ليس من السهل الكتابة، هنا، حيث كان سلامة حاضراً دائماً، عن غيابه. بدأت المجلّة به، في انطلاقتها، واستمرت مقالاتُه في حضورها بشكل منتظم، طوال أكثر من سنتين، لتتقطّع أخيراً بسبب المرض، وتنقطع مساء أمس، مرة وإلى الأبد.
ليس من السهل أن يكون سلامة ذاتاً في المجلّة ثم يتحوّل إلى موضوع فيها، أن يكون بانياً أساسياً لخطّها السياسي والفكري، ويتحوّل، في ساعة واحدة، إلى مرجع نهائي له مواقف ونصوص يمكن الاتكاء عليها لتفسير وإدراك ما يحصل بعدها، دون موقف راهن ومباشر ومكتوب منه، أو محادثة سكايب.
الصّورة التي استطاعت هذه المجلة تكوينها، بمواقفها السياسية والأخلاقية، تعود بالدرجة الأولى إلى سلامة، إلى مقالاته وأحاديثه، وقد أخبرتُه بأنّ رمّان استطاعت أن تكون مجلّة يساريّة بفضله أولاً، لحضوره بأفكاره وتحليلاته وآرائه السياسية والثقافية والفكرية.
لن أرثي هنا سلامة، فهو باق بنصوصه، بمقالاته وكتبه وحواراته. ليس الرثاء ما يتمناه سلامة، بل مواصلة المشوار، على النهج الذي شكّله هو للمجلّة.
لن نرثي سلامة بل سنَعدُ بأن نبقى على الطريق، سأعده دون أدنى فكرة لديّ إن كان سيصله ذلك أم لا، إن كان سيطّلع على هذه الأسطر أم لا، سنعده لأنفسنا أوّلاً وله ثانياً.
إضافة إلى كاتب هذه الأسطر، سلامة هو الوحيد الذي ساهم في إطلاق المجلة بمقالة له تحدّد موقف المجلة تجاه المسألة السورية، واستمرّ معها إلى أيامه الأخيرة، إلى أيام قليلة من اليوم الذي أكتب فيه هذه الأسطر وأنشرها، حين أخبرني بأنّه ينهي مقالته عن سمير أمين وسيرسلها قريباً، وأنّ الفحوصات والحالة الصحية هي التي أخّرته.
لطالما تحادثنا في الملفات التي نفتحها للمجلة، لطالما بحثنا في السلاسل التي كتبها، كإحاطة متكاملة لموضوع نحدّده، كتب في زاويته ”في الماركسية“ سلاسل عن ”تبسيط الماركسية“ و ”نقد اليسار“ و ”ثورة أكتوبر“ وأخيراً ”الدولة الواحدة“، مع مقالات متفرّقة تناولت المسألتين السورية والفلسطينية.
ستبقى زاويته في مكانها، إنّما مكتملة لا يُضاف إليها، سنضيف، أصدقاء سلامة ورفاقه، ملفاً إلى الملفات التي ألّفها سلامة، ملفاً على اسمه، يكون هو الموضوع لا الذات، يكون الطريق بعدما شقّها، وسنكون في المجلّة أوفياء له، لما كتبه فيها ولما استطعنا، بسنتين ونصف، أن نكونه: المجلة اليسارية الفلسطينية السورية التي تشبه، أكثر ما تشبه، سلامة وفكره، أو ما صار ممكناً قوله الآن: تراثه.