيرًا من سذاجة المعارضة المدنية والادّعاء النسوي والتفكير المسطّح إزاء مسائل حسّاسة، لن ينفع نقاشها بـ”نكتة سمجة” كهذه.

هنا أيضًا يُطرح سؤال عن معنى القيام بخطوة كهذه، غير مختلفة كثيرًا عن تشنّجات الحملة ضد المخرجة نادين لبكي و”كفرناحوم” و”جائزة لجنة التحكيم الدولية”.

لذا، يُمكن القول إن هذا الفعل كذاك الموقف: وجهان لحماقة لبنانية واحدة. ذلك أنّ أفراد طرفي السجال الـ”فايسبوكيّ”، وبعض كتّاب المقالات القليلة للغاية المُتصدية للمسألة، يعوزهم أمرٌ واحدٌ فقط، كي تمتلك آراءهم وتعليقاتهم مصداقية ما: مشاهدة الفيلم قبل التهجّم عليه وعلى الجائزة (لن يكون مغايرًا للواقع القول إن عدم الفوز لن يؤدّي إلى سجال كهذا)، وقبل الدفاع عنه وعن مخرجته وجائزته، علمًا أن نادين لبكي تواجَه بكراهيةٍ غير مُبرّرة من لبنانيين كثيرين، يُناهضون “حزب الله” ومهاجميه معًا، لكنهم ينفضّون عنها وعن أفلامها، إذْ يرون أنها غير متمكّنة من أي متخيّل سينمائي، وغير ممتلكة أدنى موهبة، وأن نجاحها الوحيد كامنٌ في تحقيقها أشرطة “فيدو كليب” لأغنيات قديمة.

غير أن كتّابًا قلائل يُشاركون في السجال من دون مشاهدة، بابتعادهم عن الفيلم وباقترابهم من سلوك “حزب الله” ومريديه إزاء الثقافة والفنون، معتمدين لغة يعتادونها في نصوصهم السجالية كافة: لغة تناقش وتُفكِّك وتفضح، مستندة إلى وعي معرفي وثقافي يمتلك مصداقية كبيرة، ومنطلقة من موقفٍ واضح إزاء المسائل المطروحة في كتاباتهم كلّها.

تساؤلات

أفلام نادين لبكي محتاجةٌ إلى نقاش نقدي خاص بنتاجها السينمائي المتمثّل بثلاثة أفلام روائية: “سكّر بنات” (2007) و”هلأ لوين؟” (2011) و”كفرناحوم” (2018)، من دون تناسي “11، شارع باستور” (1997)، الروائي القصير المُنجَز كفيلم تخرّج من “معهد الدراسات المسرحية والسمعية البصرية” في “جامعة القديس يوسف”، والروائي القصير الثاني لها، المُنجَز ضمن فيلم جماعي بعنوان “ريو، أحبّك” (2014)، الذي تُخرجه وتمثّل فيه إلى جانب هارفي كايتل (1939). فالأفلام تلك متفاوتة الجودة السينمائية، ومختلفة المعالجات الدرامية، ومتناقضة الحرفية المهنيّة، علمًا أن في كلّ منها بعض جماليات تؤكّد شيئًا من حيوية فنية في مقاربة أحوال أفرادٍ في بيئات مفتوحة على التباس الهوية والانتماء. جماليات لن تخلو من هنات واضطراب وبلبلة، ولن تذهب بعيدًا في تحديد أحوال أولئك الأفراد وتلك البيئات، اجتماعيًا وثقافيًا ودينيًا، بشكلٍ يُموّه وقائع وحقائق، ويُعمّم المسائل.

عدم مُشاهدة “كفرناحوم” لن يكون أمرًا عابرًا. فالمدافعون عنه وعن نادين لبكي، والمهلّلون لفوزهما بـ”جائزة لجنة التحكيم”، يرتكزون ـ في جانبٍ من دفاعهم ـ على ما هو غير صحيح، إذْ يظنّون أن لبكي تتناول واقع السوريين في لبنان بعد “طردهم” من سورية الأسد، إثر اندلاع “الثورة اليتيمة” (زياد ماجد) في “الدولة البربرية” (ميشال سورا). يعتقدون أن “كفرناحوم” يُعالج وضعهم اللبناني، ويتوقّف عند كونهم مُضطهدين من السلطات الرسمية وبعض الاجتماع اللبناني. يخلطون بين جنسية زين الرفيع (سوري)، والشخصية الرئيسية التي يؤدّيها في الفيلم (باهتة وغير مُحدّدة بشكلٍ واضح، رغم أنها تميل إلى كونها لبنانية). بينما يستند مهاجمو الفيلم ومخرجته وجائزته إلى الاتّهام الجاهز: “التبعية للغرب”، أي لفكره وثقافته ونظرته إلى الشرق الأوسط والدول العربية والأمة الإسلامية، وهذه كلّها، كما يرون، مؤيّدة لإسرائيل ومتسامحة معها، ومعتدية عليهم وعلى تاريخهم وحضاراتهم وثقافاتهم.

أخيرًا، فإنّ بيان “حزب الله”، المُطالِب بعدم المضي في السجالات والنقاشات هذه، يشير إلى أنْ لا شأن له بتعليقي منار صبّاغ ونواف الموسوي، وبأنهما لا يُمثّلان “موقفه”. يقول البيان ـ الذي يؤكّد أن التغريدتين تُعبّران عن رأيي كاتبيها لا عن رأي “حزب الله” ـ إنّ “الاعتراض على عملٍ معيّن دون مشاهدته ليست من قيم الحزب ومبادئه”، وإنّ “شهداء المقاومة هم شهداء كلّ الوطن ومفخرة كلّ الوطن”، مُغيّبًا بهذا كلّ نقاشٍ نقدي حول مشاركته في الحرب السورية، وحول معنى تورّطه وتوريط بلدٍ ومجتمع وناسٍ في شأنٍ غير متوافَق عليه بشكلٍ جماعي، بل هو موضع خلافٍ منعكس سلبًا على البلد والمجتمع والناس. يُضيف البيان أن الحزب وبيئته “لم يكونا يومًا ضد الفن الهادف والموضوعات الفنية”، وهذا أيضًا موضع خلاف جذريّ، إذْ أن الحزب واضحٌ في وصفه الفن المقبول منه، أي ذاك الذي ينضوي في إطاره العقائديّ والإيديولوجي والديني والمذهبيّ البحت، فقط لا غير.

السجال المتعلّق بـ”كفرناحوم” لنادين لبكي انعكاسٌ لحالة من الخراب المدوّي في بلدٍ منقسم على نفسه إلى حدود الاختناق. سجال لن يكون للفيلم ومخرجته وجائزته أي شأنٍ به، فهو (السجال) مكتفٍ بلحظة واحدة كي يُشعل حربًا “فايسبوكية” هي امتدادٌ لحروب مختلفة بين اللبنانيين، ناشئة منذ النهاية المزعومة للحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990).

الكاتب: نديم جرجوره

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع