(1)
أنا يوسف يا أبي 20/10/2023
أنا يوسف يا أبي…
لقد دخلوا علينا الباب وأكلني الذئب ونحن عصبة!
لم أكن أعلم أن سنين عمري السبع عجاف،
وأنني لن أبقى في حضن أمي سبعاً أخر سمان تداعب فيها شعري “الكيرلي”،
وتباهي جاراتها بإشراقة وجهي ونوره الوضاء كما كان يقول كل من رآني،
أنا يوسف يا أبي لكن بياضي لم يسعفني ولم يشفع لي…
فقطعتني صواريخهم بدل أن يقطعوا هم أيديهم،
هذول أواعي يوسف، وينه؟
وين راح؟
لقيت حبيبي؟
شفته؟
طيب وديني عنده…
أنا يوسف يا أبي، وأعلم أنك قد عرفتني من بقايا تجاعيد في شعري لم تمت…
يوسف كان أجمل الأنبياء،
لكن إخوته ضيعوه ولم يكتبوا اسمه على ذراعه كي يهتدي الناس إليه…
يوسف “كان” عمره سبع سنينن، شعره “كيرلي”، أبيضاني، وحلو،
أستغرب كيف وجد له مكاناً وسط زحام الشهداء!
(2)
سلام لغزة 03/11/2023
“سلام لغزة…
فقد الاتصال بقطاع غزة الحبيب نتيجة العدوان المتواصل،
حمى الله غزة وأهلها…”
كنت كلما تمكنت من الاتصال بمحمود يبادرني بقوله:
“سلامات يا دكتور، طمنا عنكو…”
كان يسخر بالصاروخ وبالدبابة، فأستشيط غضباً وأصرخ في وجهه:
“يا زلمة إنتو طمنونا عنكم!”
يجيبني بسخريته المعهودة:
“هالوقت ولا قبل شوي؟”
هالوقت إحنا بخير،
قبل ربع ساعة كنا في “السجاعية” واشتغل القصف،
بس ربك بيعلم كيف طلعنا،
أخبرني كيف يضطر إلى التنقل من مكان إلى مكان،
ليحصل على بعض من كهرباء بالكاد تكفي لشحن هاتفه…
محمود لا يجيب على هاتفه “ألمشحون” منذ أكثر من ثلاثة أيام،
كنت أريد أن أتمنى له في بداية العام “سلاماً لغزة”،
سلاماً لوعدنا الصادق!
(3)
“دقة” غزاوية 21/11/2023
من هاتفي المشحون بنسبة مئة بالمئة،
وبمحاولات قد تصل في مجموعها إلى مئة،
نجحت بالاتصال بعد عناء بصديق لي في غزة،
عجيب هذا الصديق، والأعجب قدرته على الاحتمال وأسلوبه في الحديث:
سلامات ياخو، كيفكو؟ كيف أهلنا في الضفة؟
فاكر المخبز الي رحنا اشترينا منه خبز لما أجيت على غزة،
وقتها كان موسم الزيت وقلتلي جاي عبالك دقة غزاوية مع زيت جديد حراق…
آه؟
قبل القصف بربع ساعة عديت عليه وجبنا سيرتك،
ضحكنا كيف يومها ما تحملت حرقة صحن الشطة الي أعطاك تذوق منه…
بيحكيلي فاكر صاحبنا اللي أجا يزورك من الضفة،
بالك لو كان معنا هالحين بتحمل القصف ولا بصير معه زي يوم الشطة؟
إيش بدي أقلك،
راح المخبز وراح صاحبه أبو سمير وتلاتة من أولاده ومنصور ابن ابنه…
منصور كان في إيده خبزة “دقة” ما تركها…
(4)
حسكة “أبو صابر” 13/12/2023
الزمان: السادسة والربع صباحاً،
المكان: شاطئ ميناء الصيادين في غزة،
صوت “الدلاّل” يعلو فوق أصوات الباعة،
وأحاديث زبائن “حسبة” السمك الصباحيين…
و”حسكة” صغيرة تهتز بفعل الموج كلما اقتربت من الشاطئ،
صباح الخير يا حج،
هلا يا عمي، يسعد صباحك من عند الله…
أبو إيش البركة؟
أبو صابر… اسمي أبو صابر،
وهاي “حسناء”… “الحسكة”!
عندي سبع بنات وأمهم بس حجتي سمتني أبو صابر،
من يوم ما انولدت والاسم لازق في،
قال أنا بشبه أخوها الي طخوه اليهود لما طلعو من المجدل…
شو معك يا بركة؟
والله يا عمي اللي رزقنا ياه الكريم،
شوفة عينك، سلطان، مليطة، مرجان، مبروم، سردينة…
أخذنا كل ما جاد به البحر على أبي صابر في ذلك النهار،
صندوق مشكل من خيرات البحر بخمسين شيكلا!
توجهنا إلى الفندق،
لم يستغرب أننا اتخذنا قراراً بتناول إفطار بحري طازج،
تناولنا سمكاً صباحياً قد يكون هو الألذ في حياتنا،
سمكُ لا يحتاج إلى ليمون…
على شاشة التلفاز في رام الله،
حيث الدفء والماء والكهرباء،
رأيت مشهداً لدمار مهيب يحيل إلى ما يشبه الميناء…
حطام قوارب وبقايا مئذنة،
“حسكة” مقلوبة نجت رغم كل الدمار،
أنظروا جيداً…
إنها “حسناء” ولكن أين “ابو صابر،
لا بد أنه الآن ينظر إلى البحر من مكان آخر،
مكان حيث نخجل أن يرانا ولا نراه،
وصوت حاضر يصدح أبداً في مخيلتي كل يوم في تمام السادسة،
سلطان، مليطة، مرجان، مبروم، سردينة…
(5)
“حنعمرها” 28/12/2023
هذا زمن أطفال غزة المنسيين…
ينامون فوق الغيمات،
تعانقهم حبات المطر فيستحيلون قوس قزح…
يحلقون فوق أشجار البرتقال،
يطلقون زغاريد الشهيد وأهازيج النصر في شارع الوحدة،
لم يعودوا بعد اليوم سطراً في كتاب أو أشلاء قصيدة…
لقد تأخر محمد اليوم على مدرسته…
لم يدر ذو السنوات التسع ماذا سيقول لصديقه الذي سئم الانتظار،
ولا يطيق اللعب مع غيره…
التقاه صدفةً قرب الشمس وانطلقا،
أملاً وحياة وميلاد شعب…