«حجر الندى» لتحسين الخطيب: الغنائيّة في أبهى صورها

Ólafur Elíasson, Riverbed, 2014; installation view, Louisiana Museum of Modern Art, Humlebæk, Denmark, 2014; photo by Anders Sune Berg

عماد الدين موسى

كاتب من سوريا

مجموعة «حجر الندى»، باكورة أعمال تحسين الخطيب، والتي جاءتْ في مئةٍ وأربعهُ صفحات من القطع المتوسط، تبدو أكثر من مجموعةٍ واحدةٍ، إذْ يُقسّمها الشاعر إلى ثلاثة أقسام مرقّمةٍ، حيثُ نجد بأنّ قصائد كلّ قسمٍ أقرب إلى بعضها البعض ومغايرة عن قصائد بقية الأقسام.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

17/10/2017

تصوير: اسماء الغول

عماد الدين موسى

كاتب من سوريا

عماد الدين موسى

لا تشبه قصيدة تحسين الخطيب إلا نفسها؛ ثمّة مُنجز شِعري عربيّ يُكرّر نفسه منذ ما قبل “الرواد” وحتى يومنا هذا، التكرار المملّ وحده ما يميّز هذا المنجز، لكن في المقابل نقرأ بين فينةِ وأخرى تجارب شِعريّةٍ مختلفةٍ ومُغايرة، أرادت أن تخوض شِعريّتها لا خارج السرب فحسب بل عكس التيار أيضاً.

في مجموعتهِ الشِعريّة الجديدة «حجر الندى»، الصادرة عن منشورات المتوسط (ميلانو- 2017)، يسعى الشاعر والمترجم الفلسطيني الأردني تحسين الخطيب إلى تقديم نصّ شِعريّ ثريّ، مختلفٍ ومُغاير؛ إذ ثمّة خصوصيّة جليّة في اللغة والأجواء طيلة صفحات المجموعة. عدا عن خروجه على النمطيّة السائدة؛ سواء من جهة الشكل الهرمي الدارج أو من حيثُ بنية الجملةِ لديه؛ ذلك أن جملة الخطيب الشعرية، جملةٌ تتخلّصُ وفق عمليةٍ بنائية صارمة وجادة، من الزوائد التي لا تُضيف للمعنى، فيرفضُ الشاعرُ الزوائد التي تتخذ من الجماليّ ذريعةً لوصولها إلى النصّ. في قصيدة بعنوان ”حصّادة الزنابق“، يقول الشاعر: “ضَعِ الغيتارَ جانباً، كحصّادةِ الزنابقِ./ سيكونُ للموتِ/ أسماءٌ أكثرُ شِعريّةً/ وقبّعاتٌ/ طالَ انتظارها”.

أوسع من دنيا الفراشة

تنتمي قصيدة تحسين الخطيب إلى نمطٍ شِعريّ، يتأسس على ثقافتين مختلفتين في الظاهر ولكنهما متقاربتين في الجوهر والمضمون حدّ التطابق. “الشرقيّة” المتأصلة بدءاً من التراث الصوفيّ والقديم من الشِعر العربيّ، إلى جانب “الغربيّة” الوافدة إليها من خلال الاطلاع والاحتكاك المباشر للشاعر بها عبر الترجمة. قصيدة “أوسع من دنيا الفراشة“، تأتي في هذا الاتجاه، حيثُ يقول فيها: “لمْ يُنظّفوا جيوبهم من حشرات الليل الوامضة، ولم يمسحوا عن جفونهم أثرَ النّومِ. كانت أوسعَ من دُنيا الفراشةِ عيونُ صغارهم أسفلَ دودةِ القَزّ. لمْ يخيطوا الجوربَ المسروقَ، بل نثروا الحرير على المليكةِ، على بيضةِ عيدِ الفصحِ الذهبيّةِ عاريةً بين الظّلالِ“.

ما نجده في القصيدة السابقة من سَردٍ شِعريّ ينسحب على العديد من قصائد المجموعة، الجملةُ الطويلة ذات النَفَس المديد، تكادُ أن تكونُ اللبنة الأساس لبنيتها، فيما التشذيب اللغويّ المُحبّب يكمّل العمليّة الجماليّة للقصيدة.

