أسئلة الكتابة تؤرق السينما في كافة أنواع هذه الأخيرة وأزمنتها وأمكنتها وثقافاتها، أحدثها سيكون هذا الفيلم المتمحور حول كاتب فاشل. لسنا هنا أمام انسداد في الرغبة أو الوحي أو الجاهزية للكتابة قد يعاني منها كاتب جيد يكون، بذلك، بطلاً نموذجياً لفيلم. نحن هنا أمام كاتب فاشل، اسمه ليون، مشكلته ليست في أزمة كتابةٍ طرأت وكانت موضوع الفيلم، بل في فشله أساساً، وهو ما ينعكس أولاً على النص الذي تلقى رأياً سلبياً حياله من ناديا، وقراراً سلبياً من الناشر، وينعكس ثانياً على نفسيّته ونظرته تجاه الآخرين. هي نظرة منتقدة وكارهة واستعلائية. قال لناديا التي سمّت رأيها نقداً، إنه ما كان ليسميه “نقداً”، مستخفاً بامرأة تبيع الآيس كريم نهاراً وتعلو أصوات ممارسة الجنس من غرفتها ليلاً. لاحقاً سيعرف أنها تحضّر رسالة دكتوراه في الأدب.
يبث ليون طاقاته السلبية وتنمّره في كل ما يحيط به، من المشهد الأول للفيلم حين يكون وصديقه فيليكس في طريقهما إلى بيتٍ صيفي للانعزال وليشتغل الأول على روايته والثاني على مشروع فني، وتكون ناديا هناك. الادعاء والتوجس من المحيط، من الطبيعة والبيت والناس، غلب على ليون المتوتر لأنّ رأياً سلبياً بنَصّه يرتقبه من المحرر.
يُوصل الفيلم هذه المواقف الكوميدية الساخرة إنّما ضمن حالة بؤس عام يُحدثه ليون، غير المحب للآخرين بطبيعته، وهذا التناقض بينه وبين الآخرين، المرحين المحبّين، كثّر من تلك المفارقات التي ستودي أخيراً إلى نهاية تراجيدية تكسر رتابة كانت تطل بين وقت وآخر خلال المَشاهد. أما عنوان الفيلم، المشير إلى حريق يندلع بالقرب من البيت، في الغابات، سيتسبب بالتراجيديا أخيراً، كان إشارة إلى سطحية النص الروائي الذي كتبه ليون، واسمه “كلوب ساندويتش”، كي يرمي النص كما نصحه محرره وكذلك ناديا، ويكتب آخر جديداً مبنياً على التراجيديا ذاتها، كأن لا بد من مأساة كي يخرج ليون من نفسيته السلبية أولاً، ومن نصّه الرديء ليكتب آخر جيداً، ثانياً. أما الحبكة الجيدة للفيلم فبانت في القدرة على ملء ليون بأسباب النفور منه، ثم جعله شخصية رئيسية محبَّبة في النهاية، ومن دون اللجوء إلى الشفقة. وذلك كله بحوارات ذكية ومختصَرة ومتكاملة.
الفيلم (Afire) للألماني كريستيان بيتزولد، وهو في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، يأتي بعد آخر بديع له هو Undine (٢٠٢٠)، يحكي كذلك عن الرغبات والطريق إليها.