الخروج من فلسطين للغناء

Asil Ensemble

سلوى خليل

موسيقية من فلسطين

في ظلّ كل هذا، ما يحصل اليوم في فلسطين من تجارب موسيقية مهم جدًا ومطلوب للمرحلة. إن وجود إنتاج موسيقي مع ضآلة البيئة الحاضنة من مؤسسات حكومية أو غيرها، هو بمثابة ثورة ثقافيّة ناتجة عن وعي وإدراك الحالة ومتطلبات المرحلة القادمة، وإن لم تزل هذه التجارب في أولى خطواتها. أشعر بسعادة بأيّ إنتاج موسيقي لفلسطينيّين في فلسطين أو الشتات.

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

14/06/2018

تصوير: اسماء الغول

سلوى خليل

موسيقية من فلسطين

سلوى خليل

مثيرٌ أن يُطلب منك الكتابة عن تجربتك الشخصيّة، أن تسرد كيف عبرت كل هذه المحطّات؛ أخافتني الذاكرة  وقدرتها على حفظ التفاصيل حتى أدقّها، رغم أنّي شاطرة بالنسيان! أذكر جيدًا أن في يوم تخرّجي من المدرسة عام 2007، غنيت حينها على مسرح المدرسة، أحببت هذا الشعور، على الرغم أنّي تظاهرت يومها بالعكس. سعيتُ لدراسة الموسيقى، لكنني لم أستطع حينها لأنّ الجامعة الوحيدة التي كانت تعطي إجازة “بكالوريوس” تربيّة موسيقيّة هي جامعة النجاح، ولم أطمح دراسة التربيّة الموسيقيّة ولا للإقامة في جنين.

حين بدأت دراسة الإعلام ظننتُ أنني سعيدة، في الوقت نفسه كنت أتعلّم الغناء في معهد إدوارد سعيد للموسيقى. بدأت فكرة دراسة الموسيقى تتسلل إلى رأسي.. وصور من مشاهد حرّكها خيالي، فيها أنا سلوى خليل المغنية المشهورة! قلت: ”وماله شرف المحاولة؟“

18 نيسان/ أبريل 2015

يصلني بريد من معلمي منير فاشة، يخبرني أن أحد أصدقائه قرر دعمي في دراستي. كان الخبر أول الغيث! سعادة لا توصف، وكانت وجهتي الأولى تونس، لكن للأسف رُفض طلبي في وزارة الثقافة الفلسطينيّة، لأن عمري تجاوز الحد المسموح بابتعاثه. كان بعدها لبنان من أقوى الخيارات، لكن لصعوبة الحصول على تأشيرة جعلني أستبعده كوني فلسطينيّة.

تمّوز 2015

يخبرني محمد حمدان أنّ هناك حلّ وهو التقدم للمشاركة في مخيم جنانا. قدّمت الاستمارة وقُبلت، كان تصريح دخولي إلى لبنان لمدة خمسة عشر يومًا فقط! خلال تلك الفترة، قدّمت لأكثر من جامعة، وتم قبولي في أهم جامعتين لدراسة الموسيقى في لبنان. اتصلت بالأهل، وأذكر جيدًا أنني قلت لهم: ”آسفة، سجلت بجامعة ويمكن بدّي وقت أكثر هون“، في نفس الوقت دعمَتني مؤسّسة عبد المحسن القطّان بمنحة معيشة. لأول مرّة، أشعر أنّي داخل التجربة الآن، ولا أنتظرها! البداية كانت صعبة ومخيفة.

