مها حاج: ما قدّمناه إلى مهرجان “كان” هو المسودّة الأولى من الفيلم

مها حاج في تولوز . خاص رمان

سليم البيك

محرر المجلة

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

10/03/2017

تصوير: اسماء الغول

سليم البيك

محرر المجلة

سليم البيك

روائي وناقد فلسطيني، مقيم في باريس. محرّر "رمّان الثقافية". يكتب المقال الثقافي والسينمائي في "القدس العربي". له ٥ كتب، آخرها روايات: «عين الديك» (٢٠٢٢ - نوفل/هاشيت أنطوان، بيروت)، و«سيناريو» (٢٠١٩ - الأهلية، عمّان)، و«تذكرتان إلى صفّورية» (٢٠١٧ - الساقي، بيروت). نال مشروعه «السيرة الذاتيّة في سياق الجمعيّة: بحثٌ في السينما الفلسطينية» في ٢٠٢١ منحةً من مؤسسة "آفاق". مدوّنته: https://saleemalbeik.wordpress.com

ضمن تظاهرة «سينما فلسطين» في مدينة تولوز الفرنسية أواخر الشهر الماضي، تم عرض فيلم «أمور شخصية» لمها حاج، وذلك في “ما قبل العرض الأول” إذ بدأت عروضه في فرنسا في الأول من مارس… التقيتُ بمها حاج وأجريت معها هذا اللقاء عن صناعة فيلمها الأول وعن دخوله مهرجان كان وأخيراً عن مسألة التمويل والمقاطعة.

ما الذي أوصلك إلى هذا الفيلم؟ هل لك أفلام قصيرة قبله؟ كيف كان الطريق إلى «أمور شخصية»، سيناريو وفكرة وغيره…؟

أستطيع أن أجيب بشطرين: أولهما ما أوصلني أساساً إلى السينما. وما أوصلني إلى هذا الفيلم بشكل خاص. بخصوص الفيلم، فهي الصورة التي أرسلها لي أخي وهي لبيت على البحيرة في السويد، هو ذاته الموجود في الفيلم، مع كرسيين فارغين، وقد أخبرني برغبته في دعوة والدينا في الصيف إلى هناك. أحببت الصورة كثيراً وأحببت أن أرى رجلاً وامرأة بهذا العمر جالسين عليهما، ليس أهلي تحديداً، لكن الفكرة أحببتها، وقد بدأت بين الخيال والواقع وتطورت بشكل خيالي تماماً. أما ما أوصلني للسينما، مع أنني لم أدرسها، فهو حبي للأفلام والأدب والفن، الرسم تحديداً، منذ كنت صغيرة. لكن لم يكن لدي حلم منذ صغري بأن أعمل في السينما، أتى ذلك بشكل بطيء وتدريجي ولم أكن أعرف ما أريد، لكن ما كنت أعرفه هو أنه في داخلي ما يريد الخروج للعالم، ولم تكن مهنتي في التعليم تستجيب لذلك، فقررت أن أترك العمل وبقيت في البيت لا أعرف ما أريد فعله، كان ذلك في ٢٠٠٣. لكن كل حياتي كنت أكتب، أكتب لنفسي، قصصاً قصيرة وقصائد وبدايات لروايات لم تكتمل يوماً

