«قراءات في المشروع الوطني الفلسطيني: بين الأمس واليوم»… بحثٌ في راهن القضيّة

أيمن حسونة

كاتب من فلسطين/الأردن

ويدعو سليمان إلى إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني انطلاقًا من فهم المشروع الصهيوني بصفته مشروعًا استعماريًا استيطانيًا إجلائيًا، وأن يتم التعامل مع هذا النظام الاستعماري على أساس أحداث النكبة وليس نتائجها. 

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

11/05/2021

تصوير: اسماء الغول

أيمن حسونة

كاتب من فلسطين/الأردن

أيمن حسونة

مقيم في كندا.

بعد أن انتهت الندوة التي عُقدت في قبرص تحت اسم ماهية المشروع الوطني الفلسطيني، أصدرت “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” كتاباً بعنوان «قراءات في المشروع الوطني الفلسطيني بين الأمس واليوم» من تحرير جميل هلال وخالد فرَاج في عام 2019، مشتملًا على الأوراق التي تمت مناقشتها خلال تلك الندوة. 

وبمجموع 293 صفحة، احتوى الكتاب على ١٢ ورقة/مقترحًا تتمحور حول المشروع الوطني الفلسطيني بتاريخه الحافل، واقعه البائس، ومستقبله المجهول، ولربما تكمن المعضلة الأساسية هُنا في تعريف هذا المشروع الوطني الفلسطيني، والسؤال إن كان يتضمن شرائح الشعب الفلسطيني كاملة أم أنه مخصص لفئة معينة دون غيرها. ولا يدّعي الكتاب أنه يقدم بديلًا لمشروع حل الدولتين، أو حل الدولة الديمقراطية الواحدة على أرض فلسطين التاريخية، بل هو محاولة لوضع خطط ملموسة لإنجاز هذا المشروع الوطني الفلسطيني الطامح إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على جزء من فلسطين. 

هذه المراجعة تقوم على عرض الأوراق التي تم مناقشتها في الندوة والتي تتعلق برؤى مكونات الشعب الفلسطيني المتواجد على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزّة، والمقيمين على أراضي فلسطين التاريخية المحتلة عام 1948، والفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية، واللاجئين في سوريا ولبنان بالاضافة إلى الموجودين خارج الوطن العربي. 

تستعرض أغلب الأوراق تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وصولًا إلى حالة وجود سُلطة فلسطينية منزوعة السلطة تُمارس إسرائيل تجاهها وتجاه الفلسطينيين كل أنواع الاضطهاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. 

في ورقته بعنوان “في التباس المشروع الوطني الفلسطيني”، يشرّح جميل هلال أسباب ما أطلق عليه صفة التيه السياسي التي يُعاني منها المشروع الوطني الفلسطيني، والتي عزاها الكاتب إلى عوامل متعدد، أبرز منها فقدان الشعب الفلسطيني لمؤسسات جَامعة واستبدلت بحركات وتجمعات محليّة يتزعمها نُخب تهتم فقط بتدعيم مواقعها ضمن مجتمعاتها الصغيرة، ولا تلتفت إلى أسباب التفكك السياسي. كما يشير أيضًا إلى فقدان الشعب الفلسطيني للثقة بالنخب السياسية بسبب حالة الانقسام ما بين حركتي فتح وحماس بالاضافة إلى فشلهما سويًا في تدبير أمور المواطنين اليومية. 

ويلخص هلال ما تتطلبه عملية إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني في أربع نقاط ستساعد في صياغة مقاربة جديدة للصراع مع المشروع الصهيوني، أولها هي أن يتم اعتبار إسرائيل دولة استعمارية استيطانية، وتعرية طبيعة هذه الدولة، وثانيًا أن يتم طرح نموذج يقوم على التعايش الديمقراطي، يضمن المساواة والعدالة، وينتصر لحق الشعب الفلسطيني. 