”لا تجتنِب المصاعب، فهي أمهر معلّمالرومي

اليوم، بعد ثلاث سنوات، أدركت المعنى الحقيقيّ للجملة. وسط كل جماليّة المرحلة وقسوتها أحيانًا، أشعر أنني وجدت المرسى لمسار بحث السنوات السابقة. أرى اليوم هويّتي الموسيقية أقرب لي من أي وقت، لم تعد الشهرة هاجسًا، بل يعنيني ماذا ستغنّي الموسيقيّة سلوى خليل ولماذا، ليست الإضافة فقط في غنائي بل في كل ما أفكر من مشاريع موسيقيّة لاحقة. أعتقد أنّ التجربة أصبحت أشمل بالنسبة لي وأن اقترابي من موروثي الموسيقي الذي يشبهني كثيرًا يشعرني بجماليّة كوني ابنة هذه المنطقة العربيّة، ولأنّ فلسطين جزء من هذا المحيط. زاد اليوم إدراكي أنّ كل هذه المحطّات، يومًا ما، ستغذّي تجربتي اللاحقة وما أحبّ أن أقدّم لفلسطين سواء كنت داخلها أو خارجها.

الإبحار في أصول الغناء

شعوري الدائم يلخص بـ ”كم أنا محظوظة أن أعيش في بيروت“. لم أتوقع يومًا أنني سأغرق في هذه التجربة الموسيقيّة. اليوم أنهي برنامج الإجازة في الموسيقى العالمة المشرقيّة وأجهز لنيل إجازة الدراسة المعمّقة (ماجستير). أتعرّف إلى موسيقيّين وباحثين ليس فقط من لبنان بل من العالم كلّه. أتيح لي أن أتطوّع وأتدرّب في مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربيّة “أمار”، وأن أغوص في توثيق ما يقارب تسعة آلاف أسطوانة مسجلة بين العقد الأخير من القرن التاسع عشر وأوّل العشرين، وأن أشارك في عروض نغميّة ضمن مجموعة “أصيل للموسيقى الفصحى العربية المعاصرة” وأدرس الغناء والنغم مع مصطفى سعيد. كلّ هذه العوامل مجتمعة هي وسيلتي للغوص أكثر في مكنون عوالمنا، وما يشغلني هذه الفترة هو البحث أكثر في أصول الغناء عند مغنيات أمتّنا في الماضي، وتعطشي لقصص وتجارب مضى عليها قرون. هي البدايات والأصول، أصواتهن، طريقة الغناء، قوّتهن وضعفهن وكل ما استطعن أن يصنعنه عبر تلك الفترة؛ وما هو الخيط المتبقي لدينا نحن جيل اليوم وما الذي اندثر ولماذا. كل هذه الأسئلة والكثير غيرها لما تتكوّن لولا هذه الفرص.
 

المشهد الموسيقي الفلسطيني جزء من العربي

إدراكي اليوم للمشهد الموسيقي الفلسطيني غير منفصل عن مجمل المشهد العربي، وليس صحيًا أن يكون الحديث عنه منفصلاً. نرى اليوم الوجع العربي من القضايا المجتمعيّة والثقافيّة والسياسيّة من أكثر المشاهد المشتركة، ودائمًا حين أُسأل هل هناك موروث فلسطيني أو سوري أو…إلخ؟ أجيب: ”لست أؤمن بجغرافيّة وحدود الأغاني والموسيقى، خاصةً في منطقتنا العربيّة. لا شك أنّ هناك اختلاف لهجات موسيقيّة، لكن تبقى اللغة واحدة في سياقها النغميّ المقامي ومحتواها الموسيقي”. مثالٌ عن تجربتي خلال تطوّعي مع مؤسسة العمل للأمل هنا في لبنان وفي أحد مشاريع المؤسسة لمجموعة نساءٍ من حوران في سوريا، طلبتُ منهن غناء بعض الموروث الشعبي في بلدهن. لاحظتُ خلال غنائهن أنني أحفظ الكلام والإيقاع واللحن، فباشرتُ بالغناء معهن؛ منذ نعومة أظفاري أسمع هذه الأغاني في الأعراس ومختلف المناسبات في فلسطين.

