خالد فرّاج: لمؤسسة الدراسات الفلسطينية ستّون عاماً من البحث في القضية والصراع مع الاحتلال

حقوق الصورة، وباقي صور المقابلة، لمؤسسة الدراسات الفلسطينية.

سليم البيك

محرر المجلة

وبالتالي، يمكننا القول إنه وبفضل الاستقلالية والثقة والمصداقية وزخم الإنتاج المعرفي استطعنا الحفاظ على مكانة المؤسسة، وعلى قدرتها على التجدد ومواكبة متطلبات التواصل مع أوسع جمهور ممكن، فلسطينياً وعربياً ودولياً. 

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

18/01/2023

تصوير: اسماء الغول

سليم البيك

محرر المجلة

سليم البيك

روائي وناقد فلسطيني، مقيم في باريس. محرّر "رمّان الثقافية". يكتب المقال الثقافي والسينمائي في "القدس العربي". له ٥ كتب، آخرها روايات: «عين الديك» (٢٠٢٢ - نوفل/هاشيت أنطوان، بيروت)، و«سيناريو» (٢٠١٩ - الأهلية، عمّان)، و«تذكرتان إلى صفّورية» (٢٠١٧ - الساقي، بيروت). نال مشروعه «السيرة الذاتيّة في سياق الجمعيّة: بحثٌ في السينما الفلسطينية» في ٢٠٢١ منحةً من مؤسسة "آفاق". مدوّنته: https://saleemalbeik.wordpress.com

ستون عاماً مرت على تأسيس “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” في بيروت سنة 1963، والتي تُعتبر من أولى المؤسسات التي وثقت القضية الفلسطينية والصراع العربي-الصهيوني بشكل مستقل وموضوعي وعلمي صارم، وقدمت للقارئ والمثقف والباحث والطالب الجامعي العربي والأجنبي نصاً يتصف بالعلمية والموضوعية عن القضية الفلسطينية والهوية الفلسطينية والصراع مع الصهيونية. 

مرت المؤسسة بمراحل متعددة عبر مسيرتها، بدءاً من تأسيسها سنة 1963 على يد ثلاثة من كبار المثقفين الفلسطينيين والعرب، قسطنطين زريق ووليد الخالدي وبرهان الدجاني، ثم انضم إليهم فيما بعد سيدات ورجال فكر بارزات وبارزين من العالم العربي، وذلك بهدف البحث في سبل مواجهة التحدي الناجم عن قيام دولة إسرائيل على القسم الأكبر من أرض فلسطين، وطرد سكانها ونكبتهم، فرأوا أن من أنسب هذه السبل إنشاء مؤسسة بحثية عربية توثق الأحداث وتدرس الوقائع وتجيب عن الأسئلة الصعبة التي خلّفتها النكبة. وخلال ستين عاماً، وثّقت المؤسسة فلسطين وقضيتها عبر الكتب والمنشورات، وتصدت لروايات الاحتلال الصهيوني، وقدمت مشاريع بحثية تحليلية مبتكرة هدفت إلى تحديد العوامل المؤثرة في سياسات الجهات الفاعلة في الصراع العربي-الإسرائيلي. واستطاعت المؤسسة عبر مسيرتها الطويلة التأقلم مع الواقع والصمود في منطقة سمتها الأساسية عدم الاستقرار. ومن جهة أُخرى، وخلال تطورها، استطاعت المؤسسة مواكبة العالم الرقمي والتعامل معه من خلال إطلاق عدة مشاريع رقمية، مثل الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، والأرشيف الإلكتروني للتاريخ الاجتماعي لفلسطين، وأرشيف جريدة القدس والصحف الفلسطينية الأُخرى التي كانت تصدر قبيل النكبة، بالإضافة إلى العديد من قواعد البيانات التي تهم الباحثين وغير الباحثين.

للحديث عن كل هذا الإرث الفكري والتاريخي والثقافي، كان لنا في “رمّان الثقافية” هذا الحوار مع خالد فراج، المدير العام لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، ليضعنا في أجواء عمل المؤسسة على مدى ستين عاماً، ومن دون كلل، على توثيق فلسطين وكتابتها وتقديمها إلى العالم والقراء كقضية عادلة.
 

