تتوسع خريطة فلسطين باستمرار، ذهنياً وفكرياً ربما لا يمكن أن تحد فلسطين حدود اليوم. وعليه، فإن خريطة الفن الفلسطيني شاسعة، يعتمد الكثير من المعرفة حوله اليوم على ما نشر من صور وقصص عن الأعمال الفنية سواء في الكتب أو لاحقاً على الانترنت، فتظل معرفتنا بالأعمال الفنية أو الممارسات الفنية التي لم نعش قربها، محدودة. تصبح بعض التمثيلات مشهورة أكثر بعد اقتباسها أو اعتمادها من قبل فنان أو مؤسسة لها حظ نشري كبير. تصبح هذه التمثيلات بحد ذاتها بقعة عمياء بسبب حضورها الطاغي في أزمنة معينة. كذلك يعيد كثير من الفنانين إنتاج صور وأيقونات ورمزيات رائجة.
يذكر بشير مخول في كتابه «الفن الفلسطيني المعاصر: الأصول، القومية، الهوية» أن كثيراً من الفنانين الفلسطينيين المعاصرين كانوا منشغلين “بأشكال متعددة من تخيل الأمة” وكذلك أنتج كثير منهم “أشكالاً من الأدوات البيروقراطية للدولة”. يرى استحالة تخيل دولة فلسطينية في نفس الوقت الذي نتطلع فيها إلى هذه الدولة، مما ينتج حالات ساخرة.
يستفيض الكتاب في عرض أمثلة وصور الأعمال الفنية ويدرج تحليلات لها أو يربطها في سياق نظريات كل فصل بحسب رؤية المؤلفين، اخترنا لهذا الحوار أن يدور حول عمليات إنتاج كتاب «الفن الفلسطيني المعاصر: الأصول، القومية، الهوية» والذي كتبه الفنان والكاتب والأكاديمي الفلسطيني بشير مخول مع الفنان والأكاديمي غوردون هون وصدر عام ٢٠٢٠ عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، مع تحرير ومقدمة من روان شرف وترجمة عبد الله أبو شرارة.
بشير مخول باحث متخصّص بالثقافات البصرية. شغل عدداً من مناصب قيادية في إطار المؤسسات الأكاديمية البريطانية منها نائب رئيس جامعة مدينة برمنغهام. يشغل حاليا منصب رئيس جامعة الفنون الإبداعية (University for the Creative Arts) في بريطانيا. صدرت له عدة كتب ودراسات عن الفن الفلسطيني.
«إن أبحاث المؤرخين من أمثال [كمال] بلاطة و[غانيت] أنكوري بينت أهمية تطور الفن الفلسطيني فيما قبل سنة ١٩٤٨، وهو ما لا يقدر بثمن في فهم العديد من جوانب الفن التي تليق بتلك المرحلة، وكلما عرفنا وفهمنا مزيداً من هذا التاريخ، من بدايات الفن الفلسطيني في مقابل نقاط منشئه، أمكننا أن نفهم بشكل أفضل الدور الذي أدته النكبة في تشكيل الفن الفلسطيني المعاصر وربما أيضا هويته. وكما نناقش لاحقاً، فإن الخطابات المتعلقة بتاريخ الثقافة والهوية الفلسطينية وتطورهما تجبرنا على تقسيم التاريخ الفلسطيني إلى ما قبل النكبة وما بعدها.» (صفحة ٩)
كيف كان التحضير لهذا الكتاب: المراجع، المقابلات، اختيار المصادر واعتبارات التحليلات والأفكار التي قدرتما أنها مدخل جديد يختلف عن دراسات أخرى عن الفن الفلسطيني؟
مثل أي بحث جاد، تحتاج الدراسات إلى عدة طرق للحصول على المواد، واحد من هذه المواد هي الدراسات والقراءات الموجودة في الكتب والمجلات والتي يتعلق جزء منها بشكل مباشر بالبحث بينما تناصره أو تعاكسه أجزاء أخرى. مثلاً يعتمد الكتاب على ربط الأعمال الفنية بأفكار فلسفية، وهذه الأفكار مأخوذة من نظريات نقدية critical theory عامة متوفرة في كتب غير مختصة بالفن الفلسطيني. لكن كيف نطبق أجزاء من هذه الأفكار وندمجها ونصيغها في نص يعطي طريقة جديدة للفكر؟ من ضمن طرق البحث أيضاً، جولات من المقابلات المسجلة بالفيديو مع فنانين فلسطينيين من جغرافيات مختلفة. أجرينا ما بين ١٥٠ و٢٠٠ مقابلة لتعطينا صوراً أوضح عن الممارسات والأفكار التي تتحرك في مرسم الفنان نفسه. رغم صعوبة تعميم سؤال بحثي أو فكرة مسبقة (مثلما نفعل في الأبحاث)، كانت هذه المقابلات مثيرة لأن كل واحدة كانت تخرج بآراء وتصريحات مختلفة عن الأخرى من ناحية الأفكار والانتماء والولاء تجاه بعض المشاهد السياسية والأدبية. كان التنوع كبيراً وربما من أبرز الصعوبات التي مررنا بها كباحثين في سبيل أن نعمم فكرة معينة أو نستنتج استنتاجاً واضحاً.
