نسرين أكرم خوري، من الأسماء الجديدة على خارطة الشِعر السوريّ. من مواليد مدينة حمص- العام 1983. تحمل إجازة في الهندسة المدنية. وتُحضر لرسالة الماجستير حول “هندسة الإدارة والإنشاء”. إلى جانب عملها في المديرية العامة للآثار والمتاحف.
أصدرت مؤخراً مجموعتها الشعرية الأولى “بجرّة حرب واحدة”، عن دار التكوين، دمشق. وفاز مشروع روايتها الأولى “وادي قنديل” ببرنامج المنح الإنتاجية لمؤسسة المورد الثقافي، لعام 2015.
لتسليط الضوء على أبرز الجوانب المؤثرة في إبداعها، من الطفولة والكتابة الأولى، مروراً بمحفّزات كتابة الشِعر، وصولاً إلى النشر وصعوبة الدخول إلى هذا العالم المليء بالمحسوبيّات. التقينا مع الشاعرة نسرين أكرم خوري وكان هذا الحوار:
نظراً لأهميّة الطفولة بالنسبة للمبدع وتحديداً تلك الأحلام الجميلة التي طالما عشناها ببراءةٍ وعفويّة. ما الذي يشدّك كشاعرة إلى عالم الطفولة، وكيف عشت هذه المرحلة من حياتك؟
الطفولة لا تقبل أن تفارقنا، هي حاضرةٌ دومًا تنتظر أشدّ الأوقات قسوةً كي تطالب بالسكاكر، حينها نشتهي صفعها بقوّةٍ، إلاّ أننا نضع رأسنا على صدرها وننتحب.
لا أدّعي أنني شاعرة، حين كتبتُ نصوصًا -أخبروني لاحقًا أنّها شِعر- كانت تلك الطفلة تستعير يدي، ولأنّها طفلة تتوارى عن الأنظار كلّما سُئلتُ عن الموضوع. لا أستطيع أن أؤنّبها على شيء، لأنها ستدافع عن نفسها: هم من قالوا إنه شِعر، أنا فقط كنت أريد اللعب بيدٍ أكبر قليلاً.
أتيتُ إلى العالم بعد ثلاث سنوات من زواج والديّ، لذا كنتُ حدَثًا، وهذا ما رتّبَ على طفولتي أن تكون مدلّلة وهانئة. ولكنّها كانت مهذّبةً أكثر ممّا يجب، ما جعل منّي اليوم امرأةً صحيّةً ولطيفةً. تصوّر صعوبة أن تسبح امرأة بهذه المواصفات في شتيمةٍ عميقةٍ كالحياة.
كل مبدع له حكايته الحميمة مع نصّه الأوّل، النص الذي ولِدَ من حيثُ ندري ولا ندري، ماذا عن خطوتك الأولى في أرض الكتابة؟
الخطوة الأولى، على الأرجح كانت على الشاطئ، هذا هو التفسير الوحيد لتلاشيها من ذاكرتي. هل حقًا يستطيع أحدٌ أن يتذكّر نصّه الأول بوضوح؟ حتّى أجيب على هذا السؤال عليّ أن أعود إلى مقاعد الدراسة الخشبية، ربّما كان محفورًا على أحدها، ثمّ جاءت فتاةٌ بعدي وحفرت فوقه قلبًا مع سهمٍ اخترق عين كلمة، قد تكون الكلمة “سعادة” أو “فرح” غالبًا، لذا لم تعد تصيبني بدقّةٍ.
ما الذي دفع بك إلى كتابة الشِعر، وما هي المؤثرات التي كانت السبب في ذلك؟ ومن من الشعراء أثّر في تجربتك؟
أكتب أثناء تبختري بالكعب العالي على حافّة الهاوية، أكتب كي أحجم عن القفز خوفًا من انهيار العالم، أو لسببٍ آخر قد يكون الإمعان في البصق على العالم. لكلّ إنسانٍ مازال على قيد الحياة وينوي أن يبقى كذلك وسيلة تعبيرٍ يشحذها جيّدًا ويحزّ بها عنق فكرة الانتحار كلّ يوم. حين سُئِلَ فوّالٌ في حلب عن سبب فتح محلّه ابتداءً من السّاعة الرابعة صباحًا، رغم استحالة قدوم الزبائن هذه الأيام قبل السابعة، أجاب: لأنني فوّال. أنا لستُ فوّالاً ولا “بيليه” حين صرّح بعد خروجه من المستشفى قبل عامٍ بأنه يستعد للألعاب الأولمبية، ولا أُمّاً تكوي ثياب أبنائها المغيّبين تحت أردية الحرب الغليظة. أنا ببساطةٍ أكتب.
أسماء كثيرة أحببتها وأحمل قصائدها تعاويذ في وجه البشاعة، بالتأكيد لن يسعني أن أذكرها كلّها، لكنني لن أهرب ممّن يحضرونني هذه اللحظة: سنية صالح، وديع سعادة، بسام حجار، رياض صالح الحسين، محمود درويش، مظفر النواب، جوزف حرب، طلال حيدر، عاصي الرحباني،..،. وأيضاً هناك أسماء أحبّها وهي تنتمي إلى جيلي أو أكبر قليلاً. أنا مدينة للجميع بحبٍ يستيقظ في قلبي كلّما قرأتهم. حب يجعلني قادرةً على أن أقول “صباح الخير” من دون الشّعور بغرابة الجملة.
تجربتي مازالت تحبو، ولا أعلم إن كانت ستتعلّم المشي يومًا، المهمّ أنها تحاول أن تجد مكانًا صغيرًا يخصّها في ساحات الكتابة الرحبة، مكان ربّما لن ينتبه إليه أحد، وهذا لا يعنيها كثيرًا.
البعض يعتبر الشاعر ناقداً بالضرورة، انطلاقاً من نصّه مروراً إلى نصوص الآخرين، كيف تنظرين إلى هذه الظاهرة؟
برأيي باستطاعة الشاعر أن يكون ما يشاء ومتى يشاء. أما عن الأسباب فلا أملك فكرة واضحة. ما دامت تمتعني وتفيدني قراءة مقالات ودراسات نقدية تعود لشعراء، فمن هذه الشرفة التي أطل منها يبدو الأمر ناجحاً.
ثمّة ظاهرة لافتة عن انتشار الكتاب إلكترونيّاً، إلى أي مدى يساعد الإنترنت في انتشار الكتاب الشِعريّ تحديداً، بالتزامن مع رداءة التعامل مع “الشِعر” من قبل دور النشر العربية؟
الإنترنِت تلك العصا السحرية التي تجعل قصيدةً مكتوبةً يوم الجمعة عند الساعة الواحدة صباحًا في بلدةٍ صغيرةٍ في سوريا، تُقرَأ يوم الخميس السابق عند السابعة مساءً في الأرجنتين. من المعروف للجميع أن دور النشر العربية تنظر إلى الأمر كتجارة وبما أن السوق ليس للشعر، هذه “البضاعة” غير الرائجة، سيّما إن كانت تعود لأسماء غير مكرّسة، فالتعامل سيكون أغلب الأحيان مجحفًا. تخيّل كاتبًا يدفَع مالاً لكي يَنشر، هذا يحصل مع الجميع كل يوم وهذا مضحك. الإنترنت جاء حلاً بشكلٍ ما لهذه المشكلة، وخاصة للكتّاب الجدد. حرّرهم من وحش “السّوق” ومن محسوبيات الوسط. ولكن رغم كلّ الصعوبات تظلّ له تلك المنزلة العالية بالنسبة للقارئ والكاتب، عن الكتاب الورقي أتحدّث.
ما هو جديدك؟
لا توجد مخطّطات قريبة أو بعيدة بخصوص النشر، حاليّاً انشغال كامل في إنجاز روايتي “وادي قنديل” الفائزة ببرنامج المنح الإنتاجية لمؤسسة المورد الثقافي في الدورة الأولى لعام 2015، وقد صدرت مؤخراً مجموعتي الشعرية الأولى “بجرّة حرب واحدة”، عن دار التكوين في دمشق.