مواقع النكبة: مجدل يابا (الصادق)… القلعة المدهشة

جوني منصور

باحث من فلسطين

وورد ذكر للقرية في السجل الضريبي  العثماني الشهير من العام 1596م مشيرًا إلى أنّ عدد العائلات التي سكنت المكان كان ثمانية، وعدد أفرادها حوالي 40 نسمة فقط. وحاول الجنرال كليبر جعلها مقرًّا لجنوده أثناء سيرهم نحو حصار عكا في آذار 1799 إلاّ أنّ قصف المدفعية التركية جعله يعزف عنها.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

09/05/2021

تصوير: اسماء الغول

جوني منصور

باحث من فلسطين

جوني منصور

يأخذنا نفق الزمن إلى جولة تاريخية في قرية مجدل يابا أو مجدل الصادق من أعمال قضاء الرملة حسب التقسيمات الادارية من فترة الانتداب البريطاني. والملفت للانتباه أنّ بيوت القرية أحاطت قلعة أثرية تاريخية قديمة تعود إلى فترات سابقة للحكم الروماني. وكُلّما تجدّد السكن البشري فيها تمّ إعادة تأهيل هذه القلعة لتكون مركزًا لها. إنّها مجدل يابا القلعة المدهشة والعجيبة في مخططها ودورها واستعمالاتها. وما القرية وآثارها المتبقية شاهد عيان على الوجود الفلسطيني التاريخي والحضاري.

الموقع

تنتصبُ هذه القرية على المنحدرات الغربية لجبال نابلس، مشرفة على أحد أهم طرقات فلسطين التي تربط شمالها بجنوبها. هكذا عرفها الرومان بكونها طريق ضامن لهم. ولقد أُقيمت مجدل يابا على الجانب الشرقي من هذا الطريق، كما أنّها كانت إلى الشرق من طريق عام يمتد من اللد ويتفرع إلى فرعين أحدهما يؤدي إلى مدينة يافا والآخر إلى مدينة طولكرم. وحظيت القرية بأنْ مرّ فيها خط سكة الحديد اللد – طولكرم على بُعد كيلومترين تقريبًا إلى الغرب منها. 

عمليًا فإنّ القرية تقع على بعد 18 كم إلى الشمال الشرقي من مدينة الرملة. وترتفع 110 أمتار عن سطح البحر. وبلغت مساحة أراضيها الاجمالية حوالي 26600 دونمًا. ولا بدّ من الاشارة هنا إلى أنّ القرى المحيطة بها هي: كفر قاسم والزاوية ورافات ودير بلوط.

الاسم ومعانيه

سمّاها الرومان “أفيكو بيرغوس” أي “برج أفيق”. أمّا الصليبيون فأسموها “كاسل ميرابل” أي القلعة المدهشة. حيث جعلوها مركزًا إداريًا لهم أثناء احتلالهم لفلسطين وبقيت بقبضتهم إلى أنْ حررها صلاح الدين الأيوبي سنة 1187.  في حين أنّ ياقوت الحموي عرّف بها باسم “مجدل يافا” أي أنّها تنتسب إلى يافا بوابة فلسطين على ساحلها الجميل. وتمّ تحريف الاسم إلى “يابا”، وبقي ملتصقًا بها بصيغته هذه.

في حين أنّه منذ قرنين ونصف تقريبًا تمّ تسميتها بـ “مجدل الريّان” نسبة للعشيرة العربية التي سكنتها وهم من آل الريان. أمّا كلمة “مجدل” فتعني البرج. وهناك عدّة مواقع تحمل هذا الاسم في فلسطين. أمّا تسميتها بـ “مجدل الصادق” فنسبة إلى أحد زعماء عشيرة الريّان المذكورة وهو الشيخ محمد الصادق الجماعيني الذي اتخذ من قلعة القرية التاريخية مقرًّا له، حيث أشرف من خلاله على الطرقات لفرض الأمن باسم الدولة العثمانية. ومن هنا تحمل القرية الاسمين: مجدل يابا/ مجدل الصادق.
 

المكونات السكانية

بلغ عدد  سكانها 726 نسمة في العام 1922 . ليرتفع في العام 1948 الى 1763 نسمة موزعين على 414 بيتًا. ولقد شقَّ شارع رئيسي القرية وشطرها إلى جزئين، فتناثرت عائلاتها بين هذين الشطرين. وعائلات القرية: آل عمر، السلع، ايوب، عليان، الرياحي، الأقرع، الدقروق، أبو صفية، العجلة، ابو ربيع، حجازي، ابو كاملة، المدني، ضمرة، الريّان، العابد، الخطيب، سمارة، الساحلي، حميدان، قزع، يحيى، الأعرج، غيث، شهيل، الطريفي، الجعافرة، محمود الصالح.