شِعريّة ”العَدَسَة”

تتجلّى الغنائيّة الشفيفة في قصيدة تحسين الخطيب في أبهى صورها؛ وهي امتداد لتجارب عالميّة مُبدعة من مثل غارسيا لوركا وبابلو نيرودا ويانيس ريتسوس، إضافةً إلى محمود درويش. تلك الغنائيّة العذبة؛ الصور الشِعريّة تنساب بسلاسةٍ كشريطٍ لا نهائيّ رفقة الموسيقا الداخليّة للكلمات، تلك المنتقاة بعناية فائقة.

في قصيدة بعنوان ”في رأس السنة“، يكثّف الشاعر جملته بإتقانٍ ويبعد عنها الحشو والزوائد من الأحرف والمفردات، لتأتي وكأنها قطعة أعدّتْ للغناء، حيثُ يقول: “ينقصني شعرٌ لامعٌ/ وعينانِ غائرتانِ/ كي أُشبهَ ساحراتِ/ الأغاني./ أنفٌ مدبّبٌ/ وقبّعةٌ من ريحِ الأصابعِ/ خطيئةُ العارفِ/ وحجرُ شهوتكِ الأسودُ/ أقراطُ غلمانكِ/ والرّمانةُ التي لمعتْ/ في المسرّةِ/ وأنا أقودُ ظلاليَ/ مخموراً/ في رأس السنةِ/ وحيداً/ مثل شيطانٍ رجيم“.

اللغةُ الدراميّة في القصيدة السابقة جعلتها كتلةً من المشاعر، مشحونةً بجُمَلٍ تصويريّة قصيرةٍ ومكثّفة، لتأتي القصيدةُ أشبه بفيلم سينمائي في مخاطبتها للحاسة الأكثر إثارةً لدى المتلقّي، وذلك باستخدامه لشِعريّة “العَدَسَةِ” في التنقّل بين مشاهد وجوديّة مضيئةٍ، غاية في البراعة والإدهاش.

استراتيجيّة العنونة

ما بين الجملة الطويلة والمفردة الواحدة تنتقل عناوين مجموعة «حجر الندى»، ولعلّ اللافت أنها جميعاً تحمل القدر نفسه من المفارقة والتضاد، بدءاً من العنوان الرئيس للمجموعة وانتهاء بعناوين القصائد؛ حيثُ يمكننا قراءة واعتبار العناوين الطويلة وكأنها قصائد منفصلة بمنأى عن النص، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر: “بحركِ الذي لا يكفّ، نومُكِ الذي لا ينتهي”، “في قميص نومكِ، في العتمة”، “لا خاتم الملك، ولا صولجانه”، “كحبّة خردلٍ أو شبكةٍ طُرحتْ في البحر”، “القناصة في أعالي الوقت”، و”ظلّ المنحدرِ على النّاووس”. فيما العناوين القصيرة وتحديداً تلك المكوّنة من مفردةٍ واحدةٍ أو مفردتين، فهي قليلة العدد مقارنةً بالعناوين الطويلة، نقرأ منها: (“كرسيّ وحيد”، “جسد”، “ضياء معتم”، “ليليّة”، “ظلّ المرأة”، “أيد موشومة”، و“عصفور“.

وإذا نظرنا إلى العناوين بوصفها “عتبات تمهيديّةٍ للدخول إلى عوالم النصوص” نجد أنّ الشاعر ينجح في استدراج القارئ إلى مكامن قصيدته بيُسرٍ مُحتم، وهذا ما يحيلنا إلى “فهرس المحتويات” لنجد بأنها بدورها تكادُ تكون “قصيدة” أيضاً.

شِعريّة التضاد

مجموعة «حجر الندى»، باكورة أعمال تحسين الخطيب، والتي جاءتْ في مئةٍ وأربعهُ صفحات من القطع المتوسط، تبدو أكثر من مجموعةٍ واحدةٍ، إذْ يُقسّمها الشاعر إلى ثلاثة أقسام مرقّمةٍ، حيثُ نجد بأنّ قصائد كلّ قسمٍ أقرب إلى بعضها البعض ومغايرة عن قصائد بقية الأقسام.

“القنّاصةُ، في أعالي الوقتِ، يُربّونَ كبشاً أسودَ، وفي مدارج الصّحوِ”.. يقولُ الشاعر الخطيب.
   

 

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع