اتّصال متقطّع
هذه الحركاتُ اليوميّةُ التي تصدرُ عنكَ حين تدخلُ مكتباً رسميّا، أو تركبُ المترو، أو تشتري أغراضَك، ينقصُها قليلاً من الدوزنة كي تتحوّل إلى رقصةٍ فُجائية، أو مشهداً مسرحياً مُرتجلاً، سيُعطي لبرهةٍ قصيرة، قد تبدو كافية، معنى مغايراً لجسدِكْ، الذي يحتلّ حيزّا تتساءل أحياناً عن مدى جدواه، وتأملُ أن تتضاءل هذه المساحة حتى تصبح خيطاً رفيعاً فقط.
تلويحة اليد، رفع الوجنتين إلى الأعلى تمهيداً لابتسامة، أو هزّ الرأسِ والالتفاتِ للوجه المجاور، تبقيكِ على اتصال وإن كان متقطّعاً مع محيطك، لكن استبدالها بعناقٍ متخيّل، سيجلب لك متعة تفضّلها كثيرا لأنها، خلافاً للمتع الحقيقية، بلا تبعات ودون أعراضٍ جانبيّة.
الحركاتُ التي تصدر عنكَ بلا انقطاع، قد تتباطأ إلى درجة الصفر، حين ينفذُ معناها أو يتناقص. وقد تفكّكها مثل معادلةٍ رياضيّة، حين يستعصي فهمها عليك. وربما يكون من الأجدى إطلاقها لممارسة تمرين رياضيّ، يتعطش له جسدك، حين يفتقد قليلا من السيولة.
جسدكَ القادرُ على تصنيعِ إيماءاتٍ لا حدود لها، وعبورِ حالاتٍ لا نهاية لها، ستبقى أطرافه تدبّ على سطحِ كرةٍ تدور دون كللٍ أو انحراف، كأنها بلا مفرّ، ودون مشيئةٍ منك، تضبط إيقاعه في فراغٍ كونيّ مترامي الأطرافْ.
بضائع كاسدة
نحن الذين لم يُكتب الخلود لقصائدهم، نتفقد بضائعنا الكاسدة، بين عبثٍ وفضولٍ. لم تُحفظ عن ظهر قلب، لم تُصفّق لها الأيادي، أو تُلقّن مطالعها بالعصى. لم تُدسّ في جيب مريولٍ مدرسيّ، أو تُهجّى سرّا مثل شتائم بذيئة. نحن الذين لم تُكتب الحياة لقصائدهم، نخرج من غرفنا بملامح منتفخة وظهور معكوفة. لا يعبر التاريخ من قصائدنا، لا تدقّ فيها الساعات، ولا تصنع الشمس ظلاً تحت حروفها.
لم يكن لآلامنا مغزى، أو معنى لخطانا العاثرة، لم يحفر ظِلّنا أثراً، أو تلتفتُ إليه بوصلة. تركنا الآخرين يذهبون إلى أحلامهم مهروليْن، ومشينا نُحصي خطانا في مناطق نائية، بين تضاريس لها ملامحُ الغرباء. يقرؤنا الفضوليون على محطّات الباص، لحسر الانتباه عن المارين، والاستغراق في مَجازٍ عَرضيٍ أمام يدٍ تتسوّل، تتعلّق في الهواء لبُرهة، ثم تنكفئ فارغةً.
يرقصُ حولنا ثلّةٌ مخلصون، لا يقتنون الكتاب إلا لإهداءٍ شخصيّ يُذيّل المقدّمة، أو للاحتفاء بلقاءٍ عابرٍ مع شاعرٍ مغمورٍ، بحذاءٍ لامع، ينشدُ الجهات الأربع في كلّ خطوةٍ، ويقف وجهاً لوجهٍ أمام الفراغ : يقلّب أوراقا منسيّة، ويمسح عنها الغبار بأيدٍ ترتجف!
صيف 2018