أشرتَ في لقائنا السابق معك، المنشور في “رمان” (كانون الأول/ديسمبر 2021)، بشكل مفصل، إلى التحديات التاريخية التي واجهتها المؤسسة، من حروب وانتفاضات. نسأل هنا: ما هي أهم العوامل التي مكّنت المؤسسة خلال 60 عاماً، لا من الصمود بمعنى النجاة فحسب، بل أيضاً من الاستمرارية والازدهار، وخصوصاً أننا نتحدث عن مؤسسة تعمل في مجالي البحث والثقافة، وهما مجالان تأثيرهما أقل مما للمجال السياسي الجماهيري؟ 

خلال الأعوام الستين الماضية عايشنا متغيرات سياسية واجتماعية مهولة؛ حروب وهيمنة أنظمة استبدادية وطائفية، وتغوّل وإجرام إسرائيليَّين، إذ لم تتوقف إسرائيل ولو للحظة عن شن حروبها وعدوانها على فلسطين والدول العربية، فنذكر حرب 1967، وحرب 1973، والحرب الأهلية في لبنان، ومعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، والانتفاضتين الأولى والثانية، والحروب المتتالية على قطاع غزة. في المقابل، انهارت دول وأنظمة سياسية واستُبدلت بغيرها، لكن المؤسسة التي حملت القضية الفلسطينية، صمدت فكرياً، وحافظت على هويتها العربية، وساهمت في إبقاء قضية فلسطين في طليعة قضايا العرب. وعملياً، حافظت المؤسسة منذ تأسيسها على استقلاليتها ككيان بحثي وعلمي موضوعي، بمعنى أنها مؤسسة غير تابعة لأي جهة حكومية أو لأي منظمة سياسية حزبية. فقد رفضت التمويل المشروط، ونأت بنفسها عن أي خلافات حزبية أو صراعات طائفية، واستقلت بذلك بمصيرها عن مصير أي دولة.

والواقع أن عروبة فلسطين ظلت حية في وجدان شعوبنا العربية، كما دل على ذلك ما شهدناه مؤخراً في دولة قطر التي استضافت بطولة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022، إذ كان لافتاً أن فلسطين، وبعد عدة سنوات من “الاتفاقيات الأبراهيمية”، ما زالت حاضرة وبقوة في وجدان الجماهير العربية التي حضرت المونديال، وليس هذا فحسب، بل كنا شهوداً أيضاً على الرفض القاطع للتطبيع مع إسرائيل الذي عبّر عنه العشرات من الشابات والشبان الذين رفضوا إجراء أي مقابلات أو حوارات مع الصحافة الإسرائيلية.

بالعودة إلى المؤسسة، أود الإشارة إلى أن مؤسسة الدراسات الفلسطينية احتلت مكانة متميزة وسط جمهور القراء والباحثين، فحازت على ثقة هذا الجمهور وتقديره من خلال الأبحاث المتمكنة التي نشرتها، والإنتاج المعرفي الغزير الذي أنتجته، والذي تميّز بالتزامه بمعايير علمية صارمة.

وعلى الصعيد الإداري، التزمت مختلف هيئات المؤسسة بالعمل المنتظم، سواء في مجلس الأمناء، أو اللجنة التنفيذية، أو لجنة الأبحاث التي تجتمع مرتين في السنة. لقد شكلت أعمال هذه الهيئات المتعددة، وعلى مدى عقود، الذاكرة البحثية والإدارية والتنفيذية للمؤسسة، وهي الذاكرة التي يستند إليها حالياً، بما تشمله من خبرات متراكمة، الجيل الجديد من الباحثين والعاملين في المؤسسة، وهو ما مكّنهم من الانطلاق بسلاسة للعمل في مجالات بحثية جديدة، واستخدام أوعية ووسائل نشر حديثة. فبفضل هذه الذاكرة والتجارب البحثية الطويلة استطعنا الانتقال بشكل سلس ومرن إلى الفضاء الإلكتروني، والشروع في تنفيذ مشاريع رقمية تواكب ثورة الاتصالات، مثل مشروع الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية الذي أطلقناه في حزيران/يونيو 2022 بالشراكة مع المتحف الفلسطيني باللغتين العربية والإنكليزية بعد عشرة أعوام مضنية من العمل، ويتجاوز عدد كلمات هذه الموسوعة اليوم المليون كلمة، وزارها منذ إطلاقها نحو 160.000 زائر. وتتميّز هذه الموسوعة التفاعلية بكونها مشروعاً مستمراً يتم إغناؤه باستمرار، وثمة سعي إلى إتاحته باللغتين الفرنسية والإسبانية في المستقبل. 

