من دورته الأولى، رسم مهرجان عمّان السينمائي لنفسه خطاً متمايزاً، في تَمَحوره حول الفيلم الأول، التجربة الأولى لصنّاع الأفلام وفنّانيها وتقنيّيها. هذا ما توضَّح، أكثر، في الدورة الخامسة من مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أوّل فيلم، ومن خلال جانب معرفيّ.
لطبيعته المهرجاناتية، تكون لعروضِ الأفلام ضمن مسابقاتٍ متنوعة، مساحةٌ رئيسية هي متنٌ وما دونها يُفترض أن يكون هامشاً، كالجلسات النقاشية وغيرها. أقول يُفترض لطبيعة أي مهرجان سينمائي، فالمُشاهدة أولاً، صالاتُ السينما أولاً، وما دونها يُوصَف ويُصنَّف هامشاً للمهرجان أو موازياً له.
هنا، في المهرجان الفتيّ في العاصمة الأردنية، متنٌ آخر، لا هامش. أي أنّ فيه مَتنان. وذلك للمساحة الواسعة التي يمنحها لقسمه “أيام عمّان لصنّاع الأفلام”. هنالك إذن أفلام تتميّز أولاً بكونها تجارب أولى لأصحابها أو لأحد العاملين الأساسيّين فيها، هي اكتشافاتٌ في عمومها، الطويلة منها والقصيرة، الروائية منها والوثائقية. المهرجان هنا بهويَّة واضحة تَمنح الأولوية لمن يحتاجها، لصانعات الأفلام وصنّاعها في أوّل مشاريعهم ومشاويرهم.
لكن، وبمساحة لا تقلّ عمّا يمنحُه المهرجانُ للمشاهَدة، للمهرجان متنٌ مقابلٌ ومساوٍ، يكون لورشاتِ عملٍ وجلساتٍ نقاشية وماستركلاس أو محاوَرة. بذلك يكون التفرّجُ على الفيلم، وهو جانبُ المتعة قبل المعرفة، مرفَقاً بحضور الجلسات، وهو جانب المعرفة قبل المتعة.
قد يكون لمنظّمي المهرجان أسباب في منح مساحة واسعة، أرحب مما يعرفه أحدنا من المهرجانات، لكن، الخط المتمايز الذي بدأتْ به المقالة، للمهرجان، أي التحموُر حول الفيلم الأول، استلزمَ انتباهاً خاصاً للجانب المعرفي، النقاشي، التعليمي، التدريبي، باعتبار أن معظم الحضور، أو المشاركين في المهرجان، ينتظرون “الدفشة” الضرورية للانطلاق، وهذه لا تكون بعرضِ أفلامٍ أو بمشاريعَ إنتاجٍ وتسويقٍ ودعمٍ وغيرها، وحسب، بل تكون كذلك، وبالدرجة ذاتها -فهي متن آخر- تكون بتعزيز الجانب المعرفي والإدراكي والمهني لهؤلاء. وهي حاجةٌ ملحّة في المجال السينمائي العربي.
كي نفهمَ أكثر كلَّ ما قلتُه، أنهي المقالةَ ببعض العناوين لهذه اللقاءات المعرفيّة المتوزّعة على طول المهرجان.
ورشات العمل كانت عن كتابة السيناريوهات، واستخدام الأرشيف في الوثائقيات، والتشبيكات في المهرجانات، واستراتيجيات هذه المهرجانات، ومهارات التمثيل، والنقد السينمائي. أما الجلسات النقاشية فكانت بسلسلة جلسات “أوّل فيلم”، وبتقديم أصواتٍ أردنية من حول العالم، وبالتعريف بعمليات البرمجة في المهرجانات، وبالتجارب المحلية، وبتجربة صانعات فيلم “فرحة” في الوصول للجمهور، وبالأساليب غير التقليدية في الوصول إلى جمهور أوسع من خلال الحالة الفلسطينية. أما الماستركلاس فكان واحدٌ منها مع هيام عبّاس، الممثلة الفلسطينية، وآخر مع أصغر فرهادي، المُخرج الإيراني، الاستثنائي.