ثالث هذه المقترحات يتضمن طرح نموذج للتعايش في دولة واحدة ذات حقوق متساوية لمواطنيها وهو الأمر الذي يبدو بعيد المنال بحسب وصف الكاتب لكنه ممكن في حال تم تبنيه كمشروع نضالي طويل المدى، أمّا النقطة الأخيرة فهي دعوة للحركة السياسية الفلسطينية لتعيد هيكلة حقلها السياسي الوطني وتأخذ بالاعتبار خصوصيات المجتمع الفلسطيني بكافة تفاصيله وتشمل كافة أفراده سواء المقيمين على أراضي الضفة الغربية وغزّة، أو المقيمين في أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، أو المقيمين في الشتات. 

وبعنوان ما هو دور الأردنيين من أصل فلسطيني في المشروع الوطني الفلسطيني، تطرح لميس أندوني تساؤلات عديدة عن قدرة هذا المُكون الأساسي من الشعب الفلسطيني في القيام بدور فعّال في تشكيل هذا المشهد، ولا تتناسى أيضًا ما يُطلق عليه إشكالية الهوية في الأردن وما يتبعها من اتهامات بازدواجية الولاء، وحساسية النظام من تشكّل أي حراك مرتبط بفلسطين من قبل أفراد يحملون الجنسية الأردنية. 

تُفكك أندوني التشابكات المتعددة في العلاقة ما بين الأردني من أصول فلسطينية والنظام من جهة، مرورًا بالتحولات التي مرت بها هذه العلاقة المعقّدة مقارنة بعلاقة أي فلسطيني لاجئ أو مهجّر آخر مع الدولة التي يعيش فيها، ومن جهة أخرى مع المشروع الفلسطيني، ولعل أبرز أسباب هذا التشابك يعود إلى التجاذبات بين القوى السياسية المختلفة التي حدثت عبر العقود السابقة، كما أن سؤال الهوية الذي رسخّته أحداث أيلول في الأردن يُعد أبرز التحديات في بلورة جبهة فلسطينية موحدة بإمكانها أن تشكل ضغطًا على الساسة الفلسطينيين للسعي نحو مشروع وطني موحد يهدف إلى تحرير الأرض والإنسان. 

وعرضت هنيدة غانم في ورقتها المعنونة “الرؤى السياسية للقوى الفلسطينية في مناطق 48 ودورها في المشروع الوطني وإنجازه” ما مر به فلسطينيو الداخل المحتل من تجارب نضالية وسياسية واجتماعية بالإضافة إلى التحديات التي تواجه هذا المجتمع من خلال التضييقات التي تفرضها إسرائيل على ممارسته للسياسة من جهة، ومن جهة أخرى ابتعاد الهيكل الجامِع الفلسطيني عن الأخذ برأي هذه الكتلة بعد أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية في الضفّة وغزّة. 

كما تُبرز غانم حالة الوضع الاستثنائي الذي يعيشه فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948 مُطلقةً عليهم وصف “التموضع على العتبة” وهو ما يلخص كونهم مواطنين إسرائيليين مستثنين من مواصفات المواطنة الكاملة في دولة تعتبر نفسها دولة لليهود أينما كانوا، كما أنهم وكونهم فلسطينيين تاريخيًا، لكن لا مجال هناك لمشاركتهم في أي مشروع وطني فلسطيني تمثله منظمة التحرير الفلسطينية. واشتملت الورقة أيضًا على عرض لمنجزات الأحزاب والأطر والحركات ونشاطاتها منذ خمسينات القرن الماضي ولغاية عام 2019، مستعرضة أسماءها وهيكليتها بالاضافة إلى رؤية هذه الحركات للمشروع الوطني وأبرز الأحداث التي رافقت هذه النشاطات والحراكات. وتخلص غانم إلى ضرورة خلق إطار مؤسساتي يجمع ما بين الفلسطينيين ويتجاوز المزاجية والعفوية، وأن يكون له بنية واضحة ووظيفة معينة كما طرحه الدكتور كميل منصور الذي دعا سابقًا إلى إقامة “كونغرس فلسطيني وطني” شامل يتجاوز كافة حالات التفرقة والانقسام والتشتت القائمة حاليًا.

وعن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا كتب سهيل الناطور ورقته التي ناقش فيها دورهم في حق العودة مستعرضًا الأوضاع المعيشية التي يعانون منها في كلا البلدين بالاضافة إلى التغييرات التي طرأت على وضعهم بعد بدء الثورة السورية وتداعياتها. وفيما يخص اللاجئين المقيمين في لبنان، فإنهم لا يتمتعون بأية حقوق اجتماعية وانسانية بسبب القوانين التي فرضتها السلطات اللبنانية منذ عقود، والتي قيّدت بها حركتهم ونشاطاتهم وحياتهم بكافة تفاصيلها، ويشير الناطور إلى تباين الأرقام الرسمية لأعداد الفلسطينيين في لبنان، إذ أن الأونروا قد سجّلت ما يقارب 470 ألف لاجئ وفق تعريفها الخاص للاجئ الفلسطيني والذي هو كل من غادر فلسطين بسبب الحرب بين عامي 1947 و 1949.

في العام 2010 قامت الجامعة الأمريكية بإحصاء لأعداد اللاجئين الفلسطينيين وقدرته بحوالي 250 ألفًا، أمّا سعد الحريري فقد أعلن في العام 2017 عن أن عدد اللاجئين قد أصبح واضحًا الآن وهو 174422 فردًا. ويشير الكاتب إلى أن السلطات اللبنانية تتخذ سياسات وإجراءات من شأنها التضييق على اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أراضيها بهدف التخلص منهم ودفعهم إلى مغادرة المخيمات التي يعيشون فيها إلى أي مكانٍ آخر سواء داخل لبنان أو خارجه. وتعتبر حالة الانقسام التي يشهدها الواقع الفلسطيني من أهم العوامل التي تزيد من معاناتهم، إذ تخشى السلطات اللبنانية أن يؤثر ذلك على أمنها من خلال تواجد الفصائل في المخيمات اللبنانية، الأمر الذي يؤدي الى تشديد الخناق على حركة البشر وحريتهم فيه وامتناعها عن تقديم الخدمات الأساسية لهم. أمّا اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، فقد كانوا يتمتعون بظروف معيشية أفضل، ولهم الحق في الحصول على الوظائف والعلاج والتعليم مثل المواطنين السوريين وذلك منذ اقرار القانون الخاص بذلك رقم 260 عام 1956.

بعد أن دمرت المعارك مخيم اليرموك الذي يعد من أكبر مخيمات الفلسطينيين والمخيمات الأخرى، نزح مئات آلاف عن مساكنهم وانتشروا داخل سوريا، وإلى لبنان، ومصر والجزائر وتركيا، وهاجر عدد كبير منهم إلى أوروبا. ويختتم الناطور ورقته بالدعوة إلى ضمان الحقوق الإنسانية الأساسية للاجئين المقيمين في سوريا ولبنان وذلك من أجل تفريغهم للعمل مع الدول المستضيفة لهم على الحفاظ على هويتهم وضمان حقوقهم في العودة إلى بلدهم وتقرير المصير وإنشاء الدولة المستقلة، وأن يكون ذلك تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية. 

وجاءت ورقة جابر سليمان بعنوان “واقع الشتات الفلسطيني ودوره في ضوء المخاطر الدولية التي تتهدد قضية اللاجئين والأونروا” لتستعرض واقع الفلسطينيين المقيمين في الدول المختلفة، بدءًا من تلك المجاورة لفلسطين أو البعيدة كأوروبا وأمريكا الشمالية. ويدعو سليمان إلى إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني انطلاقًا من فهم المشروع الصهيوني بصفته مشروعًا استعماريًا استيطانيًا إجلائيًا، وأن يتم التعامل مع هذا النظام الاستعماري على أساس أحداث النكبة وليس نتائجها. 