هل تفكرين في تطويرها لتصبح سيناريوهات ربما؟

لا. كنت أكتب لنفسي، لا أشارك أحداً، أعتقد بأني إنسانة مغلقة على نفسها وخجولة، فلم أحب يوماً أن يقرأ هذه النصوص أحد. ثم بعدها أتت فكرة السيناريو، ولم أكن أعرف كيف يُكتب، ففتحت موقع أمازون وطلبت كتباً سخيفة تدّعي تعليم كتابة السيناريو، لم تفدني في شيء سوى في أن أعرف كيف هو شكل السيناريو. بدأت بعدها بكتابة سيناريوهات لأفلام قصيرة لي، إلى أن جاء صديق، هو مخرج أنجز فيلماً قصيراً وكانت لديه فكرة لفيلم طويل ويعرف أني أحب الكتابة، فقال لي أن أجرب لأطور فكرة الفيلم القصير إلى فيلم طويل، قمت بذلك وكان أول تجربة لي في كتابة فيلم طويل في ٢٠٠٥. وفي ٢٠٠٨ كتبت وأخرجت فيلماً قصيراً اسمه «برتقال»، وشارك في مهرجانات عدة ونال جوائز، ففكرت بأنه قد يكون لدي موهبة ما وأني يجب أن أهتم بها قليلاً. بعد «برتقال» أتاني عرض من صديقي المخرج إيليا سليمان، فقد أتى إلى فلسطين ليصوّر فيلمه الأخير «الزمن المتبقي»، وكان بحاجة إلى من يقوم بعمل الديكورات (سيت ديكورايتر)، فطلب مني مساعدته في ذلك، وأنا لم أكن قد خضت تجربة العمل في فيلم غير فيلمي القصير، ولم أكن قد اشتغلت مسبقاً في قسم الفنون (آرت ديبارتمنت) في الأفلام، لكن لأنه إيليا ولأني أحب أفلامه ولأنه صديقي، ولأن الفترة التي توجّب أن أنجز الديكورات لها كانت سنة ١٩٤٨، وهذه الفكرة أبهرتني، بدأت بإجراء البحوث عن البيوت من داخلها وخارجها، وكنت متأثرة جداً، وقمت بعملي، وبعدها أتاني العديد من العروض كآرت دايركتر لأفلام أخرى، فاشتغلت بذلك لعدّة سنوات.

يعني ذلك أني حين قلتُ بعد عرض الفيلم أمس أني أحببت الديكورات، وأن فيلمك ذكّرني بإيليا سليمان كنتُ على حق؟

صحيح، أنا شخصياً التي أشرفت على ديكورات الفيلم لكني لا أصرّح بذلك، بسبب الخجل ربما، يكفي أن أقول أني المخرجة. وبعد عملي لسنين في ذلك، وجدت أني أحببت العمل مع الآخرين في الفيلم أثناء التصوير، وقلت لنفسي أن هذا ما سأقوم به في حياتي، وهو في قسم الفنون في الأفلام، إلى ٢٠١١ حيث بدأت بكتابة «أمور شخصية»، ولم أكن متأكدة بأني سأنجز الفيلم، وفي ٢٠١٣ قدّمته للتمويل، ونال الموافقة وبدأنا بالتصوير.

تم تصوير الفيلم في مواقعه الحقيقية: الناصرة ورام الله؟

كمواقع تصوير لم ندخل إلى رام الله، صوّرنا في الناصرة وفي حيفا على أنها رام الله. في حينها كانت الأوضاع هناك غير مستقرة، كان كأن انتفاضة ثالثة ستندلع، فلم نستطع كفريق كبير الدخول إليها، ووجدنا مواقع في حيفا. وفلسطين كلّها أساساً تشبه بعضها، فالمواقع في حيفا تشبه تلك التي في رام الله، أما بيت جورج وجدّته فهو بيت في الناصرة، مهجور، أثري جداً، هو لعائله تركته منذ زمن، لم يكن فيه أثاث فاشتغلنا على الديكورات فيه وصوّرنا.

كم استغرق تصوير الفيلم؟

استغرق التحضير شهراً تقريباً، ثم صوّرنا أولاً الجزء الخاص بالناصرة، بيت صالح ونبيلة، ثم ذهبنا إلى السويد وصوّرنا، ثم كان لدينا شهر ونصف استراحة، فترة ما قبل الإنتاج، ثم صوّرنا الجزء الثاني، وأنجرنا المونتاج. يعني بدأنا في أول سبتمبر ٢٠١٥ حتى منتصف نوڤمبر، مع الاستراحة. صورنا في ٢٤ يوم فقط، ثم قمنا بالمونتاج (الإيديتينغ)، الإيديتور هي الفرنسية ڤيرونيك لانج، تسكن في باريس، أتت هي أولاً إلى الناصرة، ثم أنا سافرت إلى باريس، وسافرت مرة ثانية، إلى أن أنهينا المونتاج في أواخر مارس، ولم نكن قد اشتغلنا على الصوت. إلى أن أتى الخبر من مهرجان “كان”.

