لا تدلّ السينما وحسب على قطعة موسيقية ما، ينتظر أحدنا انتهاء الفيلم متفقّداً إياها في “الكريديتس” نهاية الفيلم، أو مشغّلاً “شازام” إن لم يكن في الصالة، محاولاً اكتشاف القطعة وربّما الفرقة، ما حصل معي خلال فيلم “Afire” في مهرجان برلين الأخير، لأجد فرقة أمرّر موسيقاها أكثر من غيرها. لا تدلّ السينما على جماليات فنية موازية وحسب، كلوحة مرّت في مشهد يبحث أحدنا عنها وعن فنّانها لاحقاً. تدلّ، السينما، كذلك، على أمكنة ومهرجانات يبحث أحدنا عن إمكانية تجريبها. بذلك وجدت نفسي أحضّر للمجيء إلى مهرجان سان سيباستيان السينمائي.
للأمريكي وودي ألن فيلم فرنسي أنتظر عودتي من المهرجان لمشاهدته، سينزل إلى الصالات الفرنسية الأربعاء، “ضربة حظ” (Coup de chance)، هو فيلم أوروبي آخر لألن، لكنه الأول بالفرنسية. سبقه فيلم أوروبي آخر له، هو ما أتى بي إلى سان سيباستيان ومهرجانها، “مهرجان ريفكن” (Rifkin's Festival) الذي تجد الشخصية الرئيسية فيه نفسها في المدينة الباسكية الإسبانية خلال المهرجان السينمائي. سُحرت بالمدينة الساحلية كما جاءت في الفيلم وانتظرتُ مناسبة لزيارتها، فكان مهرجانها السينمائي بدورته التالية، التي افتُتحت أمس.
الفيلم يدلّ على الأمكنة الساحرة، والفيلم يدلّ على المهرجان. السينما الجميلة مصدر أوّلي للجماليات كيفما تمثّلت.
للمهرجان مكانة أقل من تلك التي تحملها مهرجانات كان وبرلين وفينيسيا، وقد ذهبتُ إلى أول اثنين منها هذا العام، وشاهدت فيلمين يومياً، أو ثلاثة، أو اثنين ونصف قبل خروجي من فيلمٍ مُمل مفضّلاً التجوال في المدينة. أبدأ المشاهدة في الصباح، في الثامنة والنصف أو التاسعة، لأكتب تعليقين نقديين أنشرهما في المجلّة لحظة الانتهاء من الكتابة. وهذا ما لم أجده في غير “رمّان”، إذ يمرّ وقتٌ بين الكتابة والإرسال، والاستقبال والموافقة والتحرير والنشر، وما يمكن أن يتخلل هذه وتلك في رسميات ضرورية أو سياسة تحريرية، لدى صحف ومواقع أخرى. صغرُ المجلّة بالمقارنة مع زميلاتها ميزة لها هنا.
كما أنّي لم أقدّم في المهرجانين، ولن أقدم هذا الأسبوع، أخباراً وبيانات صحافية وبرقيات لوكالات الأنباء تتناسخها الصحافة هنا وهناك، عمّن صرّح بفضيحة في مؤتمره ومن خلعت حذاءها على السجادة الحمراء، كما أني لم أتتبّع ولن أفعل، الأفلام العربية في التظاهرات الموازية، فلا أذهب إلى المهرجان حاملاً لواء العروبة باحثاً عن أفلامها. وهذه وتلك أولويّات الصحافة العربية، ويجب أن تكون كذلك بالنظر إلى اهتمامات القارئ العربي عموماً.
ما أستطيع فعله في “رمّان” وفعلته خلال كان وبرلين، كان اهتماماً بالقارئ الباحث عن السينما في المهرجان، لا عن النجوم ولا عن أشقّائه، فاخترت تقديم تعليقات نقدية سريعة عمّا أشاهده وأجد ضرورةً في التعليق عليه، مقدّماً مادة أولى عن أفلام تشهد عرضها العالمي الأول يوم نشر التعليق. هو ما سأحاوله في المهرجان الإسباني.
هذه مقدّمة للتعليقات القصيرة التالية في المجلة، حيث يمكن أن تشير السينما إلى جماليات موازية…