وبالتالي، يمكننا القول إنه وبفضل الاستقلالية والثقة والمصداقية وزخم الإنتاج المعرفي استطعنا الحفاظ على مكانة المؤسسة، وعلى قدرتها على التجدد ومواكبة متطلبات التواصل مع أوسع جمهور ممكن، فلسطينياً وعربياً ودولياً. 
 

صور المؤسسين.

إذن نحن نتحدث عن استقلالية البحث العلمي وصرامته وعن الثقة كعوامل صمود وتقدم، لكن ما هي تجليات هذه القيم على أرض الواقع؟ أي ما هي الركائز التي استندت إليها المؤسسة طوال الأعوام الستين الماضية؟ تحدثتَ مثلاً عن مشروع الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، ماذا يمكن أن نضيف أيضاً من منشورات وأبحاث وكتب ومشاريع؟  

منذ سنة 1963 وحتى الآن أصدرت المؤسسة نحو 800 كتاب مرجعي حول القضية الفلسطينية والصراع العربي-الصهيوني، وجميعها تشكل مراجع حيوية وأساسية لدراسة القضية والرواية الفلسطينية والصراع العربي-الصهيوني. وهناك العديد من الجامعات الفلسطينية والعربية تُدرج إصدارات المؤسسة ضمن مناهجها كمصدر للبحث العلمي الموضوعي. فعلى سبيل المثال، ثمة العديد من الجامعات الفلسطينية التي تُدرج في منهاجها كتاب “دليل إسرائيل العام” أو فصولاً منه، وهو كتاب يصدر كل خمس سنوات عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية ويُعنى بدراسة المجتمع والنظام السياسي والقضائي والتعليمي في إسرائيل بصورة موضوعية، بالإضافة إلى مختلف مناحي الحياة السياسية الإسرائيلية، بهدف فهم المستجدات داخل المجتمع الإسرائيلي. ويقوم بإعداد هذا الكتاب مجموعة من الكتّاب والباحثين الفلسطينيين المتخصصين بالشأن الإسرائيلي، ونحن حالياً بصدد إصدار النسخة الخامسة من هذا الدليل (دليل إسرائيل العام 2025).

كما يمكننا الحديث هنا عن مكتبة المؤسسة التي تُعتبر من أهم المكتبات في العالم المتخصصة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي-الصهيوني، والتي أُنشئت منذ تأسيس المؤسسة، وتشمل مركز قسطنطين زريق للتوثيق وجمع المعلومات، وتضم حالياً أكثر من 79.000 مجلد ومئات الدوريات والصحف والوثائق والأرشيفات والصور والخرائط، وجميعها متاحة أمام الزوار.
 

مكتبة قسطنطين زريق

كما تجدر الإشارة إلى عشرات المؤتمرات السنوية التي نظمتها المؤسسة، وإلى سلسلة طويلة من الندوات والفعاليات مع الجمهور، والتي نُظمت بمشاركة العشرات من الأصدقاء والكتّاب والمترجمين والباحثين من فلسطين والعالم. فقد كان للمؤتمرات التي نظمتها المؤسسة دور كبير في إدراج قضايا كبيرة على الأجندة الوطنية، أو على أجندة البحث العلمي. فعلى سبيل المثال، عقدت المؤسسة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر ومطلع تشرين الثاني/نوفمبر الماضيين مؤتمر “مراجعة الانتداب البريطاني على فلسطين“، بمناسبة مرور مئة عام على قيام عصبة الأمم بإقرار صك الانتداب، بالتعاون مع كبريات الجامعات الأميركية والكندية والبريطانية والفلسطينية (براون، وكولومبيا، وإكستر، وساوس، وتورونتو، وبيرزيت)، وكان الحضور وجاهياً وافتراضياً، في حرم جامعة بيرزيت على مدى ثلاثة أيام، وقُدّمت خلال هذا المؤتمر 71 ورقة باللغتين العربية والإنكليزية مع وجود ترجمة فورية.

