إلى كل من سيستلقي بين هذه السطور ويسافر بين الحروف بعيداً عن أصوات الحروب والركام، أنت جميلٌ وأنتِ جميلةٌ جداً. وجميلةُ جداً تلك المعركة مع قصائدي التي انتصرت كسربِ حمامٍ على نافذتي، ستبقى تطير طالما هنالك سماءٌ للحرية وطالما هنا سطرٌ للحب، تطيرُ بنا إلى يوم نلقى فيه تلك المدينة فلا معنى للأوطان دون حرية ودون امرأة وقصيدة.
يجمع الديوان قصائد خُطت على امتدادٍ من السنوات و الترحال عاشها الكاتب / الشاعر بين الحب والحرية والأوطان والخيبة والأحزان، جاؤوا ليكملوا شريطاً زمنياً بين الحاضر والماضي مذ بدأت رحلة المنفى والهجرة، لتكون بالنهاية انعكاساً لحياة طويلة لبست ثوب الشعر وعاشت بين الكلمات التي حملت في كل قصيدة منها حكاية أو في جزء منها حكاية وربما حكايات دمج فيها الإحساس بالمنفى والطفولة حين تعاند الزمن وسيرَ الأيام والأحزان رفقة الفرح والخيبة رفقة النجاح.
حكاية امرأة
أخاف أن أعتادكِ
أخاف التعلق فيكِ أكثر
لا شيء أخشاه يا سيدتي
سوى ألا أراكِ أكثر
أنا رجلٌ متعبٌ من كثرةِ الفقدِ
نسيتُ وطناً برائحةِ الخبزِ
وطعم السكر
وأخافُ ألا أراكِ أكثر
أن أبحثَ عنك وعني
عن طفلٌ يلهو فيَّ .. ولا يكبر
ليست كل الحكايات مكتوبة كي تُحكى فكثير من القصص والأحاديث ولدت كي تبقى أسيرة الأصابع أن تبقى في الأدراج قد تخرجُ يوماً أو أنه اتبقى ترافق خالقها إلى الأبد في حياته ورحيله، لكن الأكيد أن لها عطراً فريد يبقى أبداً تارةً يخرجُ بكلمات أو قطعة سينمائية وموسيقية، وتارةً يخرج على هيئة قصيدة، لكن المهم دوماً أن تكونَ الجميلة حاضرة دوماً فليس شرطاً أن تأتي الصورة كما أردناها فكل قصص الحب في سطور التاريخ كانت صوراً ناقصة دون نهاية، لذا هنالك جمالٌ وهو المهم أن يبقى ومادون ذلك غبار.
الجميلة
كل شيءٍ فيها جميلُ
في ضفائرها تاريخٌ
وصوتها بلابل المساء
وكل النساء إليها سبيلُ
كل شيء فيها مأساةُ
ومأساتنا أّنّا حين عشقنا
كان عشقنا مستحيلُ
شكلّ الوطن الباحة التي دار الديوان في فلكها، فحين يقول درويش أن الوطن يعني ألا يحدث كل هذا، كان لا بد أن يحدث ماحدث في دمشق وأكثر ليستنبطَ تعلقه وحبّه لمدينته بكل تفاصيلها وأفراحها ولياليها وحتى تعاستها وتعب الوجوه في شوارعها وهي تصرخ بالصمت في وجه التمرد، كان لابد من المرور بكل شوارع دمشق حتى تنضج تلك الكلمات فمن دون دمشق تبقى الحروفُ صامتة، كما الحضارات كي تكون حضارة كان يجب أن تمرّ من الشام كما قال أحد الأصدقاء.
تتشابه المدن والنساء في المخيلة هي علاقة سرابية لا يراها إلا من ما زال يملكُ مساحة كي يرى الحب ويلمسهُ سواء كان حباً لإنسان أو حتى لمكان، حيث يراكم زمن الآلات والأحهزة الذكية وعالم الافترضيات الفارغة الوقت ولم يعد هنالك سوى القليل من الوقت ليجالس الإنسان نفسه ويتعرف أكثر على ذاته وعلى الطبيعة والألوان فيها، راكمت كل من الحياة “الحديثة” والفكر السلعي أوقات الإنسان تحاول قلب المفاهيم وحولت المشاعر إلى سلع تتناسب صعوداً ونزولاً بحسب المصلحة والمكتسب والتساوي الأجوف، حتى فقد الحب معناه وملمسه وأبديته، والحب يسعى للخلود كما الإنسان كما قال أرسطو وإن لم يستمر وانتهى فهو لم يكن حباً، هذه العلاقة بين الوجود والحب التي تنبت الأخير مع كل محاولات العبث فيه، لكن – إلى الآن- قد يبدو أنه يستطيع الصمود طالما كان بين امرأة ومدينة.
همسة مع المدينة
صديقتي..
اعذريني إن كنت سافرت
حملتُ من عينيكِ ما تذكرت
حملتُ فيك أحلامي
وأيامي
مذ كنتُ صغيراً ثم رحلت
تركتُ بقايا الحربِ ونزفَ الحقدِ
وأكوامَ القهر وشعراً وركام
حملت بلدي المذبوحِ
على أرضِ السلام
بنيتُ من قصائدي
زورقاً .. ثم أبحرت
سافرتُ ما بين شقراءٍ وسمراء
بين الشرق والغرب
جالستُ أميرةً بين يدي
وراقصت غجريةً على صدري
وعانقتني كثيراً كثيراً تلك الحسناء
وبعد كل هذا العناء
عدتُ وحدي وألعابي
جلستُ فتعبت
“امرأة في حقيبتي” صدر أخيراً عن دار المصري.