حاوره مارشال بوسويل
وُصفت رواية «نادي القتال» لبولانيك، والحائزة على جائزة أوريغون للرواية لعام 1997، بكَونها “كتابًا فظيعًا، مريعًا، فظًا، رائعًا، غريبًا، عنيفًا، ممتعًا، مدمرًا وخياليًا”.
يروي الكتاب الصراع من أجل الحدّ من الحياة المتواحدة والبائسة التي أوجدتها أمريكا. تتشكّل هذه الأليغوريا المسرودة بحذاقة من خلال النثر الدقيق الذي يخلق طاقة ورؤية أصيلتين. يؤول بطل نادي القتال حرفيًا ومجازيًا إلى الظل، في وحلِ العنف، تتفكك حياته القديمة إلى نقطة أبعد ما يكون عن العودة. يقدم بولانيك صوتًا جديدًا يقول شيئًا عن الهوان والعنف والعوز الروحي الذي جلبه وَلع الكمال الأمريكيّ مع الإنجاز المادي.
عندما يقول الراوي في نادي القتال “أجِرني من الكمال والاكتمال… عساني ألا أكون راضياً أبدًا”، ماذا كانت بعض أفكارك من وراء عبارته؟
لحظة تكون كاملًا ومكتملًا، يغدو الأمر شبيها بالمحالين على المعاش الذين يمتلكون حديقة مثالية ومنزلاً مثالياً. يصبح مدار حياتهم حول الحفاظ على هذا الكمال الثابت. الأمور تتوقّف تمامًا ولا تعود تتطوّر… لأن صنع أشياء جديدة يُلزمك بتحطيم الأشياء القديمة إلى حد ما. وبمجرد أن تصبح مثاليًا، بمجرد أن تقنع نفسك بأنّ الأشياء مثاليّة، فإنك تتوقف عن النموّ والتطور. إنه ضربٌ من موت الأشياء.
لذا، عندما نبلغ سنّ الثامنة عشرة، يفكّر كثيرون منّا في “الزواج. الحصول على عمل. الحصول على منزل – منزل للأطفال” نصبح في قمّة الحماسة من أجل الاستقرار على وجه السرعة وضبط كافّة التجهيزات -غرفة تناول الطعام، غرفة المعيشة، أثاث غرفة المعيشة- لحياة مثالية كاملة، حيث نقفل على حياتنا، نرصّها بقوّة ونجعلها صغيرة للغاية في وقت مبكر للغاية. ولا أحد يأخذ وقتًا كي ينظر ويرى ما وراء الأكمة ويشيّد شيئًا أفضل.
تقول إحدى شخصياتك: “جيلنا لا يعاني من حرب عظيمة أو كساد كبير لكننا نشعر بحربٍ روحية. ثورة عظيمة ضد الثقافة. الكساد الكبير هو حياتنا. نحن مصابون بالاكتئاب الروحي.”
أنت تعرف أن هذا أحد الأشياء التي يبدو من الأسهل وصفها من خلال وصف الأعراض. يقضي الناس وقتًا أطول في الهروب من قضاء الوقت في الإنجاز. تمت محاورة ماريا مالداور في الإذاعة الوطنية العامة قبل أسبوعين وقالت إن الطبخ والبستنة كانا ذاتَ مرّة جزءًا من ثقافتنا التي أصبحت ترفيهًا. عوض أن يهاتف الزوج زوجته ويقول لها: “ماذا أجلب إلى المنزل للعشاء؟” يتّصل بالزوجة ويقول: “أي شريط فيديو أحضر معي؟” وغالبًا ما يتم تناول الطعام المعد مسبقًا على وجبة العشاء.
بنا حاجة هائلة الآن للترفيه في ثقافتنا. وأعتقد أن معظم ذلك ينبع من الهروب من الحياة التي أجبرنا جميعًا على عَيشها. يبدو الأمر مثل إنجاز المهمة دون معرفة السبب. ونواصل فعلها دون معرفة السبب حقًا. لم يعد الناس يشعرون بالرضا التام من حيواتهم.
هل تعتقد أن الأمر كان مغايرًا في الماضي؟
نعم. أعتقد أنّ الناس امتلكوا هدفًا أكبر في الماضي. كانوا يتماهون مع أهداف أكبر، سواء كانت كنيستهم أو أمتهم… أو بقائهم. لقد تجاوزنا نوعاً ما صراعنا من أجل البقاء والعديد من البشر لا يتماهون مع دافع أكبر. عالجنا أمر صراع البقاء، فماذا الآن؟
المقطع الذي اقتبسته للتو يواصل “لدينا فئة من الشّباب والشابات الأشدّاء ويريدون أن يهبوا حياتهم لشيء ما”. هل تعتقد أن الناس بحاجة إلى التضحية ووهب أنفسهم لشيء ما؟
صحيح. التماهي مع هدف أكبر معناه أن تقول: “لا يكفي أن أعيش وحسب، يجب أن تدور حياتي حول ذلك الهدف. إنّه هدف حياتي. يريد الناس ذلك لأننا نوغل في الكبر، ثم نصل إلى نهاية حياتنا، ننظر إلى الوراء ونقول “حسنًا، لقد دفعنا الثمن”. لكنهم لم يحصلوا على الشيء الكبير الذي ساهموا من أجله. ذلك أمر كئيب وجزافيّ وحتى عديم الفائدة إلى حدّ لا يصدّق.
في رواية «نادي القتال»، يقاتل الواحد الآخر كي يدركوا معنى أن تكون على قيد الحياة، أو كما تقول أنت، ليشعروا بالقوة.
في وسائل إعلام عديدة، يعلّمونك بأنّه يُطلق عليك النار مرة واحدة. لا دماء، تسقط ميتًا. يضربونك ويقضى عليك. الحال ليس كذلك. من الصعب أن تقضي على شخص بلا وعي، أو أن تقتل شخصًا. سوف يشعر الناس بالفزع إزاء مقدار الجهد أو الفوضى التي يتطلبها القيام بذلك أيضًا. وبالتالي فإننا نشعر بالخوف من الألم أو الاعتداء لأننا نربطه بالنهاية الفوريّة.
أيّ حدّ ذلك نتيجة التلفزيون؟
أعتقد أن هناك حصّة كبيرة للتلفزيون في ذلك لأن التلفزيون قام بتنظيف العنف وتأنيقه. الأفلام أيضًا تفعل ذلك كثيرًا. فكرة أنه يمكنك أن تتلقى لكمة وهي ليست مجرد لكمة ليست في التلفزيون أو الأفلام. لست ميتًا، ولا كسيحًا. أنت قادر على التحمل أكثر مما تعتقد أنك قادر عليه، ولم تحلم بأنك قادر على تحقيقه بإطلاق. هذه الأشياء التي ندركها كمخاطر هائلة ليست كذلك!
والموت يجانب العنف. نحتاج أيضًا لأن نتواصل مع الموت كي نتواصل مع الحياة.
صحيح. اليوم في ثقافتنا نحّينا الموت جانبًا قدر الإمكان. حوّلناه إلى عاطفيّ ومشوّه ومحجوب. أصبحنا ثقافة تنكر الموت بشدة لدرجة أننا لا نملك قوّه مناهضة له. لم يمت أحد من أفراد عائلتي منذ عقود، لذلك فإنّ فكرة احتضار شخص تجعلنا جميعًا عاجزين تمامًا لأن لا أحد يتذكر حتّى كيف يكون موت أحد أفراد العائلة.
إذا كان العنف هو إحدى الطرق لمعرفة حدودك الحقيقية وللانتقال نحو الحافة بين الحياة والموت، هل تعتقد أن العنف ضروري أم أنه مجرد طريقة لمقاربته؟
من المضحك أنه على مدار كل حكاية «نادي القتال» هذه لم يسألني أحد قط عن مجموعات الدعم التي ذكرتها في الرواية. عملت متطوّعًا في هوسبيس لرعاية مرضى الإيدز. وقد خرجت من هناك بشعور رائع، كان ذلك أشبه بِلَيلة في نادي القتال. بغض النظر عن مدى رداءة حياتي، وبغض النظر عن إحساسي بفداحة مشاكلي، خرجتُ من هذا المأوى كما لو كنت ملك العالم. نعم، تعطّلت سيارتي. نعم، لم أدفع فواتيري. نعم، أنا أكره عملي، لكني أشعر بالرضا. كما تعلمون، شعرت بالرضا بعد أن عملت في ورديّة كمتطوع.
يمكنني أن أقول إن هذه طريقة أخرى للإحساس بالوجود الحقيقيّ للحياة وليكون لديك منظور ما. إذا كان البشر يقومون بعمل إداريّ حيث يبذلون جهدًا كبيرًا ويتواجدون بعيدًا عن منازلهم، في نموذج مختلف تمامًا، أعتقد أن هذا سيكون أمرًا لا يصدق حقًا بالنسبة لهم. أعتقد أن هذا هو السبب في اعتقادي بأن منظمات مثل هيئة السلام مفيدة للناس.
نعم. إنّ العيش في الخارج عادةً ما يعطيك الإحساس بأنك على قيد الحياة أكثر وواعٍ أكثر ذلك لأنّ كل شيء دائمًا يكونُ جديدًا ومغايرًا ومحيّرًا. نصف الوقت لا علم لك بما يحدث.
نعم، بالضبط! هو كونك غير متأكد من مكانك في العالم، وكونك بلا توازن، معتمدًا على مهاراتك لتواجه الصّعاب. كَونكَ لا تعرف. يبدو أن عجزنا عن أن نكون مع المجهول صار مسألة عظيمة اليوم.
مثل الموت.
نعم. نحن نخشى الموت لأننا لا نعرفه. نخشى أشياء كثيرة لأننا لم نخرج ولم نصادفها. كان على الشخصيات في «نادي القتال» أن تكون متطرفة لا سويّة. أعتقد أنّه يتعيّن علينا في حياتنا اليومية التخلّص من نموذج التوازن الذي نجد، معظمنا، أنفسنا فيه. سواء انطوى الأمر على الوعي بالموت أو دفعنا للوصول إلى تقدير جديد لقدراتنا. علينا أن نعرف بأننا قادرون على تحقيق ما هو أكثر بكثير مما حلمنا به.