قبل أعوام قليلة قلنا إنّ من المفرح أن يكون في فلسطين كليّة لتدريس صناعة الأفلام هي “دار الكلمة”، قبل أيام قليلة فرحنا لترشّح فيلم «أمبيانس» لأحد طلاب الكلية، وسام الجعفري، لمسابقة “سينيفونداسيون” للأفلام القصيرة التي تقدّمها مدارس السينما. أمس فرحنا لنيل الفيلم الجائزة الثالثة في المسابقة.
هذا هو التطوّر الطبيعي لتأسّس بنية سينمائية في أي بلد، إذ تنحو السينما لتكون صناعة جمعيّة إضافة لكونها أعمالاً فردية، وفي فلسطين، حيث ظروف الإنتاج السينمائي تفوق معظم ما في دول العالم، صعوبةً، لأسباب كلّنا يعرفها، وهذه ثيمة أساسية في «أمبيانس» بالمناسبة. طالب من مخيم الدهيشة درس في كليّة فلسطينية ونال جائزة في مهرجان كان السينمائي، لا يمكن إلا التوقّف عنده، عند المبدعين الشباب المستحقين لكل رعاية تساندهم في الانطلاق بمشاريعهم السينمائية، وعند الطموح الكبير لكلية محليّة وصلت بطلّابها إلى المهرجان العالمي.
ليس التقدير الذي يناله الجعفري وفيلمه والكلية التي درس فيها مبرّره الأوّلي هو الخروج من تلك الظروف المعيقة وأوّلها الاحتلال الإسرائيلي، بل جودة الفيلم فكرةً وتنفيذاً. يحكي الفيلم عن شاب من المخيم لا يجد مكاناً لتسجيل عزفه على الكمنجة، منذ استيقاظه حتى آخر الليل، الضجّة التي يسببها الجيران هو روتين يومي متكرّر، متكرّر في مكانه (بيته) كما في مكان رفيقه (بيت الأخير)، يستمر في البحث إلى أن يهتدي إلى ضالته التي كانت موسيقى الحيّ والمخيّم والناس، الأعراس والمظاهرات. لتكون، أخيراً، حياة الناس هي موسيقاه.
الفكرة الذكيّة للجعفري أتت بتنفيذ جمالي يلائمها، ولأنّ الفكرة والصّوت (كعنصر تقني كما هو عنصر مضموني) هو الأساس في الفيلم، أتى الفيلم -بذكاء كذلك- بالأبيض والأسود، فلا تشوّش الألوانُ على ما دونها.
للسينما الفلسطينية مكانة متقدّمة عربياً، لكنّها عموماً سينما أفراد، درس معظمهم في الخارج ويعيشون ويعملون في الخارج. كل سينمائي بحاجة إلى مؤسسات تقدّم الدّعم متى احتاج، وتحديداً في مراحله الأولى، وكل محبّ للسينما بحاجة إلى دراسة السينما دون الاضطرار إلى السفر للخارج، وهذا ما بدأنا نشهد نتائجه، من الدّهيشة وبيت لحم إلى كان والعالم.