بتصوير بالأبيض والأسود، بل بتصوير “مونوكروم” أقرب إلى الصورة الفضية حيث يغلب البياض على السواد، بخلاف أفلام “النْوار” الكلاسيكية، أي البوليسية التي يغلب فيها السواد كترجمة بصرية لغموض الحبكة البوليسية (والنْوار هو الأسود) وحتى في الأفلام الملونة، ودائماً مع الظلال الغالبة متى “تفتّحت” اللقطة. هنا، كان الشكل كما هو المضمون، في قصة تحقيق بوليسي، مختلِفاً ومبتكِراً.
في عنوان الفيلم (Limbo) إشارة إلى ذلك. تعني مرحلة المابين، المتاهة التي فقدت بدايتها وكذلك نهايتها وكانت انتظاراً لجحيم لم يأت بعد. هو عنوان الفندق/الموتيل الأقرب بممراته وغرفه إلى المتاهة، المتوسط الصحراء، في ما بدا “نومانزلاند” أو أرضاً مفقودة ومقفرة، وأفقاً تلتقي عنده الصحراء بالسماء.
أناس يعيشون في بيت “مينيماليّ”، للفقر أو لأن الفيلم وأجواءه كانت كلها كذلك، آخرون يعيشون في كهف. لا شوارع معبدة ولا عمارات. نحن في الصحراء حيث لا أناس غير شخصيات الفيلم، ونحن، فوق كل ذلك، أمام محقّق أتى من المدينة لفتح ملفِ خطف وقتل طفلة قبل ٢٠ عاماً، ولا أدلة لديه سوى أشرطة تحقيق لا تقدم شيئاً، أما ما يمكن أن يزيد من أجواء التحقيق والفيلم هذه، ظرفاً قد يحسم المسألة برمتها، فهو أن الضحية كانت من السكان الأصليين في أستراليا، والمشتبَه به رجل أبيض بيدوفيلي وعنصري دون أن يصرّ بهذه وتلك ودون أن يظهرهما الفيلمُ صراحةً. في كل أسباب استحالة نبش الملف والوصول إلى القاتل، كان يحوم المحقق المعنيّ، وغير الواثق بنظام الشرطة إذ قال إن “لا فائدة” من الاتصال بالشرطة للتبليغ عن سرقة سيارته، إثر وصوله.
الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، وبالسينماتوغرافيا البديعة له، هو بوليسي “أنتي-بوليسي” في شكله ومضمونه، في سير عملية التحقيق وفي نهايتها. من خلاله يصور المخرج الأسترالي الأصلاني إيفان شين العنصرية التي يتعرض لها أصحاب البلد الأصليين، في فيلم بوليسي لم تكن العنصرية موضوعة أساسية له، لكنها في الخلفية دائماً، فكانت الأشد حضوراً.