قد يتّضح من خلال عملكم، التوجه إلى كتّاب باحثين مشاركين أو مستفيدين من منشورات وكتب المؤسسة لغايات بحثية، فهل هناك سعي للتوجه إلى قراء من غير الباحثين أو ربما من الجيل الشاب؟ 

قبيل جائحة كوفيد 19 بقليل كنا قد بدأنا بالعمل على تطوير الموقع الإلكتروني لمؤسسة الدراسات الفلسطينية وتحديثه بطريقة تلائم التطورات التكنولوجية والثورة في عالم الاتصالات والتواصل، وعلى الرغم من الخسائر التي فرضتها الجائحة، فإنها كانت فرصة للمؤسسة لإعادة التفكير في طرق تواصلها مع الجمهور بفئاته المتنوعة وأماكن وجوده المتعددة. وبجهود الزملاء، ومن خلال العمل الجماعي، بدأنا باستقطاب فئة الشباب بشكل ممنهج عبر “مدونة فلسطين الميدان“، وأطلقنا أول ملف اجتماعي/سياسي/اقتصادي بعنوان “كورونا في الحياة الفلسطينية” ضم حوالي 66 مقالة ساهم فيها كتّاب وكاتبات شباب من فلسطين ولبنان وبعض الدول العربية، رصدوا فيها مبادرات وحملات وظواهر في فلسطين ولبنان منذ بداية الأزمة في سنة 2020، الأمر الذي شكل فرصة لنا لاكتشاف مجموعة كبيرة من الكتّاب الشباب المتمكّنين. وهكذا، فتحنا المدونة لتكون منصة لجيل جديد من الشبان والشابات، واستطعنا عبر هذا الباب استقطاب بعض هؤلاء لكتابة مشاريع بحثية أطول نُشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية، ومن هؤلاء أيضاً مَنْ انضم إلى فريق عمل المؤسسة. ويتيح مشروع المدونة للشباب والكتّاب الجدد نشر كتاباتهم بشكل أكثر مرونة، إذ تنشر المدونة مقالات سياسية واجتماعية وثقافية وأُخرى متفرقة بشكل شبه يومي. لقد استطعنا من خلال المدونة الوصول إلى أماكن جغرافية بعيدة، وأتاحت لنا تقنية التواصل عبر الفضاء الإلكتروني “زوم” فرصة عقد الندوات عن بُعد، بحيث لم تعد الحدود الجغرافية تشكل عائقاً أمام الحضور والمشاركة، وبات الجميع قادرين على حضور أي ندوة أو محاضرة والمشاركة الفعالة فيها.

بعد انتهاء الجائحة انتقلنا إلى العمل بصيغة “هايبرد”، أي مزيج بين الوجاهي والإلكتروني، كما في المؤتمر الأخير الذي نظمته المؤسسة بعنوان “مراجعة الانتداب البريطاني على فلسطين” الذي جمع متحدثين من جميع أنحاء العالم في حرم جامعة بيرزيت، وجاهياً وافتراضياً. 

كذلك شكلت منشورات المؤسسة ودراساتها أساساً مرجعياً لنشاطات أنصار القضية الفلسطينية في العالم، ومصدراً للمواد الإعلامية المستخدمة من قبل الناشطين للتواصل مع جمهورهم؛ فعلى سبيل المثال، تناول موقع Middle East Eye، الذي يعد واحداً من المواقع المهمة التي تتحدث عن فلسطين، مقالاً عن مجزرة الطنطورة كانت نشرته المؤسسة، وأيضاً عرضت شبكة التلفزيون الأميركية (NBC News) تقريراً عن ملكية الأرض التي ستُقام عليها السفارة الأميركية في القدس استندت في إعداده إلى أحد منشورات المؤسسة، وكذلك فعلت صحيفة جيروسالم بوست الإسرائيلية (Jerusalem Post) التي رجعت إلى أحد أبحاث المؤسسة في هذا الخصوص. وهناك أيضاً العديد من الأدباء من أصول فلسطينية في أميركا اللاتينية الذين استندوا إلى منشورات المؤسسة للكتابة عن أهلهم وتأريخ قصص تهجيرهم، بالإضافة إلى كثيرين استفادوا من منشورات المؤسسة على أكثر من صعيد.

في الإجمال، نستطيع القول إنه وعلى الرغم من كل الظروف والتحديات، فإن المؤسسة نجحت في إعادة بث روح جديدة في مختلف مجالات عملها.

تحدثتَ عن الشباب، وعن توجه المؤسسة إلى الفضاء الإلكتروني من خلال المدونة والموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، سؤالي الآتي عن مجلة الدراسات الفلسطينية: كيف استطاعت المجلة أن تستمر على مدى 30 عاماً بوتيرة ثابتة، على الرغم من اضطرار عدد هائل من الصحف والمجلات إلى التوقف عن الصدور في السنوات الماضية لظروف مالية أو سياسية؟

مجلة الدراسات الفلسطينية هي مجلة فصلية وتتيح نشر الأبحاث بشكل موسّع. كما أن بعض أقسام المجلة مخصص للدراسات الأكاديمية المحكمة، وفي الحقيقة لا يمكن عزل استمرارية المؤسسة عن استمرارية المجلة، فهناك كادر كامل في المؤسسة يعمل على المجلة من هيئات تحرير ومحكّمين ومدققين يشكلون فريقها التنفيذي والتحريري والتخطيطي.

وعلى مر السنين طرأت تغيرات على المجلة من حيث مواكبتها للمواضيع المستجدة، وتناولها لمجالات بحثية لم تركز عليها سابقاً. كما اهتمت المؤسسة بضخ دم جديد في هيئات تحرير المجلات الثلاث التي تصدرها، إذ إن كل مجلة لها هيئة تحرير مستقلة عن الأُخرى وتجتمع هيئات تحرير مجلات المؤسسة مرة واحدة على الأقل معاً في السنة للنقاش والمراجعة، فتضع خططاً للأعداد المستقبلية، وتبحث في سبل التعاون في مجال الترجمات أو إعادة النشر. وفي عام 2007 دفعت بنا الصعوبات المالية إلى اتخاذ قرار بوقف إصدار المجلة الفرنسية Revue d’études palestiniennes، على الرغم من أهميتها وسط الجمهور الفرانكوفوني، وما زلنا نفكر في كيفية إعادة استئناف إصدار هذه المجلة نظراً إلى أهميتها في المشهد الفرانكوفوني. 
 

من المنشورات

تَحدثنا عن أبرز المشاريع والنشاطات في السنوات الأخيرة الماضية، وخصوصاً فيما يتعلق بالمكتبة والمدونة، وذكرتَ أن مشروع الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية هو مشروع مستمر ومفتوح أمام التجديد والإغناء، فهل هناك مشاريع أُخرى تخططون لها في إطار رؤية الاستدامة؟

هناك ثلاثة مشاريع تنطوي على رؤية الاستمرارية: المشروع الأول مرتبط بمكتبة قسطنطين زريق، وتحديداً بمركز التوثيق وجمع المعلومات، فلدينا مشروع نعمل عليه حالياً ولم نطلقه بعد وهو رقمنة محتويات المركز وما يشمله من وثائق، مثل الملصقات والصور وكتيبات المنظمات الفلسطينية والخرائط، وسيتم العمل، خلال العام المقبل، على رقمنة مجموعة من الأشرطة الصوتية كجزء من عمل المؤسسة في التاريخ الشفوي.

والمشروع الثاني يتمثل في المؤتمر السنوي الذي تنظمه المؤسسة كل عام والذي يتناول موضوعات متنوعة وقيّمة، وهذه السنة سيتناول مؤتمر المؤسسة السنوي كل ما أُنتج وما لم يُنتج بحثياً حول النكبة، وذلك بمناسبة بمناسبة مرور 75 على النكبة و60 عاماً على تأسيس المؤسسة. 

أمّا المشروع الثالث فيتجلى في الوقفية الفنية؛ ففي السنوات القليلة الماضية، أدخلنا مفهوماً جديداً للاستمرارية من خلال علاقتنا بالفنانين، إذ أطلقنا في سنة 2022 مبادرة للوصول إلى 500 فنان في العالم للتبرع بأعمال فنية ستُباع في مزادات ويتم رصد ريعها لمصلحة المؤسسة. وقد نجحنا في الوصول إلى فنانين كبار من جميع أنحاء العالم، وكانت لافتة الاستجابة الكبيرة لهذه المبادرة والتفاعل الكبير معها، إذ بتنا نطمح اليوم إلى الوصول إلى 1000 فنان وفنانة. وهذا الأمر لم يكن ليتم لولا الثقة بالمؤسسة ومصداقيتها وإنتاجها البحثي القيّم بشأن القضية الفلسطينية، بما يشمل الثقافة والفنون البصرية، بالإضافة إلى تعاملنا مع هؤلاء الفنانين لا بصفتهم داعمين للمؤسسة فحسب، بل أيضاً بصفتهم متضامنين مع فلسطين وقضيتها وقادرين أن يشكلوا معنا قاعدة جماهيرية ضاغطة، وأيضاً كمتضامنين مع بيروت، مدينة الثقافة العربية، التي نتوجه إليهم ونخاطبهم من مكاتبنا فيها. وكنا قد أنشأنا قبل عام في مبنى المؤسسة في بيروت قاعة سمّيناها ” فلسطين.. الكلمة الرمز” لعرض الأعمال الفنية، ومنها نخط رسالة وفاء لبيروت تلك المدينة التي احتضنت المؤسسة على مدى 60 عاماً. 

في السنوات الثلاث الماضية صمدت المؤسسة في وجه تحديات جدية: الجائحة، وانفجار المرفأ في بيروت، والحرب على غزة، وعلى الرغم من كل ذلك استطعنا الوقوف، ونظّمنا -كما ذكرت سابقاً- في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مؤتمراً أكاديمياً ودولياً عن الانتداب البريطاني على فلسطين، كنا خلاله على رأس ائتلاف مكون من جامعات ومراكز أبحاث مهمة. كما كنا قادرين على مواكبة أي حدث آني ومستجد، فأصدرنا في فترة قصيرة كتاباً عن استشهاد شيرين أبو عاقلة، ونظمنا ندوة حول الصراع على حقول الغاز البحرية بين إسرائيل ولبنان في بيروت، وهي الندوة الرابعة ضمن سلسلة ندوات تناولت هذا الموضوع، وسيتم إصدار الأوراق المشاركة في هذه الندوة في كتاب. كما اهتمت المؤسسة بقضية إغلاق الاحتلال الإسرائيلي مكاتب المنظمات الأهلية الست في فلسطين بحجة “الإرهاب”، فأصدرنا مونوغرافاً باللغة الإنكليزية عن هذا الموضوع. وهكذا، نحاول دائماً أن نواكب مستجدات المشهد البحثي الفلسطيني.  

منذ اجتماع لجنة الأبحاث في حزيران/يونيو الماضي دار نقاش عن أولوياتنا واستراتيجياتنا البحثية، واتفقنا على عدة محاور تتناول فلسطين، إقليمياً وعربياً ودولياً، من خلال إصدار سلسلة مراجعات ودراسات تطرح آليات الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين وعلى الأرض، وذلك استكمالاً لما نشرناه سابقاً عن الأغوار والمياه الفلسطينية.

في ضوء الحديث عن الاستراتيجيات والأولويات البحثية وعن أوراق السياسات والمؤتمرات وغيرها، كيف تفكرون في القالب الذي تخرج فيه المواد المعرفية، لفئات عمريّة أخرى ربّما؟

يعكس طائر الفينيق، الذي يجسّد شعار المؤسسة، مرونتها وروحها المتجددة وديناميكيتها، إذ يرمز هذا الطائر إلى الحياة المستمرة على الرغم من الموت، وبالتالي تحرص المؤسسة على استخدام قوالب متجددة تُصدر من خلالها هذا الإنتاج المعرفي، وثمة سعي للعمل على إنتاج منصة صوتية “بودكاست”، بالإضافة إلى وجود مخططات أولية للعمل مع اليافعين والأطفال في نشاطات لها علاقة بالقضية الفلسطينية. فالاستراتيجية البحثية تناقش أيضاً الشكل الفني الذي يمكن عبره حفظ الذاكرة للأجيال القادمة وتوظيفها كي يستفيدوا منها.

