لولا المغامرات ذات الطابع الشخصي لتركي الشيخ في ملاعب كرة القدم وعالم الغناء والتمثيل، تلك المغرقة في هوس حب الظهور، لكان خبر الإعلان عن جائزة “القلم الذهبي” قد مر دون كثير من الجدل، أو بالأحرى لاقتصرت ردود الفعل على احتفاء لن تبرد من حماسته أو تشوش عليه جوقة الأصوات القليلة المعترضة دائماً. “القلم الذهبي” مثلها مثل غيرها من الجوائز السعودية الأخرى ذات القيمة المالية السخية والسمعة العالية، كجائزة الملك فيصل، هي جائزة ممولة حكومياً، مما يشمله هذا الارتباط الحكومي من حبك شبكات ولاء وقوائم نبذ وتبييض سياسي. ومثلها مثل جوائز العواصم الخليجية الأخرى، والمتعلقة منها بالرواية على وجه الخصوص، قد تحسب ضمن أدوات القوة الناعمة في سياق التنافس الإقليمي على النفوذ والتأثير واستمالة القلوب.
مع توسيع هيئة الترفيه لمجالات اهتمامها، فبعد أن شملت الرياضة ومهرجانات الغناء والسينما وحشد نجوم الثقافة الجماهيرية فيها وتأسيس صناديق تمويل الإنتاج الفيلمي والتلفزيوني ومنصات العرض الرقمية، كان من المتوقع أن تضم الهيئة إلى حقول عملها الرواية، كونها الصنف الأدبي الأكثر رواجاً في عالمنا اليوم وبشكل أوضح في منطقتنا العربية. ولعل نشر الشيخ لرواية بعنوان “تشيللو” في معرض الرياض العام 2021، كان بادرة على هذا التوجه. ومن ثم جاء تحويل الرواية إلى فيلم بنفس العنوان في العام 2023، والترويج له بوصفه أول فيلم رعب وتشويق سعودي، تجربة أولية ستؤسس على مثالها جائزة “القلم الذهبي”، وهي المعنية بالأعمال الروائية “الأكثر تأثيراً” والقابلة للتحويل إلى أعمال سينمائية.
على خلاف المؤسسات الخليجية الأخرى بما فيها المؤسسات السعودية، تتوقع هيئة الترفيه مردوداً اقتصادياً من استثمارها في مجالات الثقافة والفنون، بالإضافة إلى مراكمة رأسالمال المعنوي والسياسي بالطبع. فالحاجة الملحة لتحديث الاقتصاد السعودي وتنويع مصادره، حتى لا يظل معتمداً على عوائد النفط، دفع للاستثمار بسخاء في قطاعات السياحة والترفيه والخدمات، وبالتوازي اكتشاف إمكانات سوق داخلي للمتعة بصورها، ومعها أفق التمدد في سوق عربي أوسع يمكن احتكاره أو على الأقل الفوز بحصة غالبه منه.
والحال أن للجوائز أغراض شتى، وتبعات بعضها مباشر وواعي وبعضها عرضي لكنه لا يقل تأثيراً. تخلد الجوائز أسماء مانحيها وتضفي ألقاً على سلالات حاكمة ودول وأنظمة سياسية ورجال أعمال، وبفعلها تنصب عواصم ومدن بعينها كمنارات للثقافة والفن ولمواسمها، وتخلق أيضاً هيراركية للاعتراف والتقدير داخل الأوساط الأدبية والفنية، وبفعل تلك التراتبية تتشكل طوائف من النجوم وحراس البوابات وقوائم الأعلى مبيعاً، وعلى جانبيها دوائر أوسع من المنسيين والمنبوذين. تلعب الجوائز أيضاً ضمن المضمار الأرحب للاقتصاد السياسي للثقافة دوراً في الصراعات الإديولوجية، في تغليب جماليات بعينها والدفع بذائقات ونظريات وصنوف فنية دون غيرها إلى المقدمة وتسييدها.
أيضاً، قد تعيد الجوائز رسم حدود خارطة الأدب، وفي خصم تلك العملية المعقدة تخلق صنوفاً ووسوماً وأدوات للتقييم وتسميات جديدة. على تلك الخلفية، يبدو وكأن “القلم الذهبي” وبحس براغماتي بحت، غير معنية بالرواية الخالصة، أي بالرواية المكتوبة لجمالياتها أو ما يمكن تسميته بالرواية الرواية ، بل براوية تطبيقية (على مثال التفريق في الفنون البصرية بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية). الرواية التطبيقية في هذه الحالة، هي رواية فيلم، رواية لا تكتب للقراء بل للمشاهدين، رواية طموحها الأساسي أن تكون فيلماً، بمعنى أن تصبح شيئاً آخر لا أن تكون نفسها، وبذلك تصل إلى أقصى تحققها حين تكف عن أن تكون رواية. المعادلة البسيطة التي تتبعها هيئة الترفيه، هو أن الفيلم أوسع تأثيراً من الرواية، وأن أرباح فيلم ناجح أعلى بمرات من أرباح رواية ناجحة. لجنة تقييم الجائزة التي تضم عدد كبير من العاملين في المجال السينمائي من مخرجين وكاتبي سيناريو بل ومنتجين أيضاً، تؤكد أن معايير التقييم والحكم هي معايير فيلمية، عرضاً تجلب الجائزة أدوات تقييم من خارج حقل الأدب للحكم على الأدب. أما أفرع الجائزة، التي تحمل تسميات سينمائية أكثر منها أدبية، مثل الرواية الكوميدية ورواية الحركة وغيرها، فهي لا تخلق صنوفاً جديدة، فأدب الفكاهة وروايات الإثارة هي صنوف قائمة بالفعل، إلا أن الجائرة تتيح لها موقعاً مجزياً بين الصنوف الأخرى. بقيمة مالية هي الأعلى بين كل جوائز الرواية في العالم العربي، تدفع “القلم الذهبي” برواية سينما الترفيه إلى المقدمة.