يمكن لمهرجانِ سينما عربيٍّ أن يوظّف إمكانياته في استثمارِ شهرة أفلام منجزَة حضرت هنا وهناك، نالت جوائز أو أثارت إشكالات أو تكرّر حضورها في السوشيال ميديا كإعلانات الخوارزميّات الملحَّة. فلا يأتي المهرجان بجديد، ويكون، بذلك، منصَّةً تسويقيةً أخرى لما هو مُنجَز، لما هو مكرَّس، لما يمكن أن يضمن للمهرجان خطَّة تسويق وترويج فاقعة. لا بأس في ذلك إن اختار المهرجان لذاته أولويّات تكون تسويقيّة للمؤسَّس مسبقاً، لا تأسيسيّة، ويكون بذلك أقرب لأمسيات علاقات عامة.
في “مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أوّل فيلم” نلاحظ أولويّةً تأسيسيّة. يُدرك أحدنا ذلك من اسمه (أوّل فيلم)، لكن لا يتطابق الاسم دائماً مع الغاية منه. هنا، في هذا المهرجان، يلاحظ أحدنا الغاية التأسيسية له في التركيز على أوّل فيلم (لصانعه تحديداً)، في توظيف إمكانيات المهرجان لاستثمار المواهب لا الشهرة، الطاقات الكامنة لا الطاقات المُعاد تكرارها في فضاءات مهرجانات بعيدة وقريبة. يتركّز اهتمام المهرجان في مستقبل السينما العربية لا في راهنه كحدثٍ سينمائي.
يحمل المهرجانُ الأفلامَ ولا تحمله هي، لا يتّكئ عليها بل يدعم المخرجين الشباب في تجربة الفيلم الأول لهم. يكون، المهرجان، بذلك، وتراكميّاً، مؤسِّساً لموجاتٍ من صنّاع الأفلام الشباب، لا مسوّقاً لنفسه من خلال أفلام تخطّت وأصحابُها مرحلةَ التأسيس.
هذا ما يفهمه أحدنا من تسمية المهرجان لنفسه (لمن أنجزَ فيلمه الأوّل)، وهذا ما يلاحظه من خلال برامجه، من يومه الأوّل حتى الأخير (لمن ينجزُ فيلمه الأوّل). ويكون بذلك موئل صنّاع الأفلام الشباب، أردنيين وفلسطينيين وعرباً، ويبني المهرجانُ عروضه وورشاته وندواته على هذا الأساس. يبنيها ونُصْب عينيه الحالة التأسيسية التي يسعى، في دورته الثانية، إليها.
لنتخيَّل المهرجانَ بعد عشر سنوات. بمواصلته منطقَه التأسيسي هذا، سيكون المكانَ الأول ومحطّةَ الانطلاق للمشوار السينمائي لصنّاع أفلام يبدؤون منه رحلتهم إلى أعمال طويلة في كان وڤينيسيا وبرلين وغيرها. سيكون للشباب مكان يرعاهم، يدرّبهم، يشجّعهم، يرشدهم، كي لا نستمر في شكوى أنّ الخطوة الأولى لصنّاع الأفلام الشباب تكون دائماً فردية بلا سند وموجِّه، وهذه الخطوات إن تعثّرت تتعطّل، وتخسر السينما العربية مشاريعَ وطاقات محتمَلة كان لها أن تتحقّق لو أنّ جهةً بهذه الإمكانيات وهذا الوعي لأهمّية الفعل التأسيسي، قد دعمها من “فيلمها الأوّل”.
لنتخيّل الأمرَ معكوساً: ماذا لو كنّا اليوم في الدورة العاشرة من المهرجان، أيُّ طاقات سينمائية عربية عالية كانت لتحضر، في العالم اليوم، وقد لقيت رعايةً تأسيسيّة منذ الفيلم الأوّل؟
تَسمّى المهرجان بـ “أوّل فيلم”، واشتغل على ذلك. لن نرى النتيجة اليوم، قد نرى أجزاء منها غداً، لكنّ النتائج الكبرى للعمل التأسيسي تكون، عادةً، على المدى الطويل، وتكون متينة، وهذا مُلاحَظ، في المهرجان، الواعي لذاته من دورتَيه، الأولى والثانية.