وارتزق السكان من الزراعة في الأساس لوفرة المياه المتدفقة من ينابيع القرية والجوار. ونذكر من المحاصيل التي زرعها أهالي القرية: الحبوب كالقمح والشعير والذرة والسمسم. كذلك اعتنوا بزراعة الخضراوات والأشجار الثمرية، وأبرزها الحمضيات على انواعها. في حين أنّ عددًا لا بأس به من السكان عمل في الكسارات التي أقيمت قرب القرية، وشكلت مصدر رزق لهم، علمًا أنّها كانت أيضًا موقعًا للصراعات والتجاذبات بينهم وبين المستوطنين اليهود الذين سعوا إلى الاستيلاء عليها، ومنع أي عامل عربي من العمل فيها. واشتد الصراع خلال الثورة الفلسطينية الكبرى في الثلاثينيات.

المؤسسات الخدمية

وكانت قد تأسّست في القرية مدرسة للذكور في العام 1888 ساهمت في تعليم عدد من أبنائها القراءة والكتابة. وخلال فترة الانتداب البريطاني وفد إلى هذه المدرسة عددٌ من الطلاب من بعض القرى المحيطة بها. ووصل عدد الطلاب فيها إلى 150 طالبًا في أواسط الأربعينيات من القرن الماضي. ولا بدّ أن نشير إلى أنّه بسبب موقعها الاستراتيجي على مفترق طرقات مهم في فلسطين فقد تأسّست فيها عيادة طبية في أواخر العهد العثماني لتوفر الخدمات الصحية لسكانها والجوار. 

تاريخ قديم للقرية

تفيدنا الدراسات الأثرية والتاريخية إلى أنّ استيطانًا بشريًا بدأ في موقع مجدل يابا منذ 4500 عام قبل الميلاد، وتحديدًا في موقع رأس العين المجاور لموقع المجدل. ثم امتدّ الاستيطان ليصل إلى أراضي مجدل يابا. وورد ذكر لها في الكتابات المصرية القديمة، أي من القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وعثر المنقبون على بقايا مقابر وقبور متناثرة في أراضي القرية. وأصبحت مركزًا اداريًا للحكم المصري أيام الفرعون امنحوتب الثاني. ووقعت القرية ومناطقها تحت حكم “الفلستيين” أي 1150 ق.م. وأشارت التوراة إلى الموقع بكونه نقطة انطلاق هجمات الفلستيين على التجمعات اليهودية. ونجح الفلستيون من تسديد هجمتين حاسمتين ضد مواقع يهودية، وتمّ خلال الاخيرة من الاستيلاء على تابوت العهد. وهذا ما يؤكد أهمية الموقع ونبضه بالحياة والحيوية. وفي فترة الحكم الروماني جعلها هيرودس الملك نقطة مركزية على الطريق الرئيسي باتجاه يافا، وأطلق عليها اسم “مدينة انتيباتريس” على اسم والده انتيباتر، وذلك عشر سنوات قبل الميلاد. 

أمّا سفر أعمال الرسل من العهد الجديد فيفيدنا أنّ القديس بولس مرّ فيها وجعل مبيته في أحد بيوتها. وتعرّضت المدينة إلى دمار شبه شامل إثر معارك الرومان ضد مجموعات يهودية ثائرة. وجرت محاولة لإعادة توطين بعض العائلات فيها في نهاية الفترة الرومانية، إلاّ أنّ هزّة أرضية أتت عليها في عام 363 ميلادية. 

وتُفيدنا المصادر التاريخية العربية أنّ عبدالله بن علي عم الخليفة العباسي الأول أبو العباس السفاح قد دعا إلى هذا الموقع 80 أميرًا من العائلة الاموية في عام 750 ميلادية واعدًا اياهم بمنحهم الأمان، إلاّ أنّه أعملَ السيف فيهم وصفاهم جميعًا. في حين أنّ العباس ابن الموفق انتصر على خمارويه بن أحمد ابن طولون في معركة الطواحين القريبة من نهر العوجا المار قرب قرية مجدل الصادق وذلك في 885 ميلادية. وفي فترة حكم الفاطميين تمّإالقاء القبض على افتكين الحاكم الحمداني لحلب بالقرب من نهر العوجا ووضع في سجن قلعة مجدل الصادق.  

 وتلعب القرية، وخصوصًا قلعتها دورًا مركزيًا في المواجهات التي وقعت بين المسلمين والفرنجة (الصليبيون). واتخذها الصليبيون مركزًا لهم يتحكمون بواسطته في المنطقة كافة. وبقي بيدهم إلى أنْ سقطت يافا بيد السلطان ظاهر بيبرس المملوكي في 1266. ولم تمضِ سنة إلاّ واتخذ قرارًا بهدم أجزاء من القلعة منعًا لعودة الفرنجة إليها، أسوة بما تمّ فعله في عدد كبير من القلاع والحصون في طول فلسطين وعرضها.

وورد ذكر للقرية في السجل الضريبي  العثماني الشهير من العام 1596م مشيرًا إلى أنّ عدد العائلات التي سكنت المكان كان ثمانية، وعدد أفرادها حوالي 40 نسمة فقط. وحاول الجنرال كليبر جعلها مقرًّا لجنوده أثناء سيرهم نحو حصار عكا في آذار 1799 إلاّ أنّ قصف المدفعية التركية جعله يعزف عنها.

وبمبادرة من الشيخ محمد الصادق الجماعيني أعادَ الحياة من جديد إلى القرية بعد أنْ استولى على الموقع، وخصوصًا قلعتها التي قام بترميمها وجعلها لسكنى عشيرته من آل الريّان. وكان جيمس فين القنصل البريطاني في القدس قد زار القلعة وبات فيها ليلة وأشار في كتابه “أزمنة مثيرة” إلى وجود آثار لكنيسة بيزنطية إلى جوار القلعة، وبقية نقوش تشير إلى ذلك. وفرضت عشيرة أل الريّان سطوتها على المنطقة وجبت الخاوة والاتاوة من المارين والمسافرين بين يافا والقدس. إلاّ أنّ دورهم هذا تراجع ابتداء من النصف الثاني من القرن التاسع عشر. عِلمًا أنّهم استمروا في خدمة الدولة العثمانية في تحصيل بعض أنواع من الضرائب.    
 

المعالم الدينية

كان في القرية مسجد ومقبرة ومقامين. فالمسجد تمّ بنائه في العام 1935 على نفقة أهالي القرية وبالتعاون مع المجلس الاسلامي الأعلى في أرض تتوسط القرية ليسهل على المصلين الوصول إليه من كافة حارات القرية. وكان للقرية مقبرتان عامة وخاصة، فالعامة كانت على الطرف الشمالي من القرية تخدم السكان في دفن موتاهم. أمّا الخاصة فكانت لعائلة الضمرة.

 أمّا المقام المعروف في القرية فيحمل اسم “براز الدين”، ويقع على تلة إلى الشمال من القرية ويقابل قلعة الصادق. وأجريت فيه ترميمات قبل عقدين من الزمن. وتنتشر حول المقام قبور آخرها قبل سقوط القرية بيد الاحتلال الإسرائيلي. واللافت أنّ فوق المقام شجرة خروب معمرة. وتمّ تسييج المقام إلاّ أنّ أيد لثيمة وآثمة عبثت به. أمّا المقام الثاني فهو للنبي ثاري، ونقشت على قبته آية الكرسي.   

 وكان في القرية موقعين خاصين بطريقتين صوفيتين أقام اتباعها صلواتهم ومجالس ذكرهم فيها. و”الخلوة” كانت تخصُّ آل الضمرة. أمّا الزاوية الشاذلية فكانت منتشرة هي أيضًا في القرية. وقدّر بعض أهالي القرية أنّ 20% من سكانها تتبعوا الطريقتين الصوفيتين.

احتلال القرية وسقوطها

في اليوم الذي تمّ فيه احتلال مدينة الرملة انتشرت بعض الوحدات الاسرائيلية من لواء الكسندروني في أراضي قرية مجدل يابا. وفي 12 تموز 1948 انتزعت هذه الوحدات السيطرة على المنطقة من أيدي القوات العراقية التي كانت ترابط فيها. وكانت وجهة الوحدات الوصول إلى منابع رأس العين حيث أنّ احتلالها يساهم في سيطرة اسرائيل على منابع نهر العوجا (اليركون) الذي كان أحد مزودي القدس بالمياه. وتشير بعض المصادر التاريخية العربية والإسرائيلية على حد سواء إلى أنّ القوات العراقية حاولت استعادة الموقع إلاّ أنّها واجهت هجومًا قويًا من اللواء المذكور، فانسحبت من المنطقة. وكان مصير أهالي قرية مجدل الصادق والقرى المجاورة الترحيل وهدم البيوت وتخريب المزارع منعًا لعودتهم إليها. وأقامت الحكومة الاسرائيلية عددًا من المستعمرات على الأراضي التابعة للمجدل، منها: “عينات”، و”روش هعاين”، غفعات هشلوشا”، نحشونيم”. أمّا في موقع القرية ومن حوالي قلعتها انتشرت البيوت التي أشرنا إليها، فلم يبقَ منها إلاّ حطام وحجارة متناثرة. وبعض الآبار البيتية والزراعية المنتشرة فيها. 

مجدل الصادق حديقة وطنية إسرائيلية وأصحابها يبقون لاجئين

أعلنت سلطة الحدائق الوطنية في اسرائيل في مطلع العام 2021 عن تخصيص ألفي دونم حوالي قلعة المجدل لتكون حديقة وطنية وموقعًا سياحيًا بعد أنْ تمّ تأهيل المكان لهذه الغاية. على أنْ تفتح الحديقة ابوابها في الفصح العبري للعام ذاته. وتمّ اتخاذ “مجدال تصيدق” تسمية للمكان بدلا من اسمه الحقيقي (أي عبرنة الاسم). بالإضافة إلى عدم الاشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى أنّ عائلات فلسطينية وعربية عاشت لفترات طويلة في المكان  وتمّ تهجيرها على يد الاحتلال الاسرائيلي. 

الكاتب: جوني منصور

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع