الفنان التشكيلي الفلسطيني المعروف كامل المغني، وقبل رحيله عن العالم بيومين، ورغم تأزّم حالته المرضية، أصرّ على افتتاح المعرض الأوّل للفنانة التشكيلية مي مراد (1984)، فكانت “مفاجأة جميلة لتلميذته مي، لم تكن تتوقعها هي” وكان بذلك افتتاح باكورة أعمال الفنانة الغزيّة الشابة، بمعرض واقعي أسمته “وجوه (2007). عشرون لوحة اعتمدت فيها رؤية بصرية بأن “الوجوه ليس لها مكان محدد بعينه، بل تتواجد في أكثر من مكان، في أكثر من عالم”.
الخيال بالنسبة لمَي هو الملاذ، كونه “عالمها الخاص وحياتها الأخرى التي تحب أن تعيشها”، تقول: “الحصار الإسرائيلي جعل الخيال هو المنفذ الوحيد للعالم، جعل الإنسان يبني الأشياء التي يحبها في خياله”، ما ذهب بها لاتخاذ الجدار جسرًا لمشروعها الأعمق، من خلال فكرة مشروع «رسائل الروح والجدار» الجاري العمل عليه الآن، ليكون بذلك الجدار جسرها للتعبير عن فكرتها.
هذا الجسر الفني جديد على المسرح التشكيلي لمبدعة معرض «جواز سفر» عام 2013، حيث كانت قصائد محمود درويش جسر التواصل بينها وبين عرض فكرتها، ومن تلك القصائد فلسطينية الروح استوحت لوحاتها التي عُرضت في المركز الفرنسي، وجابت عدداً من المدن الفلسطينية من بينها القدس.
أيضًا في معرضها الآخر «أطياف موسيقية» (2014)، كانت الموسيقى هي جسر التواصل لعرض فكرتها، من خلال عرض لوحات مستوحاة من أنواع مختلفة من الموسيقي مثل فريد الأطرش، شتراوس، باخ، الثلاثي جبران، زياد الرحباني وفيروز، وغيرهم.
في معرضها الأخير الجاري العمل عليه«رسائل الروح والجدار» والتي تعتمد فيه الجدار جسرًا لإيصال فكرتها الجديدة، بدأت الفكرة لديها “من خلال تأملها الرسائل المكتوبة على الجدار في كل مكان، عفويتها وعمقها وبساطتها، وأنّ من يكتبها هو رجل عادي، يلجأ للجدار من أجل التعبير عن رأيه أو رسالته”. تحب مي هذه الطريقة العفوية في التعبير لكونها “تُطلق مجالاً للتساؤل، لماذا يلجأ الإنسان العادي للجدار؟ وما الفكرة التي تتكون لدى هذا الإنسان؟ ولماذا يفضل الجدار عن غيره كوسيلة للتعبير؟ وما الذي يحاول أن يحدثه من تغيير من خلال رسالته؟” أسئلة متلاحقة تُحاول مي الإجابة عليها من خلال ترجمتها عبر أعمال فنية توثق بها حالتها الشعورية كأنثى، من خلال رؤية بصرية تتناول الجدار جسرًا للتعبير عن قضايا المرأة في المجتمع الفلسطيني، وهو الهاجس الحقيقي الذي تبحث عن وسيلة للتعبير عنه، بالذات من خلال المعرض الأخير «شبرة قمرة»، الذي تتشارك فيه مع مجموعة من الفنانات الشابات هن رفيدة سحويل ومجدل نتيل ورنا البطراوي وسمية الأقرع .
في المعرض القادم «شبرة قمرة»، والذي سيفتتح قريبًا بالتعاون بين مركز شؤون المرأة وجاليري شبابيك، تُشارك مي بعملين: أولهما عمل انستليشن، وهو عبارة عن مجموعة من العرائس ملفوفة بالدانتيل ومصفوفة بجانب بعضها البعض، للتعبير عن رفضها لوأد الطفولة بالزواج المبكّر، بما يجعل الزواج بمثابة كفن للطفولة، ويتسبب للطفلة بالكثير من الألم، مثلما تروي الفنانة. في العمل الآخر، تستكمل مي حالة الرفض لإيذاء المرأة، ولاسيّما الإيذاء اللفظي، من أجل ذلك قامت بعمل أسمته “الكلام يذبح”، وهو عبارة عن زجاجة مطعونة بسكين، عمل مستوحى من قول رسول الله “رفقًا بالقوارير”، فقد شبّهت المرأة بالزجاجة، للتعبير عن شدة تأثرها بالإيذاء ممن حولها، ما يتطلب رقة في أسلوب التواصل معها.
معرض «شبرة قمرة»، بالنسبة لمي، فرصة للتعبير عن اضطهاد المرأة في غزة، مثلما تقول: “فهي غالباً في ما يتم إساءة فهمها، حيث يجدر الدفاع عنها “، وهو مضمون تحاول التعبير عنه جيدًا من خلال معرضها الأعمق «رسائل الحب والجدار»، والتي تسعى فيه لتتويج المرأة بالحرية، ونزع عنها الرقابة الذاتية التى تخنقها كما قالت مي.
هي إذن فنانة جريئة مثلما يرى الفنان التشكيلي الفلسطيني المقيم في الأردن هاني علقم، يقول: “هي فنانة تطرق أبواب الاختلاف والتحدي في أعمالها ولها مستقبل قريب في إضافة بصمة جديدة في الفن الفلسطيني والعربي”، وكذلك الفنان التشكيلي شريف سرحان، الذي يؤكد ذلك بقوله: “مي لها مستقبل جيد في الفنون البصرية وهي تبحث عن ذاتها من خلال إنتاجها للفن وأعمالها الفنية وتعمل بشكل كبير علي تطوير الأدوات”.
لكن “الجدران، تلك المساحة الفنية الجديدة للتعبير عن رفضها للواقع، هي ذاتها الحاجز الرمادي الذي يقف أمام إبصارها مساحات أوسع، وغالبًا ما تصطدم به، ويمنعها من الوصول لأشياء تلهمها”، هي تبحث دومًا عن مساحات تزيد من قدرتها على التعبير عن ذاتها وقضايا مجتمعها، وتجعلها حرّة، دون قيود من الخارج أو الداخل، بما يكفي لرؤية بصرية شفافة، وقادرة على إيصال رسالة الفن، والذي إن توقفت عن ممارسته “تقتل نفسها” كما تروي.