يسأل أحدنا “لمَ وصل هذا الفيلم أو ذاك إلى المسابقة الرسمية للمهرجان؟”. الإجابة في حالة “ماء العين” للتونسية مريم جوبر واضحة من أوّل الفيلم، وتشتدّ وضوحاً مع تقدّمه.
هو أولاً عن “داعش”، مفردة واحدة تكفي لينال الفيلم فرصة إتاحةٍ أكبر من غيره، هو ثانياً أقرب ليكون نظرةً سطحية غربية تجاه هذه الـ “داعش”. تُرسِّخ مشروعيةَ التساؤل رداءةُ الفيلم المنتشرة على طولة، لتنحصر الإجابة في الكلمة ذات الإيقاع الشديد لدى الغرب، “داعش”.
تعبير “راكب موجة” مبتذل ومتسعمَل كفاية، لكنه، لابتذال الفيلم، الأنسب له، وهو في ذلك امتداد لما بدأته المخرجة في فيلمها القصير الأسبق “إخوان”. موجة إسلاموفوبيا تعمّ ألمانيا وأوروبا، قدّمها الفيلم بشهادة زور عربية. التركيز على المرأة المنقّبة في الفيلم، بلقطات شديدة القرب، أثارت شعوراً بالانزعاج لديّ، و -لا بدّ- بالذّعر لدى عموم جمهور المهرجان البرليني.
الفيلم إسلاموفوبيّ كما يمكن لعنصريٍّ جاهل أن يخرج به. هو تنميطيّ سياحيّ ممتلئ بالمغالطات الأساسية، كأن يرتدي مقاتلو داعش حطّات بيضاءسوداء (تلك التي يرتديها من قاتلَ داعش)، أو أن يشير إليه مقاتلوه بهذه المفردة، “داعش”. تفصيلان لا يلتقطهما أهل المهرجان وجمهوره لخصوصيتهما العربية ثقافياً، لكنهما يشيران إلى خلوّ الفيلم من مصداقيته، خلوٌّ يمتد على طوله وفي تفاصيله، ليزداد الفيلم زيفاً مع كل مشهد جديد.
يحكي الفيلم عن شاب عاد مع امرأة من سوريا، كان ترك بيت أهله في القرية التونسية للالتحاق بداعش. لا شيء يدور هنا سوى السرد ملتفّاً على نفسه. يتقدم الفيلم كأنه في دوّامة علق فيها من مَشاهده الأولى ويزداد التورّط كلّما تقدّم الفيلم، فيصعب، أكثر، الخروج للوصول إلى نهاية ما.
هذا ما يجعل الفيلم الرّتيب والبطيء، يدخل فجأة في حالة تشويق مفتعلة وجريمة مفاجئة، في ما بدا تقيّؤاً لما حاول الفيلم هضمه، عبثاً، على طول ثلثيه. كأنّ الفيلم تعب من الالتفاف على نفسه فقدّم استنتاجاته كيفما يكن.
الفيلم مكوّن من مجموعة أشياء ناقصة، حوارات مقطوشة ومشاهد مقتطعة، ليكون أخيراً ناقصاً في شكله ومضمونه. يخرج أحدنا بعدة أسئلة، غير ذلك الذي بدأت به المقالة ووجد إجابته. كأنّ الفيلم عبارة عن ارتجال في المحاولات علّ إحداها تربط بين هذه النواقص أو تجعل للفيلم منطقاً أو منطلقاً يكون غير “رهاب الإسلام” بوصفه هوايةً لليمين المتطرف.
محزنٌ أن يكون الفيلم العربي الوحيد في المسابقة الرسمية بهذا المستوى، وأن يكون بمقاربة استشراقية توسّلية ورخيصة.
الانطباع الأولي مع نهاية الفيلم كان بأنه فيلم “خيال علمي”، في حواراته غير المقنعة على أرضها، وفي معطياته الزائفة، وفي لقطاته التي تعمّدت شاعريّة ما وخرجت أخيراً بمَشاهد “كيتش” لوناً ورمزاً. الفيلم الميلودرامي سياحةٌ أوروبية يمينيّة إلى عوالم داعش والتطرف الإسلامي عموماً.
يحوم الفيلم حول نفسه، تائهاً في سرديته، وذلك مع صور مقرّبة جداً، زادت الخناق السردي بخناق بصري، وهذا خطأ كارثي آخر في الفيلم. الانسداد في القصة جاورها انسداد في الصورة، ولم يسعف لا هذا ولا ذاك الأداءُ الحسن للممثلين.
الفيلم نموذج جيّد لما يتوجّب تجنّبه في الصناعة السينمائية العربية ولقضايا عربية. ناقص مصداقيةً وموثوقيةً ضروريتين، ولا سيناريو يخفّف من هذا النقص، ولا تصوير يشوّش على هذا النقص. الفيلم متكامل في نواقصه.