كما تناقش الورقة نشأة مصطلح “دياسبورا” والخلافات على استخدامه، فترى بسمة قضماني أنه مصطلح اشكالي وينطوي على غموض، ويفتقد للدقة حين يجري استعماله في الحالة الفلسطينية، بينما يرى اللغوي إبراهيم مهويّ أن “دياسبورا” في الواقع أقوى دلالة في التعبير عن الحالة الفلسطينية من الكلمة العربية “شتات”، ويخلص سليمان إلى أن هناك من يستخدم كلمة “دياسبورا” للدلالة على الفلسطينيين المقيمين خارج الوطن العربي، وكلمة “شتات” لوصف الفلسطينيين المقيمين في الدول العربية. ويشير سليمان إلى المخاطر المنطوية على ما قامت به ادارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من ايقاف تمويل الأونروا ومحاولات إلغاء وجودها بحجة أنها تقف عقبة أمام تحقيق السلام، بالإضافة إلى محاولاتهم لإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني بهدف تخفيض أعدادهم، وحصرهم في الذين هُجّروا من فلسطين عام 1948 وليسَ أولادهم وأحفادهم. 

وجاءت الخلاصة على شكل مقترحات من شأنها أن تعزز دور الشتات الفلسطيني في حماية المشروع الوطني، ومن أهمها أن يتم تبنّي خطاب مبني على الحقوق والرواية الفلسطينية للصراع في مواجهة الرواية الصهيونية، والاعتراف بخصوصية كل تجمّع من التجمعات الفلسطينية في الشتات والدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية فيها، بالاضافة إلى ضرورة انخراط الشتات في حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وتعزيز دور الحركة في الخارج، وأن يتم الإهتمام بالنضال القانوني بين الناشطين في الشتات من خلال استخدام التقارير الدولية التي تدين إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية. 

ويشتمل الكتاب أيضًا على أوراق ناقشت دور اليسار الفلسطيني في بلورة المشروع الوطني لمهند عبد الحميد، والأوضاع المعيشية في قطاع غزّة بعد سنة 2007 وطرق التعامل السياسي معها لمحسن أبو رمضان، وورقة بعنوان “ما هو المشروع الوطني الآن؟” لجورج جقمان، والانقسام والوحدة والمشروع الوطني لهاني المصري، وأخيرًا الثقافة الوطنية بصفتها حامية للمشروع الوطني: إعادة تعريف ونظر، لحسن خضر. 

وتتفق جميع الأوراق المنشورة في الكتاب على ضرورة العودة إلى مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها كهيكل جامع للمكون الفلسطيني بكافة فئاته، وعدم تهميش أي فئة منه، كما أن يتم إعادة تعريف أسس الخطاب الذي يجب أن يبنى عليه المشروع الوطني آخذين بالاعتبار التغيرات السياسية والاجتماعية الحالية، وإعادة تفعيل المجلس الوطني الفلسطيني واستغلال الوجود الفلسطيني في كافة القارات للعمل ككتلة واحدة بهدف واحد لإنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعدم التفريط بحق العودة للاجئين. 

وعلى الرغم من أهمية هذه المناقشات والخطط والاستراتيجيات التي طرحت سواء في الندوة التي عُقدت أم في الكتاب المطبوع، فإنها ستبقى حبيسة الأوراق ما لم يتم العمل بشكل جدّي وملموس على تغيير الواقع، فلا السلطة الحالية ولا الحركات الأخرى ستكون مهتمة بالتغيير المنشود لأن فيه إذابة لوظائفهم الشكلية الحالية، فلا يوجد سبيل لذلك إلا أن يتم تأسيس قاعدة جديدة تتبنى طروحات مغايرة لنتمكن من تحقيق أهداف هذا المشروع الوطني الفلسطيني. 

الكاتب: أيمن حسونة

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع