المخرج الكوري هونغ سانغ-سو صاحب أسلوب خاص، كثيف الإنتاج والحضور في المهرجانات، بل ونيل جوائزها، يمكن أن يُخرج فيلمين في العام ويعرضهما في اثنين من المهرجانات الكبرى. هو حالة خاصة عالمياً في كل هذا. ولسطوة أسلوبه، يختار أحدنا مشاهدة فيلم له، من دون تردد، لمعرفة مسبقة بخصوصية ما سيشاهده.
هذه المقدمة كتبتها ويكتبها أي محب لسينما سانغ-سو، تحديداً لعفوية التصوير والأداء، فظله يقع على الشخصيات مهما كانت. الفيلم هنا أقرب ليكون عملاً مسرحياً، عبثياً لا في مآلاته بل في عاديّته. حوارات وحوارات لا بداية لها ولا نهاية، ولا منطق يجمعها، تدور حول بعضها البعض في أمكنة ثابتة، يتجوّل متلفّظوها مشياً من دون أن يحصل ما هو أشد أهمية من حواراتهم هذه، من حولهم، ومن دون أن تصعد الأحاديث إلى نقطة “حبكويّة” يمكن عندها أن ينعطف الفيلم الرتيب شكلاً، يميناً أو يساراً.
مازال الكلام هنا، من محب للأعمال الفنية السردية لهذا المخرج الخاص، الآتية على شكل أفلام سينمائية. وإن يحصل أن يخرج الوصف أعلاه عن أذواق سينمائية لقرّاء.
لكن، زاد مقدار هذه الخصائص في الفيلم الأخير، “احتياجات مسافرة” (A Traveler’s Needs) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي. الرتابة تعدّت حدّ المينيمالية المحتفظة بجمالياتها الخاصة، وصلت حد الملل، وهذا الأخير بائن على أوجه الممثلين وحواراتهم، تحديداً بطلته الفرنسية إيزابيل أوبير، التي كانت في أشد أدوارها تفاهة، هنا. أما اللغة الانكليزية في شكلها المبتدئ لفرنسية وكوريين يتكلمونها، فزادت من منسوب العبث والعادية غير المحتمَلين، بخلاف أفلام سابقة للمخرج بُنيت على اللغة الكورية أساساً، مانحةً محليةً في طبيعة المحكيّ وأمكنته.
المخرج الذي يتعامل مع أفلامه بوصفها نصوصاً أدبية أقرب ليوميات عشوائية تُصوَّر، أو أعمالاً مسرحية متقشفة -كما يمكن أن يلاحط متتبّع مسيرته- بالغ، هنا، في عادية الحوارات وتفاهتها، أقول الحوارات لأن ليس في الفيلم غيرها. كأنه، الفيلم، تجربة يقوم بها في نقلة إلى درجة أخرى، أشد تطرفاً، في أسلوبه، كأنّه تمهيد لمغالاة في الأسلوب، لكن أموراً كثيرة، في الفنون تحديداً (والطبخ)، تفقد سحرها متى زاد مقدار واحد من مكوناتها عن حده الضروري أو نقص. حتى الجماليات تفقد اتزانها متى أخلّت بما منحها امتيازها.