اسمه عزيز ضومط (١٨٩٠-١٩٤٣)، وقد ترشّح لجائزة نوبل للأدب عام ١٩٣٦، تلك التي كسبها الأميركي أوجين أونيل. وُلد في القاهرة وعاش بين القدس وحيفا قبل أن ينتقل إلى ألمانيا، لكن ليس هذا ما يهمّنا هنا.
كتب فاروق وادي أمس سائلاً عن ضومط، عن الجهل به. ونشرنا قبل قليل ترجمةً لفصل من كتاب قد يعرّف أكثر بالرّجل. وهنا، بهذه الأسطر، سأحاول ”التّعريف“ أكثر به، فلا يكفي أن يكون كاتبٌ ما فلسطينياً مترشّحاً لنوبل، كي نحتفي به. ويبقى سؤال الصّديق وادي عن ضومط مطروحاً لضرورة أن يبقى البحث عن هذا الفلسطيني ومواقفه جارياً، ولعلّ مقالتي هذه تقدّم مساهمةً ما.
المواقف تؤخذ في سياقاتها التاريخية، والسياق التاريخي لعزيز ضومط ومواقفه المعبّر عنها في أدبه، هي فلسطين ما قبل النّكبة، فلسطين الهجرات اليهودية والمستوطنات الأولى، ففي زمن كان الفلسطينيون يقاومون فيه هذه الهجرات، كان ضومط يدعو إلى التعايش المشترك، وذلك واضح في رد ألبرت آينشتاين (شخصياً) على ضومط برسالة عام ١٩٢٩ قائلاً: ”… أوافقك تماماً على ضرورة العمل لإيجاد مجتمع يهودي-عربي يقرّب الشعبيْن المتقاتليْن وينفي المتطرفين الوطنيين…“*
قد يكون السياق الأنسب لفهم مواقف ضومط الذي نادى باكراً جداً بالتعايش بين أهل الأرض والمحتلّين الجدد هو طرحُ غسان كنفاني في دراسته «ثورة ٣٦-١٩٣٩ في فلسطين: خلفيات وتفاصيل وتحليل»، وذلك أخذاً بعين الاعتبار ما ذكرتْه حفيدة ضومط في مقابلة لها بجريدة «الحياة» (٤/١٢/٢٠٠١) بأن: ”عادَ عزيز ضومط من فلسطين (إلى ألمانيا) ومعه وثائق تشير إلى مكانة عائلته الاجتماعية في فلسطين وأنه يوجد عندهم أملاك كثيرة ويحظون باحترام الجميع.“
وأخذاً للمواقف -دائماً- في سياقاتها، فلن نستغرب ”صهيونيّة“ ضومط وموقفه من الهجرات اليهودية إلى بلده مستعينين بدراسة كنفاني التي تناول فيها موقف الإقطاع -أو بكلمات الحفيدة: مَن ”يوجد عندهم أملاك كثيرة“- في فترةٍ كتب عنها كنفاني بأنّ ”عمليّة تعميق حالة الاستعمار وتجذيرها، ونقلها من حالة الانتداب البريطاني إلى حالة الاستعمار الإسكاني الصهيوني، وصلت إلى ذروتها، كما رأينا، في منتصف الثلاثينيات، والواقع أن قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية قد أُرغمت على تبني شكل الكفاح المسلّح لأنّه لم يعد بوسعها أن تظل متربعة على سدة هذه القيادة في وقت وصل فيه التناقض إلى شكل صدامي حاسم.“ (منشورات الهدف، ١٩٨٨، ص٥١).
أما بخصوص ”صهيونيّة ضومط“ (الذي أهدى روايته ”لحاييم وايزمان الذي أصبح فيما بعد رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، والذي يكنّ له ضومط الكثير من الاحترام**)، فيمكن للفقرة التالية من مقدّمة كنفاني لكتابه ذاته أن توضّح المقصود، إذ أن ”أصوات المهادنة العربية التي أخذت تظهر منذ الثلاثينات وأوائل الأربعينات لم تكن أصوات أسياد الأرض والفلاحين المتوسطين بصورة عامة. ولكنها كانت أصوات كبار برجوازيي المدن العرب الذين كانوا مجرد وسطاء للإمبريالية والذين بدأت مصالحهم تتسلق المصالح المتسعة للبرجوازية اليهودية الآخذة في شق طرق التصنيع، خالقة في الوقت ذاته وكلاءها.“ لن نستغرب إذن أن يعمل ضومط ”لإيجاد مجتمع يهودي-عربي يقرّب الشعبين المتقاتلين وينفي المتطرفين الوطنيين“ للحفاظِ على ”الأملاك الكثيرة“ وتسلّقِ ”المصالح المتسعة للبرجوازية اليهودية“.
لا أحتاج لـ ”حقدٍ طبقي“ كي أربط هذه بتلك!
وضعتُ ضومط ومواقفَه في السياق التاريخي الذي تناولتْه دراسةُ كنفاني لأقول أن لا سبب يدعونا لا لأن نتجاهل الرّجل، بل لنقدّم لا أجوبة، بل إشارات لمن يود البحث أكثر إن سأل يوماً عن الكاتب الفلسطيني الذي ترشّح عام ٣٦ لجائزة نوبل.
ضومط هذا ”صنع لنفسه اسماً، خاصة في أوروبا، بأنه المسيحي العربي الذي قاتل إلى الجانب الصهيوني وقد كتب مسرحية عن الموت البطولي للبطل القومي ترمبيلدور.“***
أمّا جوزيف ترمبيلدور، فهو ”بطل قومي صهيوني“ ساهم في الهجرات اليهودية الباكرة إلى فلسطين وقُتل في معركة عام ١٩٢٠ في مستوطة شمال فلسطين. لا بدّ أن الفلسطيني الذي قتله حينها هو النّقيض من ضومط وهو الأقرب لفلسطينيين لاحقين كجورج حبش ووديع حداد، وهو الجدير بالسؤال والبحث عنه، لا ضومط الذي انتقل إلى ألمانيا النّازية ومات هناك عام ١٩٤٣، ونظّمت له الدولة ”جنازة رسمية مهيبة شاركت فيها شخصيات ذات مراتب عالية في الدولة كما شارك ألفا عسكري ألماني في الدّفن وأطلقت ثلّة من الحرس الألماني إحدى عشرة طلقة تحيّة له.“ حسب حفيدته في المقابلة ذاتها.
وهذه -ضومط والنازيّة- مسألة أخرى جديرة بالبحث كذلك…
* Einstein on Israel and Zionism: His Provocative Ideas About the Middle East. Editor: Fred Jerome
** The Ottoman Middle East: Studies in Honor of Amnon Cohen. Editor: Elie Podeh
*** What Ifs of Jewish History: From Abraham to Zionism. Editor: Gavriel D. Rosenfeld