«عندما ننشغل بفكرة الفن الفلسطيني، فمن الضروري أن نطرح سؤالا عما نعنيه بكلمة فلسطيني. فالفلسطيني اليوم، هو وصف قد يعبر عن ويشتمل على مجموعات الشتات المترامي الأطراف، وعلى أعداد هائلة من اللاجئين، بالإضافة إلى الجماعة التي تخضع لسلطة حكم ذاتي غير محددة تحت الاحتلال، وحتى عدد كبير من حاملي الجنسية الإسرائيلية […] وفي هذا السياق، يصنع الفنانون فنا فلسطينيا على الرغم من حقيقة أن يصنع في إسرائيل وعلى يد مواطنين إسرائيليين وأن هذا الفن في معظمه يعرض في مؤسسات إسرائيلية» (صفحة ٤٠)
أين أجريتما هذه المقابلات؟ ما هي الجغرافيات أو الأجيال التي غطيتموها؟
لم نزر أياً من الدول العربية وإنما نفذنا المقابلات مع الفنانين هناك عبر مكالمات هاتفية أو مراسلات بالبريد الالكتروني، وتحدثنا مع بعض الفلسطينيين في غزة عبر سكايب وما شابه من وسائل الاتصال عبر الانترنت، وركزنا في الجولة التي عملناها على مراسم الفنانين داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية. الآن لدينا رصيد ضخم من المقابلات، ربما مئات من الساعات.
نعرف أن لغايات تحرير الكتاب لا بد أنكما اخترتما مواد من هذه المقابلات تناسب ثيمات فصول الكتاب الستة. هل تفكران باستخدام المواد الباقية في مشاريع مستقبلية؟ هل لديكما التصريح باستخدام هذه المواد مستقبلا؟ ربما تأتى عن المقابلة انتباه لمواضيع أخرى يمكنكما العمل عليها مستقبلا؟
سؤالك له جانبان. أجيب أولاً بأننا اخترنا للكتاب أن يجيب على فكرة نظرية فنية، وليس تاريخية أو سياسية. ركبنا الكتاب مركب فصول مربوطة ببعضها، وربطنا بين هذه الفصول بنظريات تنظر في مواضيع الأصل وعلاقته بالتاريخ وإن كان التاريخ بحد ذاته كينونة موثوق بها أو لا، وطرحنا أسئلة حول القومية وعرضنا للشكوك التي تسايرنا تجاهها. يدور محتوى الكتاب حول مجموعة من الأسئلة التي يمكن تقصي أجوبتها في أعمال الفنانين. وإن لم يتعمق معظم الفنانين في هذه الأسئلة لكن أعمالهم تجيب بشكل أو بآخر عليها. كذلك استفدت من عملي كرسام في التفكير في صناعة هذا الكتاب. مثلاً، يعتمد عملي أولاً على تصور في ذهني يليه تخطيط شكل العمل وأفكر في طريقة تحوله من فكرة نظرية إلى لوحة أو عمل إنشائي، ثم أبحث في مواد تناسب تنفيذ هذه الفكرة، وطبعاً، تختلف هذه المواد وطريقة التعامل معها من عمل لآخر. أستطيع القول أننا تعاملنا مع هذا الكتاب بهذه الطريقة، أي وكأنه عمل فني. من الأشياء التي لا يعرفها الكثيرون، أن صداقتي مع الفنان غوردون هون تعود إلى زمن زمالتنا في البكالوريوس ثم تزامنا معاً أثناء تحضير رسالة الماجستير وكذلك في الدكتوراه، واليوم نعمل في نفس الجامعة، جامعة الفنون الإبداعية (University for the Creative Arts) في بريطانيا؛ أدير أنا الجامعة بينما يعمل جوردون في مركز الأبحاث التابع للجامعة بعنوان «الصراع والفن».
ما كان السؤال الاستفزازي الأصلي للكتاب؟ من أين بدأت أو ولدت فكرة عمل كتاب عن الفن الفلسطيني المعاصر، في ظل الكتب الأخرى المتوفرة عنه وأيضاً تنوع وتباعد الأجيال والخلفيات السياسية والجغرافيات والممارسات الفنية والتسميات التي يشملها.