قدمتموه إلى أكثر من مهرجان أم فوراً وفقط إلى “كان”؟

قدمته إلى “كان” مع اعتقاد مسبق بأنّهم لن يقبلوه، المنتج باهر إغبارية أصر على إرساله إلى المهرجان، ولم يكن الفيلم في حينها قد جهز بعد، كانت هنالك مشاهد ناقصة، مسوّدة أولى فقط، لا صوت ولا تصحيح ألوان، والترجمة كانت سريعة، وأرسلناه، من مبدأ أننا لن نخسر شيئاً بإرساله هكذا، ثم في منتصف إبريل أرسلوا لي إميلاً بأنه تم قبول الفيلم، ولم يكن لدينا أكثر من شهر واحد فقط لننهي المونتاج والألوان والصوت.

رافق الفيلم في المهرجان إشكالات، عربياً أقصد، فيما يخص هويته، كفلسطيني أو إسرائيلي، لم حصل ذلك؟

قدّمنا الفيلم كإسرائيلي حسب الاتفاقية التي أجريناها مع صندوق الأفلام الإسرائيلي، وحسب القانون الجديد، والقاسي جداً علينا كفلسطينيين، والذي تم إدراجه بعد قضية المخرجة سهى عراف حين قدّمت فيلمها «ڤيلا توما» في مهرجان ڤينيسيا قبل سنتين كفيلم فلسطيني، فقد أدرجوا قانوناً بأن مخرجاً ما، حتى لو كان فلسطينياً، إن أخذ تمويلاً من الصندوق الإسرائيلي فيتوجب عليه أن يقدّم فيلمه كإسرائيلي فقط، ممنوع حتى ما كان يقوم به مخرجون فلسطينيون سابقاً وهو تقديم الفيلم كفلسطيني/إسرائيلي: فلسطيني لهويتهم وموضوع فيلمهم، وإسرائيلي للتمويل. ولا بأس في ذلك. أما القانون الجديد، وكنت المتضررة الأولى منه، فقد منعني من ذكر كلمة فلسطين تماماً، حتى لو أردت وضعها إلى جانب كلمة إسرائيل كتعريف لهويّة الفيلم فسيتم مقاضاتي.

يصعب على الكثير تقبّل حقيقة أن يموّل الإسرائيلي فيلماً فلسطينياً، بعض الاعتراضات هي مزاودات فارغة وبعضها حريصة على فلسطينية هذه الأفلام، لهؤلاء الحريصين، ما الذي يمكن قوله فيما يخص أسباب التوجه إلى التمويل الإسرائيلي؟

هنالك سببان، والاثنان مهمان، أولاً لا يوجد بديل، أنا جربت ولم أجد. حين تذهب إلى دول عربية، خليجية تحديداً، يقولون أن جواز سفرك إسرائيلي، أنك فلسطيني صحيح ولكن جوازك إسرائيلي، لا نستطيع دعمك. هنالك بعض المؤسسات تدعم إنّما بمبلغ صغير لا يكفي لفيلم روائي طويل. الدول الأوروبية توافق على دعم مشترك مع دول أخرى لكنها تشترط أن تأخذ من دولتك أولاً، وهي هنا إسرائيل. لا مجال لتجاوز ذلك الآن، ولا صندوق لدينا حتى اليوم، لا صندوق لدعم أفلام فلسطينية للفلسطينيين، أكانوا في الداخل أو الضفة والقطاع أو الشتات، لا يوجد. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فهذا حق لنا، نحن كمواطنين ندفع ضرائب، وهذا الدعم جزء بسيط جداً مما ندفعه، ما ندفعه أكثر بكثير مما يعود لنا من دعم للثقافة إن كان مسرحاً أو سينما أو أدباً، هذا ما أقوله أنا لكن هنالك من يقول بأنّه حتى لو تواجد البديل فسآخذ هذا الدعم لأنه حق لي. أقول بأن أوجِدوا بديلاً ودعونا نختار، لتكن هذه مناسبة للمناداة باستحداث صندوق دعم فلسطيني للسينما.

لنحكِ عمّا يترافق دائماً مع التمويل الإسرائيلي، وهي المقاطعة العربية لأفلام فلسطينية، بالمناسبة كانت هنا هيام عباس خلال المهرجان وأشارت إلى عدم تمكنها من عرض فيلمها «إرث» في البلاد العربية. فيلمك هذا كان ضحية حركة المقاطعة في بيروت قبل فترة. كيف يمكن للمقاطعة أن تؤثر على توزيع الأفلام الفلسطينية وعرضها في بلاد عربية، وهي أفلام فلسطينية من ناحية المخرج والكاتب والممثلين والحكاية والشخصيات واللغة والمكان في الفيلم.

له تأثير كبير، ففيلمي يُوزّع في بلدان عدة في أوروبا وأميركا اللاتينية والعالم، أما البلاد العربية فلم يتواجد الفيلم في أي منها، وذلك محزن، لكن ما حصل في بيروت ومقاطعة الفيلم وسحبه من المهرجان قبل العرض بيوم، فيها خيبة أمل، لأسباب عدة، أولها أني كنت أحب أن يُشاهَد الفيلم هناك، وكوني أحمل جواز سفر إسرائيلياً فأنا ممنوعة من دخول لبنان، فإن لم أستطع الوصول إلى هناك فليصل فيلمي، والتواصل بذلك سيستمر، وهنالك شعور معمّم لدينا كفلسطينيي الداخل، وهو الشعور باليتم وبانقطاعنا عن باقي أشقائنا في العالم العربي وهذا محزن جداً. ثم بعد ذلك يتم وضعنا دائماً في موقع المساءلة: من أنتم؟ اثبتوا أنفسكم وفلسطينيتكم! أنتم إسرائيليون! استهلاك الموضوع بهذا الشكل صار مملاً عندنا، مملٌ الجهل في ذلك، ونحن لا نستحق هذا الظلم. نحن فلسطينيون ونرفع رأسنا بذلك وفخورون وليس هنالك ما نخجل به، بقينا على أرضنا ودافعنا عنها وعن بيوتنا ونحن، كفلسطينيي الشتات وغزة والضفة، فلسطينيون، لا أحد يملك الحق ليخوّنا أو يطالبنا بأن نثبت وطنيتنا، لماذا أطالَب بأن أثبت ذلك، لمَ لا يحاولون هم أن يعرفوا أكثر عنّا وعن كم هو وضعنا حساس، ورغم كل حساسية الوضع وصعوبته ها نحن نصنع فناً ونوصله للعالمية، وبدل احتضاننا والافتخار بنا يقومون بمقاطعتنا!

هنالك مسألة لا بد أنها تضايقك وهو أن الفيلم فنياً وجمالياً وبعموم المعايير السينمائية فيلم ممتاز، ومشاركته في مهرجان “كان” يؤشّر لذلك، وبدأت عروضه التجارية في فرنسا في الأول من مارس ونال استحساناً نقدياً. إلى أي درجة يضايقك أن يكون الكلام كله عن الفيلم يخص التمويل والمقاطعة في حين أن هنالك الكثير مما يمكن قوله جمالياً في الفيلم؟

يضايقني جداً، الحديث عن التمويل وعن تعريفي لنفسي وعن الذي حصل في مهرجان بيروت، هذا كل ما أُسأَل عنه من الصحافة العربية، أنا هنا في فرنسا منذ ٢٢ فبراير، مرافِقة للفيلم، وأجريت العديد من المقابلات، ويسعدني كثيراً أن تسألني الصحافة هنا عن الفيلم من نواح سينمائية، فأحكي عن الفيلم الذي أحبه، بينما لا أتمكن من ذلك في الصحافة العربية. أتمنى أن يركزوا على الفيلم في صحافتنا، فهذا بالنهاية فن، وأنا لا أدعي حمل شعارات كبيرة، هذا فيلم، لنحكِ عنه وعن الألوان والشخصيات والحكاية…

هل هنالك ما تودين قوله أخيراً؟

هذه فرصة الآن لشكر الطاقم الرائع الذي اشتغل معي في ظروف صعبة وميزانية قليلة وضغط كبير كي نلحق التصوير، لكن كان هنالك الكثير من المحبة والطاقة الإيجابية خلال التصوير، جميع أفراد الطاقم ضحوا كثيراً، من المنتجين باهر إغبارية ولورا حوا وإيهاب أبو العسل ومنذر حاج إلى الممثلين دريد لداوي وعامر حليحل وسناء شواهدة وجيهان ديرملكنيان ومحمود شواهدة ميساء عبد الهادي وحنان حلو وزياد بكري، والموسيقى الرائعة لحبيب شحادة حنا، والإديتور ڤيرونيك لانج وآخرين كثر، كل الناس التي عملت معنا فتحت بيوتها وساعدتنا، ومنها عائلتي.

“أمور شخصية” لمهى حاج: عن روتين يومي يكشف حياةً معطّل… نديم جرجورة

الكاتب: سليم البيك

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع