ترجمة: عمر زكريا
“حزن شجرة البرتقال” هي مجموعة من الصور المركّبة أساسها صورٌ فوتوغرافية أصلية تتفاعل في عملٍ واحد مع مواد أرشيفية. تقوم الصور بلعب دور الشاهد على الأحداث الواقعة في المواد الأرشيفية، تُعيد تمثيلها وتفتح ما أُغلق في سرديتها من جديد. لينتج في النهاية عملٌ يقوم بترسيخ الماضي في الحاضر. هذه السلسلة المُقدّمة هنا هي جزءٌ بسيط من عمل أكبر بدأ من عدّة سنوات تضمّن رسومات، وأشياء مختلفة معروضة، وعملًا أدائيًّا، وموادّ بحثية، ووثائق، تدعو للتأمّل والتفكير بمدينة يافا من خلال البرتقالة المعروفة بها.
بالنسبة لمدينة معروفة ببياراتها حتى سقوطها عام ١٩٤٨ فإنَّ توجيه الحواسّ نحو هذه الجزئية التي قد توصف بالترف ليس تساهلًا بشأن القضية بأي شكل. لكنَّ قلّةً من المدن الفلسطينية تمتلك خاصيّة إعادة التقاطها وإعادة تخيّلها، ومن ثمَّ إعادة سرد قصّتها عبر خيطٍ سرديّ واحد يمكن حياكته مع خطوطٍ أُخرى لتتكوّن منها شبكة سرديات تشير جميعها إلى جغرافيّات وتواريخ الطرد والسلب. ونحو نهاية المشروع ستتشكّل ورقة بحثية مرتبطة بهذه الأعمال، لكن حتى حينه لندع البرتقال يتكلّم.
لن أقدّم اعتذارًا لأولئك الذين سيعترضون على هذه الممارسة الفنيّة ياعتبارها عملًا رومانسيًّا حالمًا ومثاليًّا. فالنزع الذي حلّ في تاريخ المنطقة يعني أنَّ نمطًا معرفيًّا موروثًا تراكميًّا للحياة قد فُقِد بين ليلة وضحاها. أنماطٌ زراعية وثقافية ومجتمعية وبيئة وتجارية واقتصادية وأنماط الحياة البحرية وطبعًا القيم الجماليّة. مع سقوط يافا، سقطت معها بيئة متماسكة من المعرفة والكينونة والفعل. نعم، لقد سقطنا من جنّةٍ ما، عندما فقدنا بساتين البرتقال.
التهكّم المزدوج لا يمكن التغاضي عنه. فهذا سيكون تماشيًا مع آلية الاستعمار المشؤوم، التي سلبت الرموز التي تعبّر عنّا من تحت أبصارنا في ذات اللحظة التي سلبت منّا الأرض. فالبرتقالة ذاتها التي تُخبر قصّة الجنّة التي فقدها الفلسطينيون يستعملها المستعمر لسرد قصّة الجنّة التي وجدها. لعلَّ أول خطوةٍ في تفكيك الاستعمار قد تبدأ في استعادة شبكة رموزنا، ويدًا بيد في معركتنا لنعود إلى بلدنا الأم.
ننشر المادّة ضمن ملفّ «الساحل الفلسطيني»، المشترك بين جمعيّة الثقافة العربيّة وفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة ورمّان الثقافيّة، في إطار «مهرجان المدينة للثقافة» والفنون الذي تنظّمه الجمعيّة خلال هذا شهر.