هذا سؤال مهم جداً. أنهيت عام ١٩٩٥ بحثي في الدكتوراه والذي تناول الفن الفلسطيني المعاصر. وفي هذه الدراسة كان لدي اكتشافات بسيطة لأن تنوعات الأعمال الفنية الفلسطينية وقتها كانت محدودة مقارنة بها اليوم. يمكن القول إن الفن الفلسطيني في السنوات العشر الأخيرة مر بفترته الذهبية. من هذا المنطلق، رأيت أن المواد التي أصبحت متاحة تسمح بالتوسع في فكرة بحثي الدكتوراه وأيضاً جعلها أكثر جاذبية ومتعة للقارئ. عادة، أطروحة الدكتوراه تنقصها الإثارة ولذا فالكتاب المنشور يعطينا هذه الحرية في الكتابة بشكل غير محدد بالأطر الأكاديمية الجافة.
ما هي الفترة الذهبية للفن الفلسطيني برأيك، ومن الذين جعلوها ذهبية؟
هذا أيضا سؤال مهم. أنا لست مؤرخاً وعليه فلن أحدد تاريخاً بعينه، ولكني أستطيع أن أربط الفترة الذهبية بالسياسة. اعتمدنا المنطلق الذي نتج عن وجود المؤسسات والدعم التي استطاعت أن تقدمه ما بعد الانتفاضة الثانية. أصبح لدى المؤسسات الفنية القدرة على الدعم وظهرت التجمعات التي تنوعت في شكلها، مثل الحوش، الأكاديمية الدولية للفنون، جامعة القدس، قسم العمارة في جامعة بيرزيت، مؤسسة القطان، وغيرها. ولن أستطيع أن أذكر الجميع. لكن الشيء الجيد أن هذه الفترة التي شهدت ظهور الفنانين الشباب من جيل رائدة سعادة مثلاً، الذين ابتدأوا وقتها يعرضون أعمالهم في الدول العربية وفي أوروبا، وكان لهذه العروض أصداء مميزة. وكان لوجود فنانين من أجيال سابقة مثل منى حاطوم ومثلي في بريطانيا وألمانيا من قبل، أصبح هناك ضجة فنية اكتسبت اهتماماً من المشهد الفني في أوروبا وأمريكا وأتاحت عرض الأعمال في صالات العرض هناك. استلزم هذا الانفتاح ضرورة للحديث عن الفن الفلسطيني، بصورة أعمق، نظرياً، وهذا ربما كان السبب الثاني أو الثالث في اتخاذنا قرار الكتابة عن هذا الموضوع.
«تظهر خريطة فلسطين القديمة في فيلم إيليا سليمان “يد إلهية” (٢٠٠٢) في أثناء مشهد خيالي موضوع بعناية يجمع فيه ببراعة ما بين الصور القومية الشعبية وفنون القتال الخارقة للطبيعة الموجودة في الأفلام الصينية. ويلاحظ أن تأثير الفن الهابط مضحك وفي الوقت نفسه مثير ومبهج. وتأخذ خريطة فلسطين شكل درع تحمله البطلة الخارقة وهي ترتفع في الهواء، وهي صورة تذكرنا بالعديد من اللوحات والملصقات الفلسطينية التي تصور فيها روح الأمة كامرأة في الغالب تحمل رمزاً وطنياً. وفي المثالين للفنان [إسماعيل] شموط هنا، لوحة “أحلام الغد” (٢٠٠٠) ولوحة “الكرامة” (١٩٦٩)، تبدو خريطة فلسطين مختلطة تماماً بهيئة امرأة في اللوحة الأولى، كما يتكرر التماهي في اللوحة الثانية بين غطاء رأس المرأة وخريطة فلسطين، وكذلك بين وضعية الجسد للأب والأم والطفل والخريطة، إذ يصبح جسد الفلسطيني وفلسطين بنية واحدة، وهو تعبير دلالي يتكرر عند العديد من فناني التحرير إلى جانب الرموز الأخرى التي أصبحت تمثل قضية الشتات وتفتيت الحدود. وقد أدى شموط دوراً كبيراً في بلورة صورة الهوية القومية من خلال الرموز التي تبنتها منظمة التحرير والتي أصبحت تعبر عن المظلمة الفلسطينية والمسعى للعودة وتحقيق التحرير.» (صفحة ١٨٩)
ما رأيك إذن بالفترة التي مرت بالفن الفلسطيني، في فترة الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير والأذرع الفنية للفصائل في الستينات والسبعينات؟ هل يمكن اعتبار ذلك الوقت فترة ذهبية أيضا؟
تاريخياً، حكمت هذه الفترة توجهات لا تدعم التعددية. كانت منظمة التحرير وغيرها وكذلك الحراك الفني مشغولاً بالرمزية. تطلبت هذه الفترة من الفنان أن يكون منتوجه الثقافي المرئي تعبيراً عن الفلاح الفلسطيني، وكأن كل التعبيرات عن الفلسطينيين عليها أن تعزز صورة واحدة وهي أننا فلاحين ولا شيء غير ذلك.
