يقول مصطفى مراد الدباغ في كتابه “موسوعة بلادنا فلسطين” إنّ “زرعين” هي من الكلمة الآرامية “يزراعيل”، أي “إله الزراعة”، ولهذا فإنّ المنطقة التي فيها موقع القرية يُعرف تاريخيا باسمه الكنعاني “مرج يزراعيل” أي “مرج زرعين” وبتسميته العربية المألوفة إلى يومنا هذا “مرج بني عامر”. أمّا لفظ الاسم فعلى النحو التالي: كسر أولّه وقبل آخره”، أيّ “زِرْعين”. في حين أنّ بعض المصادر أشارت إلى أنّ “زِرعين” تعني “الفلاحين والمزارعين”. وفي التسمية دلالة على خصوبة أراضي المنطقة التي فيها تمّ تشييد القرية. وأيضًا الربط بين خصوبة أراضيها ونشاط فلاحيها ومزارعيها ورعاة مواشيها. وورد ذكرٌ لها في التوراة – العهد القديم، وكذلك في نقوش وأشكال تصويرية من فترات سابقة.
موقعها ومساحتها
تقع “زرعين” على بُعد أحد عشر كيلومترًا إلى الشمال من مدينة جنين، وهي تابعة لقضاء جنين وفقًا للتقسيمات الإدارية من فترة الانتداب البريطاني. وترتفع 75 – 110 مترًا عن سطح البحر الأبيض المتوسط. وتبلغ مساحة أراضيها 23820 دونما، تسرب منها لليهود حتى عام النكبة بالبيع والشراء ما يقرب من 1711 دونمًا. وقد خُصِّص للطرق والوديان ما يقرب من 175 دونمًا فقط. أمّا باقي الأراضي فقد استغلّـها مزارعوها لزراعة الحبوب والمقاثي والزيتون وغيرها، كما وخُصِّص جزء منها لرعاية المواشي لما تمتاز به من خصوبة وسهولة التنقل في مساحاتها المستوية. واستقت القرية من “عين الميتة” التي تمّ الاعتناء بها في فترة الانتداب البريطاني.
عين “الميتة” مبعثُ “الحياة”
وهي من أكثر المواقع شهرة، كعين جارية . تقع على مسافة 2 كم شمال القرية . وتعتمد زرعين في استهلاك الماء عليها سواء في الشرب أو الاحتياجات البيتية حيث كان الناس ينقلون الماء إلى بيوتهم بواسطة القطاريز أو الحيوانات، أو لريّ المحاصيل الزراعية، كما أنـّها كانت مورد السقي الرئيسي لقطعان الماشية التي كانت تـُخيّم في زرعين في مواسم الرعي. وقد استقطبت هذه العين الكثير من المزارعين والرعاة من قرى ومناطق قريبة وبعيدة عن القرية. ويصف الرحالة روبنسون الذي زار المنطقة في القرن التاسع عشر هذه العين وتطور استخدامها بالقول: “غادرنا زرعين صباحًا واتجهنا شرقًا إلى ينبوع في أسفل القرية، ووصلنا خلال 20 دقيقة مارين بمنحدرٍ حاد ووعر، وكانت المياه عذبة تندفع من ينبوع كبير، وتنسابُ كخيوط من عدّة أماكن لتُشكل مجمع مياه صغير، لقد قيل لنا بأنّ هذا الينبوع كان في الماضي يجفُّ طوال فصل الصيف. وقد قام السيد حسين عبد الهادي، بحفر الينبوع إلى عُمقٍ بحيث أصبح الماء يندفع بقوة وأحاطه ببناء ليجعل المياه تنساب باستمرار، وبناء عليه أصبح الينبوع يحمل اسم ” عين الميتة ” لكونه كان جافًّـا ثم أُحيي من جديد “. وتحيط بأراضيها القرى التالية: نورس والمزار وتعنك وعدد من المستعمرات اليهودية.
عدد سكانها
وفقًا لإحصائيات التعداد السكاني الأول الذي أجرته حكومة الانتداب البريطاني في 1922 بلغ عددهم 722 نسمة، وارتفع العدد في الاحصاء الثاني الذي أجرته الحكومة ذاتها ليصل إلى 975 نسمة، منهم 469 ذكرًا و 506 إناثًا. أمّا في الإحصاء الأخير الذي أجرته هذه الحكومة فبلغ تعدادهم قرابة 1420 نسمة تقريبًا. وآرتفع إلى 1468 نسمة في عام النكبة، أيّ 1948. ومعظم سكان زرعين قدِمَ إليها من مصر، خصوصًا زمن الحملة المصرية (1830) التي قادها إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر. ثمّ استولت في العام 1858 عائلة عبد الهادي المتنفذة من عرابة جنين على مساحات شاسعة من أراضيها ووضعتها تحت سيطرتها. كذلك وفدت إليها عائلات من قرى مختلفة من أنحاء فلسطين.
شيء من التاريخ
تعتبر “زرعين” من المواقع القديمة جدًّا، إذ فيها مكتشفات تؤكد وجود بشري فيها يعود إلى 3500 سنة قبل الميلاد، أيّ إلى الفترة الكنعانية. كذلك تُشير المصادر التاريخية إلى أنّ فيها تداولت جيوش كثيرة كالآشورية والمصرية والرومانية والبيزنطية والإسلامية وغيرها. ووقعت فيها معارك عدّة وأيضًا في محيطها زمن صلاح الدين الأيوبي في مواجهاته لجيوش الفرنجة. كذلك وقعت فيها معركة عين جالوث المشهورة تاريخيًا. وهي من المعارك التاريخية الفاصلة، إذ تمكّن المسلمون فيها من وقف الزحف المغولي باتجاه جنوبي فلسطين ومصر. حيث وقعت المعركة بين أراضي قريتي زرعين ونورس بين الجيشين المصري بقيادة الظاهر بيبرس، والمغولي بقيادة هولاكو وذلك في 1260م بعد سقوط بغداد بأقل من سنتين. ويُطلِق سكان المنطقة على الموقع اسم “عين جالود”، أمّا الصهيونيين فيُطلقون عليها “عين حارود” وهو اسم لإحدى مستعمراتهم التي أقاموها هناك. وقعت زرعين منذ 1517م مثلها مثل محيطها في المشرق العربي، تحت نفوذ الاتراك العثمانيين وحكمهم . واعتبرت زرعين في سنة 1538م قرية من قرى ناحية مرج بني عامر، وبلغ عدد سكانها آنذاك 45 نفراً.
ووقعت زمن الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت على شمالي فلسطين في 1799 عدّة معارك في محيط قرية زرعين. ولحق بالقرية ومناطقها خراب ودمار ملحوظ، إلاّ أنّ السكان عادوا وأقاموا ما خرّبته هذه الاعتداءات فور مغادرة الحملة لأراضيهم. وأضاف إبراهيم باشا عددًا من العائلات المصرية عليها، كما أشرنا إلى ذلك سالفًا. وهناك من يقول إنّ أحد عساكر ابراهيم باشا رفض العودة إلى مصر عام 1840م عندما انسحب المصريون، وفضّل الإقامة في القرية حيث تزوج وأنجب أطفالاً . وهكذا نشأت القرية وتوسّعت وكثُر عدد سكانها. ويقول البعض إنّه حين غادر إبراهيم باشا فلسطين كان هناك نفرٌ من الجنود من 4- 5 أشخاص قد اختبأوا في ميناء عكا، وبعد ذلك ساروا حتى وصلوا موقع زرعين الذي كان مهجوراً وغير مسكون آنذاك. وهذه مجرد تفسيرات وتأويلات يتناقلها أهالي القرية والجوار منذ فترة طويلة.
آثار القرية
تنتشر في القرية آثار كنعانية وأيضًا اسلامية من عصور قديمة، وكذلك آثار من الفترة الصليبية. حيث أنّ الصليبيين اسموها “جيرين الصغيرة” تمييزًا لها عن “جيرين الكبيرة” ويقصدون “جنين”. وفي أراضي القرية آثار لكنيسة من العصور الوسطى، بالإضافة إلى صهاريج ومعاصر خمور وغيرها من الآثار.
المعالم الدينية
كان في القرية مسجد وثلاثة مقامات، وثلاثة مقابر:
مسجد القرية: أحد المساجد القديمة في المنطقة، ويعود تاريخ تشييده إلى أيام ظاهر بيبرس عندما تصدّى للحملة المغولية في 1260م في معركة عين جالوت التي أشرنا إليها سابقًا. لم يبقَ من مسجد القرية إلا رُكام.
مقام الشيخ إبراهيم السعدي: وموقعه في المقبرة العامة غربي القرية.
مقام الشيخ الحلبي: موقعه إلى الشرق من القرية.
مقام أبو شيبان: قريب من مقام الحلبي السابق ذكره. ويسود الاعتقاد بين اهالي القرية أنّ صاحب هذا المقام كان من المجاهدين ضد الجيش المغولي الذي اعترضه جيش المماليك بقيادة بيبرس.
المقبرة العامة: لم يبقَ منها إلاّ بقايا حجارة، في حين أنّ معظمها قد سوّته جرافات اسرائيل بالأرض.
المقبرة الشرقية قريبًا من مقام الشيخ الحلبي.
عائلات القرية
فايد، الشعبي، أبو عطية، أبو سرية، مطاحن، غريب، العموري، الزريقي، الزرعيني، الديراوي، الشلبي، الكلش، ألأسمر، القوصيني، الجبر وغيرهم.
احتلال القرية وسقوطها
يُلخص وليد الخالدي في كتابه” كي لا ننسى” عملية احتلال القرية على يد القوات اليهودية وسقوطها وطرد سكانها على النحو التالي:
في آذار 1948، ذكرت مصادر جيش الإنقاذ العربي أنّ “اليهود ما زالوا يحاولون، منذ السابع عشر من هذا الشهر، إزالة هاتين القريتين “زرعين” و”نورس”. لكن سيل الهجمات هذا توقف، فيما يبدو، نحو عشرة أيام في 19 آذار، بعد أن مُنيت الهاغاناه بخسائر فادحة. وفي 19 نيسان، أصدرت قيادة البلماح العامة أمراً نصَّ، في جملة ما نصّ، على أنّه “عند احتلال زرعين يجب تدمير معظم منازلها وترك بعضها سالماً من أجل المنامة والدفاع”. وهذه الأوامر هي مما يذكره المؤرّخ الإسرائيلي بني موريس، الذي يشير إلى أنّ القرية احتُلّت في أثناء هجوم عسكري شُنّ في الشهر اللاحق .
واستناداً إلى كتاب “تاريخ حرب الاستقلال” فإنّ الكتيبة الرابعة من لواء غولاني، وهي الكتيبة نفسها التي استولت على قرية نورس المجاورة، استولت على زرعين في 28 أيار 1948. وقد حدث ذلك في أعقاب احتلال وادي بيسان إلى الشمال الشرقي، وفي سياق التمهيد للهجوم على مدينة جنين. وتؤكد صحيفة “نيويورك تايمز” ذلك، مُستشهدة ببلاغ رسمي صدر عن الجيش الإسرائيلي في 28 أيار وأعلن الاستيلاء على القرية، مضيفاً أنـّها تقع “على أحد الحدود الفاصلة التي وضعتها الأمم المتحدة في إطار مشروع التقسيم”. ولم يصادف المهاجمون “مقاومة تذكر” في زرعين، استناداً إلى البرقية التي استقت معلوماتها من مصادر إسرائيلية في حيفا. وذكر تقرير آخر من تقارير “نيويورك تايمز” أنّ القوات العربية قامت بعد يومين، أيّ في 30 أيار بهجوم مضاد على المحتلين الإسرائيليين، لكنها أخفقت في ذلك كما يبدو. وثـمّة أيضاً بعض الدلائل على محاولتين أٌخريين فشلتا في استعادة السيطرة على القرية في تموز. فقد ذكر كتاب “تاريخ حرب الاستقلال” أنّ القوات العراقية حاولت استرداد زرعين في 10 تموز، لكنها عجزت عن اختراق خطوط الدفاع الإسرائيلية. وأوردت “نيويورك تايمز” نبأ هجوم عراقي ثالث في 19 تموز، في اليوم الذي عقب بداية الهدنة الثانية. وفيما بعد، مرّ خط الهدنة جنوبي زرعين. وقامت القوات الإسرائيلية بطرد من بقي من السكان. فمنهم من توجه إلى جنين، وبعضهم باتجاه طرعان.
بعد سقوطها
تمّ تدمير معظم بيوت القرية مباشرة بعد سقوطها، وما بقي منها تمّ استعماله لحاجات المستعمرات التي أنشأت على أراضيها وخصوصًا مخازن للمحاصيل والادوات الزراعية. وأقيمت على أراضيها مستعمرة “يزراعيل” في 1948، في حين أنّ مستعمرة “افيتال” كانت قد تأسست في 1933 على أراضي زرعين المسربة لصالح الصندوق القومي الصهيوني.