تقدم الكاتبة والمترجمة الفلسطينية غدير أبو سنينة في كتابها”إخوتي المزينون بالريش” مشاهدات وحكايات عن تجربة الحياة في بلدان أمريكا الوسطي كـ نيكاراغوا، كوبا، المكسيك، هندوراس، كوستاريكا، السلفادور، وغواتيمالا. وينتهي الكتاب بملحق مقابلات مع كتّاب وشعراء لاتينيين من أصول عربية.
تلفت أبو سنينة في هذا الكتاب (نال جائزة ابن بطوطة لليوميات العام 2016)، إلى أن الجالية الفلسطينية هي الأكبر في نيكاراغو إلا أن الوجود العربي قليل أساساً وخصوصاً إذا ما قارناه بالدول المجاورة، لكن الحرب التي قامت بين الجبهة الساندينية من جهة والزلزال الذي ضرب مناغوا في سبعينيات القرن الماضي من جهة أخرى. جعلا كثيراً من المهاجرين يغادرون نيكاراغوا إلى أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، وهكذا ظل العدد محدوداً إلى اليوم. في نيكاراغوا يقال أن عدد المهاجرين من الأجيال الثانية والثالثة والرابعة يبلغ خمسة آلاف شخص، لكن الجالية العربية لا يتجاوز عددها الـ 300 ، مضافاً إليها بعض العائلات الليبية التي تعمل في السفارة الليبية.
تقول غدير أبو سنينة أنّها في يوليو 2004، وصلت نيكاراغوا، وهنا كانت المرة الأولى التي ترى فيها مطراً يسقط في أجواء حارة. أيضاً في هذه السنة أصيبت بمرض يسمى “دينجي” يسببه البعوض. وعلاج هذا المرض يكون بالإكثار من شرب السوائل، لأن الفايروس يخرج من الجسم عن طريق سوائله من بول وعرق، وتقول: ”أصبت بهذا المرض ثلاث مرات، آخرها كان أخطرها، حيث كان من الدرجة التي تسبب نزيفاً في الجسد. بقيت في المشفى لثمانية أيام، وكان من أصيب بهذه الدرجة من المرض في نيكاراغوا، عشرين شخصاً كنت أحدهم، وتوفى من العشرين اثنان“.
غدير التي لم تعتَد على درجة حرارة بلد رغم مرور 11 عاماً على الإقامة به، تصف سكانه بالبساطة والطيبة وأنهم يحبون الغريب ويحتضنونه، ويقدمون له أفضل ما عندهم، ما مكن الأوروبي من سلب خيراتهم ببساطة، أيضاً مكن المهاجرين اللاحقين من أوروبيين وعرب من خلق وطن جديد لهم.
ثلاث نساء
أوضحت غدير أبو سنينة أن المهاجر العربي عانى كثيراً في هذه البلاد البعيدة، فقد عمل أبناء الجالية بالتجارة وكانوا أول من افتتح محلات لبيع الأقمشة في العاصمة مناغوا. ولفتت إلى أن خلال إقامتها الأولى في مناغوا، كان التليفزيون يبث مسلسلاً برازيلياً يتحدث عن علاقة برازيلي بفتاة مغربية، وكيف كادت أن تقتلها عائلتها بسبب تلك العلاقة، وبحسب الكاتبة فقد حظي المسلسل بنسبة مشاهدة مرتفعة، وكان بمثابة النافذة التي يطل منها النيكاراغويون على العالم العربي، الذي حدث أن النساء أصبحن يواجهن أسئلة من قبيل: هل تعيشين مع ثلاث نساء؟
يظن الناس في نيكاراغوا أن المرأة العربية تضع الحجاب بسبب مرض في فروة الرأس أو أن تكون راهبة. ويعود الفضل لذلك المسلسل البرازيلي إذ انتبهوا أن الحجاب شكل من أشكال الهوية الإسلامية، وأن المرأة تستطيع خلعه في بيتها.
وترجع أبو سنينة أن السبب في الجهل بالثقافة العربية في نيكاراغوا يعود إلى قوقعة الجالية العربية على نفسها وإهمالها إظهار ثقافتها، إذا كان هدف المهاجرين هو البحث عن حياة كريمة.
عيد الأموات
حملت غدير أبو سنينة في كتابها على الرحالة كريستوفر كولومبوس خطأ تسمية النيكاراغويين بـ الهنود الحمر، فقالت: ”في هذا الكتاب سأعلن صراحة أن النيكاراغوي هو الشخص الذي يستحم يومياً بمجرد أن يستيقظ، وهو الذي يستخدم مزيل رائحة العرق قبل خروجه من المنزل، وهو الذي يقلم أظافره باستمرار، وهو الذي يستأذنك في تقبيله، وهو الشخص الذي إن كان عتالاً في مستودع، ارتدى قميصه بالعكس لكي يبدو القميص نظيفاً حين عودته إلى بيته ومشيه في الشارع“.
لا أسرار في نيكاراغوا، فالناس يتناقلون ما يجري من أحداث بسرعة البرق. ويحيلون ما يحدث معهم إلى السحر. ويعد طبق “غايو بينتو” وهو عبارة عن أرز وفاصوليا حمراء وبصل، الطبق الرئيسي الذي من الممكن أن يتناوله النيكاراغويون في وجباتهم الثلاثة. أما الطبق المنتشر في كثير من بلدان القارة هو “إيقاظ الأموات”، عبارة عن حساء مكون من قطع حيوان زاحف هو “الحردون”، وخضار وتوابل، يتناوله الناس صباحاً. وليس غريبا أن تشم خلال زيارة صباحية للسوق الشعبي رائحة شوي لحم أو دجاج، إذ يعتبر اللحم أحد عناصر الإفطار الأساسية بالنسبة لاصحاب الحرف التي تتطلب جهداً جسدياً.
تقول أبو سنينة في عيد الأموت وهو احتفال يقام يومي الأول والثاني من نوفمبر، يتم فيه التقرب من الأموات والاحتفاء معهم بالحياة. في عيد الموتى ليس للحزن مكان، يتبع الناس طقوساً معينة تتمثل بتزيين المقابر والأضرحة بالورود وإشعال الشموع والتحلق حول قبر الميت. توزع الحلويات والسكاكر على الأطفال الذين يجدون في هذا اليوم فرصة للفرح ويكبرون وفي رأسهم فكرة ممتعة عن الموت.
وفي المكسيك، يتجه السكان المحليون إلى المقابر، يزينونها، مستخدمين زهور السيمبازوتشيتلي، برتقالية اللون. وفي كل بيت ينصبون مذبحاً يضعون به صور من غادروا الحياة، ويحيطونه بالأطعمة والمشروبات لأنهم يعتقدون أن أمواتهم سوف يأتون ليلاً ليشموا روائح طعامهم وشرابهم المفضل في حياتهم الدنيوية.