الخصوصيّة، رغم كلّ شيء

مع كل هذا، للقضية الفلسطينية خصوصيّة، أن تكون الموسيقى جزءًا أساسيًا من مقاومة الاحتلال. استشهد بتجربة برأيي أنها أثبتت قدرتها على كسر هذا المفهوم. إنّه المشروع المشترك بين فرقة يلالان الفلسطينيّة وفرقة إسكندريلا المصريّة. كم نحن بحاجة لمشهدٍ موسيقي يحمل هويّةً وسلاحًا ثقافيًا متينًا يعود بجذوره إلى موسيقاه الأشمل والأعمّ، والأهمّ من هذا كله أن تعاصر هذه الروح ما يتناسق مع تجديده من داخله، فالانطلاق اليوم يبدأ من الروح، والروح هي اللغة الأمّ إن لم نفهمها ونعيها تمام الوعي، سنقع في متاهة التشوه الثقافي والموسيقي بالتبعيّة. لهذا، فضلت دراسة الموسيقى العربيّة بعواملها التاريخيّة والتنظيريّة والمراسيّة، وأحببت نهج تتبع السياق التاريخي وفهم أين كنّا، أين وصلنا، وإلى أين نذهب بكل هذا الكنز؟!
 

القلق من اندثار الإرث

أدركت قرب اندثار أرث وحقيقة تاريخ الموسيقى العربيّة الواسع المتجذّر وكل هذا المخزون المرتبط لأبعد مدى بهويّتنا، وأمست مهمّة إعادة ربطه بها من الصعب جدًا، وإن وُجد في لاوعينا الجمعيّ دون استثناء. عن شخصي، اكتشافي لإرثي الموسيقي الدفين وأنا في السادسة والعشرين من عمري، هو أمرٌ غريب! يشعرني بمسؤولية كيفيّة المساهمة في نشر هذا المخزون مع مَن يعملون لإيصاله إلى الناس كي لا يبقى حبيس متاحف المستشرقين، أو عقول الجيل الأكبر، ويُنظر إليه نظرة الزمن البائد منتهي الصلاحيّة. على العكس تمامًا، سؤالي هو كيف نبدأ من هناك كي نصل إلى هويّة موسيقيّة تستحضر روح الماضي لتجدّد الحاضر فالمستقبل؟ هنا تكمن القوة والصعوبة بذات الوقت.

التفكير في مضمون ما نقدّمه

في ظلّ كل هذا، ما يحصل اليوم في فلسطين من تجارب موسيقية مهم جدًا ومطلوب للمرحلة. إن وجود إنتاج موسيقي مع ضآلة البيئة الحاضنة من مؤسسات حكومية أو غيرها، هو بمثابة ثورة ثقافيّة ناتجة عن وعي وإدراك الحالة ومتطلبات المرحلة القادمة، وإن لم تزل هذه التجارب في أولى خطواتها. أشعر بسعادة بأيّ إنتاج موسيقي لفلسطينيّين في فلسطين أو الشتات.

علينا التفكير اليوم أكثر في مضمون ما نقدّمه، نطرح الأسئلة ونحاول الإجابة عليها من خلال مشاريعنا وخططنا القادمة. وأن لا ننسى الدور الأساسي الذي لعبته فلسطين في حركة الموسيقى العربيّة خلال الزمن الماضي، لاسيما دور الإذاعات كمنبر لأهم الموسيقيّين. وأنّها جزءٌ أساسيّ من حال اليوم، رغم كل هذه المحاولات لعزلها، ومعاناتنا نحن الموسيقيّين من قلة تواصلنا مع محيطنا، إلا أننا قادرون على زرع هذه البذرة التي تخلق حالات أشمل وأعم بسياقها التاريخي والموسيقي الواحد. نحن اليوم أكثر الشعوب حاجةً لهويّة واضحة المعالم واللغة والأصل، وذلك لمواجهة كل التلوث العالق في مسامعنا وعقولنا!
 

 

هذا المقال هو جزء من ملف “الأغنية الفلسطينيّة، سردية الناس والمكان” إهداء لذكرى الفنانة الفلسطينيّة ريم بنّا. وهو من إعداد رشا حلوة.

الكاتب: سلوى خليل

هوامش

للكاتب/ة

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع