ماتت شاشة التلفزيون يا أصدقائي
الأخبار العاجلة التي تركتموها وراءكم
كانت عاجلةً لدرجة أنها دخلت غرفتي دون أن تطرق الباب
وأنا، بطبعي، لا أحبّ هذا النوع من الضيوف
أصبحت، منذها، مصّاصة دماءٍ، أسحب الدم من وريدها، أكفّنها بلفافة تبغ عند الغداء قبل أن تتعشّى على لحم فكرتي الساذجة عن البشر
حين كان جلادو الكوليسيوم مجرّد فكرة سينمائية
مشعلو أفران النازيّة مجرّد سطر محشوّ في فصل تاريخ سأمتحن فيه
ضحايا الهراكيري مجرّد فانتازيا في مخيّلة روائيي اليابان المعاصرين
في الفواصل الإعلانيّة، كنت أفلق حنجرة المذيع قبل أن يفلق ضحكتي إلى نصفين. أنصاف الضحكات تشبه البكاء. وأنا قررت ألا أبكي بعدما فلق الحبّ قلبي ولعنت الأخبار ديني.
الأخبار العاجلة لا دين لها
وأنا أتبع دين الموسيقى
صوت دييجو سيغالا يذكرني بمآتم لم أشارك فيها
الموسيقى الفارسيّة، دون مجازٍ، تعلّمني حرفة التنويح
فيروز تكفّن جثثًا مجهولة وهي تغني “راحوا متل الحلم راحوا”
وأنا، بعدما كسرتْ الأصفار في أعداد القتلى أقفال مخيلتي بالأزاميل، رحت معهم. أحمّض ملايين الصور في عتمة قلبي المفلوق. تطير فيه فراشات خواصرهم حين يقعون في الحبّ،
يفيض ماؤه المالح حين يشتاقون لأمّهاتهم، يصبح بصلة محروقة حين يشتاقون لموائدهنّ.
هكذا صنعت أخبارًا كافية للموت. تحوّلت أحلامي إلى وكالة أنباء وصباحاتي المرفّهة إلى صحفيين مسعورين يشمّون رائحة الجراح من تحت الأبواب ويسمعون الأنين الخافت من مسامات جلودهم.
الأخبار تصير خبرًا واحدًا
القتل والتعذيب والغرق، كلّهم أطفالٌ من جينٍ لرجلٍ واحد.
يا أصدقائي المنفيين
لم يعلّمني أحد صناعة أخبار الحياة
أخباركم، على مهل تجيء، وتطرق الباب كضيف خفيف الظلّ
فيما أنا، سأخال طرقتكم نقر يمام على الشباك، وأظلّ مرقدةً في سريري، أستمع لأغاني سيغالا وفيروز في وقتٍ واحد، أتخيّلهما على مسرح واحد، في كفنٍ واحد.
الذكريات الوهميّة التي ألّفتها عن حياتكم السابقة تشبه كذب القصائد الصادقة. أجيئها مثل ممثل يموت في المسرحيّة فيلحقه الجمهور إلى المقبرة، مثل كاتب سيناريو عجوز ينام في فراش أبطاله ويعدّ لهم الفطور، مثل زهر الأغنية الذي يقصف أجنحته. مثل الأصوات التي غنّت ثم سكتت، مثل قصائدكم المستذئبة.
قصائدكم، تكسر الأبواب كالأخبار العاجلة.
لفظ أسماء العواصم الأوروبيّة تخبئكم في أقبيتها، حيث الصيف القائظ وراءكم، تعاويذ الأمهات من أعين الإنس وأنفس الجن وراءكم، وأمامكم جمهور الكوليسيوم يناديكم.
أعوذ بقصائدكم من شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر طوارق الليل والنهار.
لكنّ التعاويذ تحت القصف، والطوارق يفتحون الأقبية ويجرون ذكرياتكم إلى قلب الأرينا.
يا أصدقائي المنفيين
حين تبدأ اللعبة، زودونا بالأخبار العاجلة.