إما فلاح وإما مقاتل.
كان هذا الشيء مضراً بالشعب الفلسطيني، أن يقتصر التعبير عن شعب كامل على صورة واحدة، وهي صورة الفلاح. حد ذلك من إمكانيات التعددية التي أشير إليها والتي اختفت من الفن.
عندما قمتما بالبحث والمقابلات والكتابة وإعادة الكتابة، هل قارنتما علاقة الفنون والممارسات الفنية المعاصرة بردود فعل الجمهور؟ مثلاً عن علاقة هذه الفنون وتأثيرها وتأثرها بالجمهور وليس فقط بالمؤسسات؟
في الحقيقة، أثناء بحثنا، فصلنا الممارسات الفنية عن العلاقة بالجمهور. لم نأخذ بعين الاعتبار نظرة الجمهور لهذه الأعمال.
«إن الصور الشمولية لفلسطين المثالية، كما ناقشنا في الفصل الرابع، غالباً ما يتم تمثيلها في اللوحات برمز القدس. وبهذه الطريقة، فإن المدينة اختزلت إلى مخطط لمشهد حضري محيط بقبة الصخرة، أو حتى مجرد القبة نفسها، والصورة المثالية كثراً ما يتم رسمها محتضنة أو محمولة أو محاطة بتصميم دائري. وبدلا من تمثيل البلد بخريطة، أو حتى رمز طوطمي مثل الصبار، فإن تصوير القدس بهذا الشكل يوجد فكرة اكتمال من خلال مركز الجاذبية الجيو-سياسي الذي ينجذب نحوه كل شيء فلسطيني. ويتكرر الشعور بالاستلاب الذي تمثله هذه الصور للقدس في تمثيل المدينة كشيء يمكن حمله، فالقدس كرمز لأمة كاملة، وكالمنشأ الرمزي للهوية القومية يتم تصويرها كميراث يمكن حمله إلى المنفى. وهذه إحدى الطرق التي من خلالها تعمل التجزئة الكامنة في جذور الشتات على التغلغل حتى في تمثيل الأمة والهوية القومية في مجملها.» (صفحة ١٩٤)
مشكلة البداية، مأزق المنشأ، المنشأ والكارثة، القدس: السرة والبقعة العمياء، داخل الخط: فلسطينيون في إسرائيل، تماسك الشتات، احتلال الآفاق. لفتني في الكتاب اللعب على الكلمات في اختيارات بعض أسماء الفصول: مثلاً «تماسك الشتات» للفصل الخامس، و«احتلال الآفاق» من الفصل السادس. هناك معاني إيجابية وأخرى سلبية في نفس الوقت يمكن قراءتها من نفس المصطلح. أحب أن أعرف السبب وراء هذه الاستراتيجية.
من ناحية تسمية الفصول، نعم لكل فصل تناقضات فيما يوحيه الاسم وما يفعله الفصل من عرض وتحليل. يشبه هذا الشيء طريقة تسمية أعمالي الفنية، والتي أعتبر أيضاً أسماءها أعمالاً فنية. أختار أسماءً أو جملاً تعبر عن الفكرة التي تلتقي عندها النظريات التي يعرضها الفصل وأدعمها بالأمثلة من أعمال الفنانين. مثلاً في فصل «احتلال الآفاق»، كنت أتساءل كيف نحتل الآفاق، وهنا أذكر عملي في المعرض الفلسطيني في بينالي فينيسيا عام ٢٠١٣، «غير ذلك هو محتل» otherwise occupied، و«حدائق محتلة» occupied gardens، وأشياء أخرى كلها تتعلق بفعل الاحتلال: احتلال مكان مثل حديقة، أو احتلال الفكر وبالذات صعوبة ذلك على الشعب الذي يتمثل في محدودية الإمكانيات المتاحة له أو في الحدود التي تفرض على خياله وتفكيره. بينما يتعلق عنوان «تماسك الشتات» بأفكار إدوارد سعيد التي نعرضها في بداية الفصل ونوفيه حقه فيما عرضه من أفكار سابقة مشابهة.
مَن/ماذا استبعدتم من الدراسة، أو من نتائج الدراسة أو من الكتابة؟
ربما العكس. ظهر الكتاب أولا باللغة الانجليزية قبل عدة سنوات وفي النسخة العربية أدرجنا أسماءً وأعمالاً جديدة. صدر الكتاب بالإنجليزية عن ليفربول برس، وهي مؤسسة النشر الخاصة بجامعة ليفربول. بينما صدر الكتاب باللغة العربية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية. أشرفت على التحرير باللغة العربية وجمع المواد روان شرف وساعدنا ذلك كثيراً، وأضاف للكتاب أيضاً عبد الله أبو شرارة الذي ترجمه للعربية. كانت ترجمة الكتاب جاهزة قبل ثلاث سنوات من صدوره، وأذكر أني راجعته وقتها لكن الإضافات أخذت وقتها. ونكتب اليوم أجزاءً جديدة ومختلفة.
«وقد طرأ تغيير جذري في توجهات الإنتاج الفني في المنطقة، وخصوصاً خلال العقدين الماضيين، والذي تزامن مع زيادة ضخمة في الإنتاج وفي البنية التحتية الثقافية الداعمة له، إن كان على المستوى المحلي في فلسطين أو على المستوى الإقليمي. […] وبالتالي أصبح الجمهور المحتمل للفن الفلسطيني الناشئ عالمي النطاق، وأصبح المطلوب من هذا الفن ومنتجيه ما هو أبعد كثيراً من خصوصية الأوضاع التي يتم إنتاجه في ظلها. كما أصبح جلياً أن الاختلافات بين الآفاق الواسعة وغير المحدود لأطر الفن المعولم وجماهيره الجديدة من جهة، في مقابل القيود المفروضة على المنتجين الفلسطينيين من جهة ثانية، قد أصبحت كبيرة بشكل متزايد.» (صفحة ٢٥٢)
ما هي المواضيع الجديدة التي أنتم بصدد الكتابة عنها؟
سيصدر فصل في كتاب «دليل فلسطين» Handbook on Palestine من إصدار روتليدج Routledge، يعلن أكثر عن أهمية المؤسسة وقدرتها على الترويج وبالتالي تحريك شكل معين من الإنتاج الفني دون غيره، ولهذا طبعاً حسنات وسيئات. هذا النص نقدي.
وأيضاً ربما الترويج الذي يقوم به الفنان لنفسه؟
نعم، هناك ظاهرة جديدة آخذة في الانتشار ألا وهي تجميع المواد الفنية والأعمال الفنية الفلسطينية، ومثال على ذلك المرحوم رمزي دلول. لهذا الموضوع أهمية كبيرة، ولفترة معينة، لا أعرف أين ستأخذنا هذه المرحلة، لكن كان تجميع الفن جزءاً مهم من عملية إنتاجه.
لكل ممارسة طبعاً حسنات وسيئات، لكن كيف ترى أو تقيّم عمليات التجميع؟ ربما هو أسهل لعملية البحث لكنه أيضاً يتحكم في كمية وماهية ما يتاح من هذه المواد للباحثين.
يعتمد الفنانون المهنيون على بيع أعمال فنية ولا يعيبهم هذا الأمر. تاريخياً، وفي كل الحضارات، بيعت الأعمال الفنية وربما يجب أن تباع، لأنه نتاج فكرة و/أو حرفة. كذلك لا يملك الفنانون كل الوسائل اللازمة للمحافظة على أعمالهم الفنية. في أوروبا مثلاً، يزور الناس من جميع الأجيال والخلفيات المتاحف وصالات العرض.
صحيح، ولكن اليوم تظهر أصوات ودراسات كثيرة تطالب هذه المتاحف والمجموعات بإعادة النظر في طريقة التجميع والعرض والدراسات التي تنتج عن هذه المجموعات. كذلك يُعرف عن بعض المجموعات أن ظروف جمع الأعمال ارتبطت باستغلال ظروف الفنان أو الانقضاض على ظروف معينة.
سأتكلم عن تجربتي الشخصية. كفنان، أبيع أعمالي أكثر في ألمانيا والصين وتركيا وكندا، ربما تصل عدد الأعمال المقتناة لي في أوروبا إلى ١٥٠ عملاً، لكن لا أعتقد أن هناك أكثر من ١٠ أعمال لي في المجموعات العربية لا سيما غير الفلسطينية. لا أعرف كثيراً عن طرق التجميع لكني أيضاً أعرف أن الفن الفلسطيني متاح بأسعار منخفضة نسبياً.