في إطار حديثك عن المشاريع والشراكات والاستراتيجيات البحثية، ما هي رؤية المؤسسة للحفاظ على استمراريتها المالية، وهل هي رؤية مضمونة ووافية؟ وهل ثمة خطط أُخرى ربما بهذا الشأن؟

الوقفية الفنية ليست كافية لوحدها بالتأكيد، ونحن نحاول في كل عام أن نرتّب أمورنا المالية وأولوياتنا البحثية من خلال موازنات من متبرعين أفراد، وإن كان عددهم قليلاً، وبطبيعة الحال من خلال إجراء تقليصات كبيرة في بنود ميزانيتنا. وبالطبع هناك مؤسسات ووقفيات وصناديق وفية للمؤسسة، منها صندوق قطر للتنمية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي في الكويت، فهذان الصندوقان يُعدّان من الأعمدة الأساسية لميزانيتنا، بالإضافة إلى تبرعات من أمناء المؤسسة وبعض الأصدقاء في الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج العربي. لكن يبقى السؤال المطروح: ماذا لو حلت جائحة أُخرى، أو شنت إسرائيل حرباً جديدة؟ ففي هذه الحال تتغير أولويات ميزانيات الصناديق أو المتبرعين تبعاً للظروف. وعليه أخذت المؤسسة قراراً ببناء وقفية “محفظة” مالية يُستثمر ريعها في دعم موازنات المؤسسة في المستقبل، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في الحفاظ على استمرارية المؤسسة وحيويتها وتجديدها، إذ يتيح لنا توظيف جيل جديد من الباحثين والمحررين وغيرهم، ويجنبنا ضغوط تأمين موارد سنوية للمؤسسة غير مضمونة التحصيل وتستنزف طاقة فريق العمل في المؤسسة.

وبهدف بناء الوقفية المالية سنتوجه إلى عدد كبير من صديقات وأصدقاء المؤسسة، من باحثين وباحثات وأساتذة في الجامعات وسيدات ورجال أعمال ودول صديقة حول العالم، لديهم إيمان بعمل المؤسسة وفكرها، للطلب منهم بالتبرع إلى المؤسسة لمرة واحدة، مع إمكان تقسيط مساهماتهم على مدى أربع سنوات بهدف تخفيف العبء عنهم. ولدينا طموح بالوصول إلى الرقم المنشود بحلول عام 2027.

لدينا سؤال أخير بخصوص الشراكات وشبكة العلاقات: ما مدى أهمية بناء الشراكات في دعم استمرارية المؤسسة وتوسيع عملها، وخصوصاً في المرحلة المقبلة؟

ما يميز المؤسسة عبر مسيرتها الطويلة عدد الشراكات المحلية والعربية والعالمية ونوعية هذه الشراكات، كالشراكات مع مؤسسات ثقافية وفنية وأكاديمية فلسطينية، مثل مؤسسة عبد المحسن القطان والمتحف الفلسطيني وجامعة بيرزيت ومركز خليل السكاكيني الثقافي ومركز يبوس في القدس، وأيضاً التعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، إذ يتم تنظيم محاضرة سنوية عن النكبة بالتعاون مع المركز، وجاري التحضير لمنتدى فلسطين السنوي 2023 الذي سيشكل مساحة واسعة للحوار مع باحثين وأكاديميين وشباب حول فلسطين والقضية الفلسطينية من جميع أنحاء العالم. كما كان لنا تعاون مع دار النمر في بيروت، والجامعة الأميركية في بيروت، والمركز العربي في واشنطن، ومجلس الأبحاث البريطانية في بلاد الشام، ومركز الاتجاهات الجديدة في الدراسات الفلسطينية في جامعة براون، ومركز الدراسات الفلسطينية في جامعة كولومبيا، وهيرينغ بالستيان، والمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية، ومركز الدراسات الفلسطينية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية وغيرهم. وخلال عام 2022 فقط تعاوننا مع أكثر من 20 مؤسسة على تنظيم فعاليات مشتركة، ونحن منفتحون دوماً على الشراكات وأشكال التعاون التي تتميز بالجدية والالتزام.

وقد أشرنا في بداية المقابلة إلى المؤتمر السنوي الذي جرى تنظيمه بالتعاون مع العديد من مراكز الأبحاث في كبريات الجامعات في العالم.

 

معرض: تحية لأسرى وأسيرات الحرية, الذي افتتح في قاعة فلسطين.. الكلمة الرمز, في مبنى مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، نيسان ٢٠٢٢.
الكاتب: سليم البيك

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع