للروائية الإنكليزية فيرجينا وولف، راوية تتحول شخصيتها الرئيسية جنسياً، في رحلة تاريخية تلتقي فيها برموز من تاريخ الأدب الإنكليزي. فيلمنا هنا، اتّخذ من كتاب وولف، Orlando: A Biography، منطلقاً إنما بشكله المعاصر، ليضيف إلى العنوان مفردة “سياسية”، فيكون عنوانه Orlando ma biographie politique، حاملاً التحول الجنسي من صفته موضوعاً أدبياً لسرد حكاية تتخطى الأزمنة، إلى واقع سياسي بقدر ما هو اجتماعي وحقوقي.
الفيلم، في شكله، كما في موضوعه، متخطٍّ للأنواع، أو للتقسيمات الجندرية الثنائية بين رجل وامرأة، مقدماً شخصيات كويرية، غير ثنائية الجندر والجنس، تقدّم هي نفسها بصفتها أورلاندو الزمن الراهن، وهي شخصيات اختارت العبور، دون تصنيفات ضرورية لهويتها الجنسية، بين ذكر وأنثى. فيبدأ الفيلم بتناول هذه الشخصيات في حالاتها الفردية، لتتراكم الحالات وتنقلنا إلى حالة اجتماعية، لندخل أخيراً في المسألة السياسية التي يعيشها هؤلاء، بصفتهم مواطنين لا وثائق ثبوتية لديهم يقبلها المجتمع ومؤسساته، أو هي وثائق لا تعبّر عنهم كما أرادوا، بكلمة “ذكر” أو “أنثى” في صفحة يمكن ببساطة أن تكون خطأً بالاسم أو تاريخ الميلاد، فتبطل الوثيقة.
الفيلم ليس لمخرج سينمائي، إنما لكاتب وقيّم معارض وناشط إسباني، بول بريسيادو، تتناول كتبه الموضوع ذاته أو مواضيع قريبة، وهو بنفسه متحول جنسياً، وقد خرج بهذا الفيلم بعد فكرة فيلم سيريّ عن حياته بصفته تلك.
تخطى الفيلم بشكله ثنائية الفيلم الروائي الوثائقي، في فيلم (أسمّيه، تجاوزاً، وثائقياً) يحوي عناصر من هذا وأخرى من ذاك. الفيلم وثائقي لكنه مؤدّى، أي أن الشخصيات فيه تمثّل نصاً مكتوباً. وهو يحوي شخصية روائية هي أورلاندو إنّما من دون حكاية لها، بل بنقل الشخصية إلى واقعية راهنة في تصوير أقرب للوثائقي. الفيلم مبني على رواية لكنه اتخذ شكلاً مزدوجاً ما بين الرسالة المروية إلى مؤلفة الرواية، والشهادات أمام الكاميرا لشخصيات تمثّل إنما تمثّل ذاتها، هي في واقعها متحولة جنسياً وتحكي ما تعيشه بتأديته أمام الكاميرا. فتمّحي الحدود ما بين الروائي والوثائقي.
عادة ما تحوّل السينما شخصياتٍ واقعية إلى خيالية. هنا، تحولت شخصية أورلاندو الروائية، إلى شخصيات عدة، لا واحدة، واقعية، تواجه أنظمة البيروقراطية والطب والسياسة.
عُرض الفيلم ضمن تظاهرة “لقاءات” (Encounters) المعنية بالتجديد في الشكل والمضمون السينمائيين، وهي تظاهرة جديدة، في ثالث دورة لها هذا العام من مهرجان برلين السينمائي.