لا يمكن لأي مسألة أن تكون معزولة عن سياقها التاريخي، وذلك يشمل القضية الفلسطينية التي عاشت، بثورتها المعاصرة في السبعينيات تحديداً، بريقاً وازته الانتفاضة الأولى ثم اختفى، وإن استمرّت أوجه المقاومة بأشكالها حتى اليوم، لكن الثورة المعاصرة وانتفاضة الحجارة كانتا ذروة البريق النضالي للفلسطينيين. وأنواع الإبداع العربي المتناول للقضية ليس بعيداً عن ذلك، ليس بعيداً عن السياق التاريخي الذي تمر به القضية اليوم، وهي في أسوأ مراحلها وقد صار التطبيع العربي علناً و”مفخرة”!
الأعمال الإبداعية هي بشكل من الأشكال انعكاس للواقع، أو هي انعكاسُ انعكاس الواقع في ذهن المُبدع، فيكون الحديث عن القضية الفلسطينية، إن حصل، يائساً وغير مغرٍ للمبدع العربي، نضيف إلى ذلك (كظرف ذاتي) مسائل لا تقل أهمية (هي ظروف موضوعية) تتعلق بالحال العربي المتأزم إثر الثورات المضادة، وهو تأزّم غير عادي، إذ أتى بعد جرعات أمل كبيرة انطلقت مع ٢٠١١ وبدأت تتلاشى مع تسليح الثورات وأسلمتها، ولاحقاً بخنقها من قبل أنظمة الثورات المضادة الأشد طغياناً من الأنظمة التي قامت عليها الثورات. أين نحن والبريق إذن، وكل ما حولنا يدعو إلى التشاؤم؟
هذا السرد السريع يقول لمَ -برأيي- انطفأ بريق فلسطين في الروايات والأفلام العربية خلال السنوات الماضية. لكني أذهب أكثر من ذلك، فللمبدع العربي هموم خاصة، وطنية محلية أو شخصية، من الطبيعي أن تكون أولويةً لأعماله، لسبب بسيط يتعلق بطبيعة الإبداع وهو أنّ تلك الهموم هي -قبل غيرها- التي يعيشها أو يعرفها أو يتأثر بها.
إن عدنا بالحديث إلى السبعينيات، سنجد أن الثورة الفلسطينية وقضيتها أولى تلك الهموم للعربي غير الفلسطيني (المعني بالسياسة والمتفاعل معها، وهو حال أهم المبدعين آنذاك)، فتجد نتاجات أدبية وسينمائية وبحثية عدّة أنجزها عرب. الأمل الذي شكّلته الثورة آنذاك كان رافداً لعمليات إبداع لا تُحصى.
أكثر من ذلك، ما الذي نقرأه ونشاهده في الأعمال الفلسطينية اليوم؟ ما هو الفلسطيني اليوم في الأفلام والروايات؟ هو انعكاس لواقع ليس الفلسطيني فيه بأفضل حالاته، فحضور فلسطين (كقضية وفكرة وحياة) في الأدب والسينما الفلسطينيين، خلال السنوات الأخيرة، عكس سوداوية وتشاؤم وهشاشة أكثر مما فعل في الأزمنة السابقة، ولا علاقة لذلك بهِمّة المبدع، إنّما بحال هذه “الفلسطينية” التي يعيشها المبدع كغيره، فالبريق المقصود هنا، هو ليس حضور الموضوع في الإبداعات من عدمه، بل هو كيفية هذا الحضور، إن حضر. ولا يستوي كلامي هنا إلا بالإشارة إلى أن لا حكم قيَمياً فيه، فالبريق ليس قيمة مُضافة.
الروايات والأفلام أجمل إن نقلت مهمَشاً ضعيفاً مكسوراً، من أن تنقل بطلاً. من محاسن الأدب الجديد أنّنا، كفلسطينيين، لسنا فيه “سوبرمانيّين”!
مشاركة (مزوّدة) في تحقيق أجراه أشرف الحساني لموقع “ضفة ثالثة” عن “بريق فلسطين في المتخيّل العربي”.